Explanation of Lāmiyya by Ibn Taymiyyah
شرح لامية ابن تيمية
Genre-genre
القاعدة الثانية: براءة الصحابة من البدع
الصحابة ﵃ وأرضاهم لم يكن أحد منهم مؤسسًا لبدعة ولا لفرقة ضالة أبدًا، ولعلي إذ أرسي هذه القاعدة؛ لأبين أن بعضًا من الناس أو بعضًا من الكتَّاب، أو الوعاظ، أو المذكرين، تجده يتكلم عن ظواهر منحرفة، فيقول: ظاهرة الغلو كانت في حياة محمد ﷺ إذ قال أحدهم: لا أتزوج، وآخر: ظاهرة الإرجاء كانت في حياة الصحابة موجودة إذ قال قدامة بن مظعون قولته، ونقول: رويدك!! فإنك لم تعرف الأدب مع هؤلاء القوم.
لم يكن أحد من أصحاب محمد ﷺ مساندًا لمبتدع، ولا مؤسسًا لبدعة أبدًا، فإن أصحاب رسول الله ﷺ إذا حدث منهم شيء من التقصير أو الخطأ ﵃ وأرضاهم يوجهون مباشرة فينقادون للمنهج مسارعين، وليس كالمبتدعة يُبَين للمعتزلة ويصرون على باطلهم، ويبين للمرجئة ويصرون، ويبين لغيرهم من طوائف الانحراف ولا يقبلون دين الله مع وضوحه كالشمس، أما أصحاب رسول الله ﷺ فإنه متى وضح له فإنه سرعان ما يلتزم بما جاءه عن الله وعن رسوله.
قدامة بن مظعون ﵁ أحد الصحابة الأخيار، جلس مع الصحابة يتذاكرون القرآن، فتلوا قول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [المائدة:٩٣] ويكملون الآية فقالوا: الحمد لله نحن ممن آمن، ونحن على صلاح وتقوى، وليس علينا جناح فيما طعمنا، فجاءوا بالخمر فشربوه ﵃ وأرضاهم، فعلم عمر بالخبر، وأُخبر بهذا الأمر، وأنه فهم عجيب وغريب، ثم جاء عمر بـ قدامة ومن كان معه، فقال له: اجتمع رأي الصحابة جميعًا فيهم وسألوا قدامة بن مظعون لِمَ؟ وتأول لهم الآية، فقال له عمر بن الخطاب: أخطأت استك الحفرة، أما إنك لو كنت اتقيت لما شربت الخمر.
ثم قال لمن حوله من القضاة: سلوهم فإن شربوها مستحلين كفروا، وإن شربوها متأولين جلدوا، وعلم قدامة بن مظعون ﵁ وأرضاه بعد ذلك أنه قد أخطأ وعصى الله ورسوله، فماذا كانت النتيجة بعدها؟ قالوا: مكث دهرًا وهو يبكي على نفسه حتى وصل به الحد إلى أن يئس من رحمة الله، متعجبًا كيف به وهو صاحب رسول الله لا يفهم هذا الفهم، كيف يقع في مثل هذه الكبيرة العظيمة؟ أين أثر الإيمان وغيره، فجاء به عمر ﵁ مرة أخرى، ثم قال له: لا أدري أي ذنبيك أعظم استحلالك الخمر؟ أم يأسك من رحمة الله؟ وتلا عليه أول سورة غافر: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر:٣] وبعدها سار على ما كان عليه سلف الأمة، وهو ما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ.
وبناءً عليه لا يمكن أن نجعل لطائفة بدعية منحرفة أن تقول: هذا هو قول أصحاب رسول الله ﷺ، أو أن الصحابة هم الذين أسسوا هذه الطائفة الضالة، أبدًا وكلا، بل لهم المنازل العليا ﵃ وأرضاهم.
2 / 5