شرح صحيح البخاري للحويني
شرح صحيح البخاري للحويني
Genre-genre
اعتراض البيطري المبتدع على البخاري والرد عليه
إن هذا الرجل يكذب ويقول: إن البخاري لا يدري شيئًا عن الحديث، ويطعن في الأحاديث الصحيحة، ألا يعد تعريضًا للدين للخطر؟ يقول: هذا الأفاك: إن المأساة العظمى في أمتنا أنهم يأخذون الدين تبعًا لشهرة الرجال، ولتذهب المبادئ العقلية إلى الجحيم هل هذا كلام؟! نقول له: إذًا: ما هذه المبادئ العقلية التي عندك؟ قال: إن في البخاري ومسلم أكثر من أربعين حديثًا مكذوبًا عن النبي ﷺ.
إذًا ما هي الأحاديث المكذوبة؟ قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم -قال- إلا بحقها) قال: هذا الحديث مخالف للقرآن.
إذًا أين المخالفة؟ قال: قال تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة:٢٥٦] فلماذا يقاتل الناس طالما لا إكراه في الدين؟ وقال تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف:٢٩] إذًا ربنا قال: فمن شاء، فترك هنا حرية الاختيار للنفس، فلماذا يقاتلهم؟ وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:٩٩] قال لك: أفأنت تكره، فكيف يحل القتال؟ إن مثل هذا الكلام يمكن أن ينطلي على كثير من الناس وقد لا يجد جوابًا أبدًا، ويقف محتارًا، لكن من كان عنده أثارة من عِلمٍ عَلِمَ تهافت مثل هذا الاعتراض، وأنه لا يرقى إلى باب الدليل، وإنما هي شبهة تزال بالبيان وليست دليلًا.
فالناس ثلاثة: مشرك صرف، أو مسلم، ومنافق.
الناس المقصودون في الحديث إما الثلاثة وإما واحد من الثلاثة فقوله ﷺ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) انتهى، فإذا أسلم الرجل هل يبقى مندرجًا تحت هذا الحديث؟ لا.
فإذا نافق وقال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وكان يبطن الكفر، هل يبقى مندرجًا تحت هذا الحديث؟ لا.
إذًا من الذي يبقي؟ إنهم المشركون، إذًا الناس في هذا الحديث هم المشركون، وتظل لفظة الناس هنا لفظة عامة، أريد بها الخصوص، لفظ عام مخصوص، كما قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج:٢٧] الناس في هذه الآية كل الناس أم المسلمون فقط؟ مع أن لفظة "الناس" لفظ عام ومحلى بالألف واللام فيفيد العموم، ومع ذلك فالكل يعلم أن المقصود في هذه الأية هم المسلمون دون غيرهم؛ لقوله ﷺ: (ألا لا يحج البيت بعد العام مشرك) إذًا يمكن أن يكون اللفظ لفظًا عامًا ويكون معناه خاصًا، ويمكن أن يكون لفظًا عامًا ومعناه عامًا، كقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف:١٥٨] فجميعًا من صيغ العموم، وهنا أيضًا لفظة "الناس" محلاة بالألف واللام وهي من صيغ العموم، فهي عامة في السياق، فتفيد استغراق البشرية كلها.
إذًا: إذا قسمنا الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة، وعرفنا أن القتال غير متوجه لمن آمن، وأيضًا غير متوجه لمن نافق، إذًا يبقى هذا الخطاب موجهًا إلى المشركين، وقد جاءت رواية النسائي قال: قال ﷺ: (أمرت أن أقاتل المشركين) هل هناك إشكال في هذا الحديث؟ فهذا مسلك أهل العلم في الجمع بين النصوص، وقد نص أهل العلم على ذلك، وهو كلام موجود في الكتب، لكن هذا الشخص مغبون، إذ حاد عن كلام العلماء، وعارض السنة بكتاب الله ﷿، والإمام أحمد يقول: (إن من علامات الزيغ أن تعارض السنة بظاهر القرآن)، هذه من علامات الزيغ، مثل الجماعة الذين ردوا حديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) بقوله ﵎: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام:١٦٤] .
فقالوا: إذا بكى أهل ميت على ميتهم.
فلماذا الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟ والبخاري ﵀ قد بين ولفت النظر إلى أنه لا تعارض بين الآية والحديث، فقال: (باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه -ووضع قيدًا- إذا كان ذلك من سنته) .
إذًا زال التعارض، هذا غير الآية التي قال الله فيها: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت:١٣] يعني: سيتحمل ذنوبه وذنوب غيره أيضًا لماذا ذنبه؟ لأنه أذنب، ولماذا ذنب غيره؟ لأنه أضله، فهذا مناسب.
إذًا: قوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام:١٦٤] لا تعارض بينها وبين قول النبي ﵊: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) لأن البخاري قال: (إذا كان ذلك من سنته) يعني: وصى بذلك، كأن يقول: إذا أنا مت فالطموا الخدود وشقوا الثياب، من أجل أن يعلم الناس أني غال عندكم، ولي مكانة لديكم.
إذًا: في هذه الحالة يعذب؛ لأنه وصى بذلك.
إما إذا قال لهم: لا تفعلوا، وأنا بريء مما تفعلون، وقد تبرأ من فعلهم وهو حي، فهذا مهما فعلوا من معصية فإنه لا يعذب بها؛ لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فهذا كلام مستقيم وكلام جميل، وهكذا تلتحم الآيات مع الأحاديث، لأن السنة جاءت بيانًا للقرآن، ولا تعارض بينهما، والمبين لا يعارض المجمل، إنما جاء المبين ليبين إبهام المجمل.
فلمّا يثيرون النقع والغبار، ويظهرون تعارضًا ما بين السنة والقرآن، وبعد تكون النتيجة الآتية، وهي قول القائل: القرآن قطعي، والسنة ظنية، فإذا تعارض القطعي مع الظني يقدم القطعي.
وحديث آخر يقصد به التجني على البخاري وأنه لا يفقه، كما في حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (قال سليمان ﵇: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كلهن يلدن فارسًا يقاتل في سبيل الله.
فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فنسي؛ فلم تلد منهن إلا واحدة، ولدت نصف إنسان.
قال ﵊: والذي نفسي بيده، لو استثنى -أي: لو قال: إن شاء الله- لولدت كل امرأة فارسًا يقاتل في سبيل الله، ولكان دركًا لحاجته) .
هل يوجد فيه إشكال؟ هل أحد منكم أحس أن فيه إشكال؟ هذا المغبون أخرج منه عدة إشكالات: الإشكال الأول: قال: كيف يجوز لنبي من أنبياء الله أن يشترط على الله؟ أين الاشتراط؟ قال: اشتراطه بأن تلد النساء ذكورًا لا إناثًا؛ وأن يكونوا: مائة فارس يقاتلون في سبيل الله، وما أدراه فقد يلدن إناثًا، والإناث لا تقاتل.
إذًا: هذا اشتراط على الله ولا يمكن أن يشترط نبي على الله.
الإشكال الثاني: -يقول هذا المغبون- هل يعقل أن هناك نبيًا من الأنبياء يأتي ويقول أمام الناس: أنا سأفعل الليلة هذه كذا وكذا وكذا، والكلام هذا ينافي الحياء، ولا يمكن أن تقوله الأنبياء؛ لأنهم الذين علمونا الحياء.
إذًا: الحديث الذي رواه البخاري هذا مكذوب.
ويقول هذا المغبون: هناك نقطة مهمة جدًا وهي: كيف يستطيع أن يأتي مائة امرأة في ليلة واحدة؟ وهل عنده طاقة لأن يأتي عليهن كلهن؟! انظروا إلى هذا العنين، يستكثر هذا الشيء، على نبي مؤيد من الله، ونبينا محمد ﵊ كما قال أنس ﵁: (أوتي قوة أربعين رجلًا) وعندما يكون النبي مؤيدًا من قبل الله فما المشكلة في هذا؟ وبعد ذلك يقول: إن يومًا واحدًا لا يكفي لهذا العمل، فانظر يا أخي إلى هذا المغبون فإنه يضطرنا أحيانًا أن نتكلم كلامًا صريحًا للرد على مثل هذه الفرية النكراء.
إذًا لا بد أن يكون رأس مال العالم كبيرًا سواءً كان في الفقه أو الحديث أو التفسير أو اللغة وغيرها من العلوم.
ليستطيع أن يجمع الأدلة من هنا وهنا ليرد بها على المبتدعة.
فهذا ابن القيم ﵀ يقول: في سورة يوسف ألف فائدة.
وعندما قام بالرد على الجهميين، قال: أما شبهتهم الأولى فالرد عليها من مائة وخمسين وجهًا، وبدأ يسردها وجهًا وجهًا إلى آخرها -الجهمية عندهم شبه كثيرة- فيا ترى على أي وجه من هذه الوجوه سترد إذا لم ينفع الوجه الأول فالثاني أو الثالث أو الخامس، فهذا عالم رأس ماله كبير، فتراه عالمًا بالشعر والحديث وكلام الفقهاء.
، ومثل هذا العالم مثل صاحب رأس مال كبير، لو أحب أن يعمل مصانع، وأن يفتح معارض ويأتي ببضاعة تغطي السوق، أما صاحب رأس المال الضعيف فلا يستطيع؛ لأن رأس ماله ضعيف.
وكذلك العالم أو طالب العالم، عندما يكون الواحد رأس ماله ضعيفًا تجد حججه متهاوية وغير مقنعة، ولكن انظر إلى شيخ الإسلام كيف أنه ألف الكتب في الشريعة، ورد بها على المبتدعة وناظر هذا، وأفحم هذا، بينما الذي رأس ماله من العلم قليل، تراه يجلس على مكتبه لم يعمل شيئًا، تمر عليه السنوات ولا يستطيع أن يحرر مسألةً شرعية هل ينفع هذا؟ نقول: أين كوادرنا المتميزة؟ لو بحثنا عن الكوادر المتميزة في القاهرة الكبرى لما وجدنا فيها عشرة، وأقصد بالكادر المتميز أن يقف أمام المخالفين ولا يستطيع أحد منهم أن يكسره.
والسؤال لماذا نطلب العلم؟ نطلب العلم لأننا في معركة الذود عن السنة والدفاع عنها، عندما يأتي شخص ويقول لك: إن صحيح البخاري فيه حديث موضوع هل تستطيع أن ترد عليه؟ لا تستطيع، فكل الذي تقدر أن تقوله: إن العلماء أجمعوا على صحة صحيح البخاري، لا تعرف أن ترد إلا هكذا، وأن البخاري قال: إنه انتقى أصح الصحيح ووضعه في كتابه.
هو هذا فقط الذي تستطيع أن تفعله، ولو كان ماكرًا فإنه سيقول لك: يا سيدي! إن الدارقطني تعقب البخاري وعارضه في أحاديث، وأبا حاتم الرازي أيضًا عارض البخاري في أحاديث كذا وكذا وكذا، بل ابن حجر العسقلاني الذي هو شارح لصحيح البخاري -ولا يوجد أحد شرح البخاري مثله- انتقد فيه بعض الأحاديث وأنه وقع ف
1 / 7