Explanation of Sahih Muslim - Hasan Abu Al-Ashbal
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Genre-genre
الدفاع عن الإمام مسلم في إخراجه أحاديث من هم محل نظر عند أهل العلم
أما الرجال الذين أخرج لهم مسلم وهم محل نظر عند أهل العلم، ولا شك أنهم أصحاب الطبقة الثالثة منهم: مطر الوراق وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي، وعبد الله بن عمر العمري مكبّرًا أخو عبيد الله الثقة، والنعمان بن راشد وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب ومحمد بن عبد الله بن عقيل وغيرهم.
عاب العائبون على مسلم روايته عن هؤلاء، وهم بين ضعيف ومبتدع ومخلّط وغير ذلك، ولكن هذا ليس بعيب في حق الإمام مسلم، والدفاع عنهم من وجوه: أولًا: أن يكون الراوي ضعيفًا عند غيره ثقة عنده كما قلنا؛ لأنه من أئمة الجرح والتعديل، فإذا كنت أنت ضعيفًا عند غيري ثقة عندي فما الذي يمنعني ويحجبني أن أحتج بكلامك وروايتك؟ ولا يقال في هذه الحال: الجرح مقدّم على التعديل، حيث لم يثبت لدى مسلم الجرح المفسّر الذي يطرح به رواية ذلك الراوي.
وأما الدفاع الثاني: أن يكون ذلك واقعًا في المتابعات والشواهد لا في الأصول، أي: أن مسلمًا وإن وافق أهل الجرح والتعديل في تضعيف هذا الراوي إلا أننا مع البحث نجد أن الإمام احتج بروايته في المتابعات والشواهد لا في الأصول، أي: أنه احتج به في القسم الثالث.
والدفاع الثالث: أن يكون ضعف الضعيف أو اختلاط المختلط حصل له بعد أن أخذ عنه مسلم في زمن استقامته، فلا يقدح ذلك في روايته في الصحيح كـ أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أي: أن مسلمًا حينما رحل إلى مصر أخذ عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وهو في عنفوان شبابه وقوة ذاكرته، فعندما خرج مسلم من مصر وكبر أحمد بن عبد الرحمن بن وهب اختلط بعد ذلك، وحصل ضعف في عقله، فاختلطت عليه الأسانيد بمتونها، فعيب على مسلم أنه أخذ عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وقد اختلط، فقال: إنما أخذت عنه قبل الاختلاط، وحينما كنت بمصر لم يكن حدث له الذي حدث وأنا بمصر، فلا بد أن يميّز بين رواية الضعفاء والمختلطين قبل ما حدث لهم من ضعف واختلاط وبعد ما حدث لهم، فإن الرواية عنهم قبل الاختلاط لا شك أنها مستقيمة، وبعد الاختلاط إن تميزت فبها ونعمت، وإن لم تتميز رُدّت.
وأما الدفاع الرابع: أن يكون الحديث عاليًا بسند ضعيف عند الإمام مسلم، أي: أن الإمام مسلمًا عنده حديث بسندين: أحدهما عالٍ والآخر نازل.
والعالي إلى النبي ﵊: أن يكون بينك وبين النبي ﵊ أقل في الإسناد العالي مما بينك وبينه في الإسناد النازل في الحديث الواحد.
فلو أنني رويت الحديث عن النبي ﵊ فكان بيني وبينه (٢٥) رجلًا، خير من أن يكون بيني وبينه (٣٠) رجلًا؛ لأنه كلما كان العدد أكثر كان الإسناد أبعد، وهذا الذي نسميه إسنادًا نادرًا، ولكن حينما أرتفع وأختصر خمسة من الرجال وخمس طبقات من الإسناد، فلا شك أنني أعلو بسندي وأقترب به من المتكلم وهو النبي ﷺ، فيكون هذا بالنسبة لي إسنادًا عاليًا، وكان السلف مولعين بمسألة الإسناد العالي، حتى قيل لأحدهم: ماذا تشتهي؟ قال: بيتًا خاليًا وإسنادًا عاليًا.
ومن أعظم أسباب علو الإسناد الرحلة في طلب الحديث، ألا تنظرون إلى ذلك الرجل الذي أتى إلى النبي ﵊ وقال له: (يا رسول الله! أتانا رسولك فقال: إن الله تعالى قد فرض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة آلله أرسلك بهذا؟ قال: نعم، ثم عدد بقية الشرائع) هذا الرجل لم يتقصد اتهام رسول رسول الله ﷺ، وإنما أراد أن يأتي بإسناد عالٍ، فبدلًا من أن يأخذ عن رسول رسول الله ﷺ أخذ عن رسول الله ﷺ مباشرة.
فلو أن محمدًا قال قولًا أبلغني به إبراهيم وأنا بإمكاني أن ألقى محمدًا، فقد ذهبت إليه ولقيته وقلت له: أأنت حدثت إبراهيم بكيت وكيت وكيت؟ فقال: نعم، فقلت له: حدثني به فحدثني به، فلو أني رويت هذا الكلام عن إبراهيم عن محمد خير أم عندما أرويه عن محمد مباشرة؟
الجواب
عن محمد مباشرة خير، وهذا هو الذي نسميه إسنادًا عاليًا.
فأحيانًا يقع للإمام مسلم حديث واحد بإسنادين أحدهما نازل بإسناد صحيح وكل رواته ثقات، والثاني إسناد عال لكن فيه راو ضعيف، ومسلم لولعه بالإسناد العالي يترك الإسناد الصحيح النازل ويأخذ الإسناد العالي الذي فيه ضعف، وليس هذا من باب أنه يفضّل الإسناد العالي وإن كان ضعيفًا، ولكن من باب أن الأمر في كل الأحوال ثابت في الشرع بهذا الدليل وبغيره، فما دام الأمر معلومًا عند أهل الشأن أنه ثابت والأدلة فيه كثيرة فـ مسلم انتقى فائدة وهي علو ال
1 / 17