Explanation of Sahih Muslim - Hasan Abu Al-Ashbal
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Genre-genre
أسباب ارتكاب الناس للمعاصي في رمضان رغم تقييد الشياطين فيه
هناك إشكال يدور في رءوس كثير من الناس من قوله ﵊: (وصفدت الشياطين)، يعني: سلسلت وقيدت وربطت، فالشبهة عند الناس: رؤيتهم لسائر أنواع المعاصي والذنوب في رمضان، فيقولون: إذا كان النبي ﵊ يقول: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)، فإذا كانت الشياطين هي المصدر لهذه الذنوب والمعاصي والآثام، وأن الله تعالى صفدها وأغلها وربطها فمع ذلك نرى هذه المعاصي؟ قبل أن نبدأ لابد أن يعتقد المسلم بقلبه أن النبي ﵊ لما أخبرنا بهذا الخبر كان صادقًا، وهذه الشبهة محلها عندي لا عند النبي ﵊، فلا نرد على النبي قوله، ولا نشك في خبر الصادق المصدوق ﵊، فإذا صح وحاك في نفسي معنى هذا الكلام، فإنما شفاء العي السؤال.
لكن كثيرًا من الجهال في هذا الزمان إذا لم يستقم النص مع عقله القاصر يبادر بتكذيب الله ﷿، ويبادر بتكذيب الرسول ﷺ، وهذا ليس هو المنهج العلمي الصحيح عند السلف، وإنما المنهج العلمي الصحيح عند السلف هو التلقي وسؤال العلماء عما لا يعلمونه، أما مبادرتهم بالتكذيب والجحود والإنكار وغير ذلك، فهذا ليس مذهبًا صحيحًا لطلب العلم، وإنما إذا أشكل عليك أمر فيجب عليك أن تسأل فيه حتى تعلمه.
أما كون الله ﷿ قد صفد الشياطين وغلها وسلسلها فما بالنا نرى هذه المعاصي؟ فهناك عدة أجوبة: الجواب الأول: أن المردة وهم العتاة من الشياطين هم الذين يسلسلون ويصفدون ويغلون في شهر رمضان، دون غيرهم من سائر الشياطين.
الجواب الثاني: أن المعاصي ليس مصدرها فقط الشياطين، وإنما لها مصادر أخرى وهي: النفس الأمارة بالسوء، والهوى أي: اتباع الهوى، والغفلة وغير ذلك من الأسباب الباعثة والحاضة على ارتكاب الذنوب والآفات والمعاصي.
الجواب الثالث في أسباب وقوع المعاصي: أن الله ﷿ إذا كان قدر وقوع هذه المعاصي في شهر رمضان ومصدرها الشياطين؛ فإنما قوله ﵊: (وصفدت الشياطين) إنما أراد أن يبين أن معظم المعاصي التي تقع في غير رمضان لا تقع في رمضان، ولذلك لو نظرنا مثلًا: إلى الزناة أو إلى السارقين أو إلى قطاع الطرق وأصحاب هذه الكبائر تجد الواحد منهم يقول في شهر شعبان: هيا بنا نخرج ونعمل المعاصي والذنوب وغير ذلك، فيقول: نعملها قبل أن يهجم علينا رمضان! فيقول له قائل: وما المضرة في رمضان؟ فيقول: لا، إن رمضان له فضله، يعني: حتى قاطع الطريق يعلم أن رمضان له حرمة، فالذي يشرب سجائر وحشيشًا وخمرًا وغيرها من البلايا يكثر منه قبل رمضان؛ من أجل أن يكون عنده رصيد يكفيه طوال رمضان، وإن أحب ارتكاب المعصية يجعلها في ليل رمضان، مع أن الأصل أن العاصي لله ﷿ يستوي أن تقع المعصية في رمضان أو في غيره، في ليل رمضان أو في نهاره.
وإذا أتيت إلى شخص مدمن على السجائر تجده يشعل سيجارة بعد سيجارة بعد سيجارة بعد سيجارة يشرب في النهار عشرين أو ثلاثين سيجارة، فتأتي لتنصحه بعدم التدخين، فيقول لك: لا أستطيع أن أمتنع عنها، إنني أشرب سجائر وأنا ابن عشر سنوات، والآن أنا ابن سبعين أو ثمانين سنة لا أستطيع تركها، وقد جربت وفشلت مرارًا، وهذا الشخص في رمضان لا يحتاج إلى وصاية تراه يمتنع مباشرة عن التدخين في نهار رمضان، وبالتالي يقول: لا أستطيع أن أتركها ساعة في غير رمضان، لكن في نهار رمضان يتركها ساعات؛ لأن الوازع الإيماني في قلبه دفعه إلى لزوم الطاعة في الوقت الذي أمر الله ﷿ فيه بطاعته، لكن في الليل يعود إلى شرب هذا الخبيث.
كذلك الذي لا يملك شهوته أمام هذا البهرج النسوي يستطيع أن يكبح جماحه في نهار رمضان، وإن فكر في الزنا ليلًا، أريد أن أقول لك: إن المعاصي عند أصحابها مرفوضة في رمضان.
إذًا: الجواب الثالث في تفسير قوله ﵊: (وصفدت الشياطين) أي: قلت المعاصي وحُجِّمت لا أنها انعدمت بالكلية؛ لأن هذا نتيجة تصفيد الشياطين وقلة إغوائهم وغوايتهم لأصحاب المعاصي.
12 / 6