110

Explanation of al-Tahawi's Creed by Saleh Al-Sheikh

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

Genre-genre

[المسألة الثانية]:
أنّ الناس اختلفوا في مسألة الكلام هذه إلى أقوال كثيرة يهمك منها عدد -يعني لا نستوعب الأقوال لأنها طويلة وبعضها لا فائدة منه-:
١ - المذهب الأول:
قول أهل السنة والجماعة وهو الذي سمعت؛ وهو:
- أنَّ القرآن كلام الله ﷿ سمعه منه جبريل فنزل به على محمد ﷺ فسمعه منه محمد ﷺ وأسمعه الناس وتلاه عليهم.
- وأنه منه بدأ ﷿ وإليه يعود.
- وأنَّ كلام الله - يُسْمَعْ، وإذا كان جبريل قد سَمِعَهْ ونَزَّلَهْ فإذًا هو صوت، سمعه بصوت وليس معنًا قُذِفَ في داخل جبريل أو أَخَذَهُ من اللوح المحفوظ.
- وأنَّ كلام الله سبحانه هو كلامه حيث وُجِدْ، وأنه إذا تُليَ فالكلام كلام الباري والصوت صوت القاري، فهو كلامه الموجود في المصاحف، وهو كلامه الموجود الذي يسمع في تلاوة التالي، وهو كلامه الذي يُسْتَدَلُ به إلى آخره، لا يخرج من هذه الحالات عن كونه كلام الله ﷿.
وهذا هو الذي قُرِّرْ في هذا الموضع من الطحاوية.
٢ - المذهب الثاني:
مذهب الجهمية وهو أنَّ الله سبحانه لا يوصف بكلام أصلًا وليس بمتكلم ولا بذي كلام، فيُسْلَبُ عنه هذا الوصف، ويُفَسَّرْ الكلام بمخلوق منفصل يقال له كلام.
فَخَلَقَ الله هذا القرآن وسمَّاهُ كلامًا له، فيكون كلام الله ﷿ خَلْقًَا من خلقه.
٣ - المذهب الثالث:
مذهب المعتزلة وهو شبيه بمذهب الجهمية إلا أنهم قالوا إنَّ القرآن مخلوق خَلَقَهُ الله ﷿ في نفس جبريل، فعبّر به جبريل أو نَقَلَ جبريل ما خُلِقَ في نفسه، فهو مخلوق في نفس جبريل، وكلام الله ﷿ يُخْلَقْ في أحوال مختلفة؛ من جهة كلام موسى خُلِقَ في الشجرة ويُخلق في كذا، ويُخلق في كذا إلى آخر قولهم.
فإذًا يتفقون على أنه مخلوق مع الجهمية ويجعلون زيادة عليهم أنه مخلوق في موضع يناسبه.
وهذا منهم فقه أعظم من فقه جهم؛ لأنه حتى لا يُعَارَضْ عليهم بأنَّ القرآن تنزيل وأنه أُنْزِلْ، فقالوا إنه أُنْزِلَ ولكنه خُلِقَ في نفس جبريل أو في رُوع جبريل.
٤ - المذهب الرابع:
هو مذهب الكُلاّبية أتباع ابن كلاب؛ بل مذهب ابن كلاب نفسه وأتباعه من الأشاعرة وغيرهم، وهو أنَّ كلام الله ﷿ مَعْنَىً واحدًا وكُتُبُ الله تعبير عن هذا المعنى الواحد فتارة يُعَبَّرُ عنه بالعربية فيسمى قرآن وتارة يُعَبَّرُ عنه بالسريانية فيسمى إنجيل وتارة يُعَبَّرُ عنه بالعبرانية فيسمى توراة، وهكذا.
فإذًا هو معنى وليس ثَمَّ صوت يُسْمَعْ ولا كلام حقيقة، ولكنه معنىً قائم بنفس الرب ﷿ ألقاه في روع جبريل فنزل به جبريل، عَبَّرَ عنه جبريل بهذه التعبيرات المختلفة.
٥ - المذهب الخامس:
هو مذهب الفلاسفة وطائفة من الصوفية، وهو أنّ كلام الله ﷿ هو ما يُفاضْ أو ما يُفِيضُهُ على النفوس من المعاني الخيّرة، معاني الحكمة، وهذه الإفاضة قد تكون مباشرة منه إلى العقل الفَعَّالْ -عندهم-، والعقل الفَعَّالْ يفيضه على النفوس حسب استعداداتها، وقد تكون هذه الإفاضة منه ﷿ مباشرة على قلب الرجل، كقول طائفة من الصوفية، وقد تكون هذه الإفاضة في وقائع مختلفة.
المقصود من هذا تقريب للمذاهب المشهورة في هذه المسألة، وإلا فثَمَّ مذاهب أخرى لهذه المسألة، وكما ذكرت لك فإن هذه المسألة من كُبْرَياتْ المسائل التي تكلم فيها الناس.

1 / 110