شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح
شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح
Genre-genre
دعوة النبي عامة للإنس والجن
لقد بيّن النبي ﷺ أنه مبعوث إلى الناس كافة؛ وهذا يوجب على كل أحد يبلغه خبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتبعه وينقاد له، ويشهد له بالرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومما يدل على عموم رسالة النبي ﷺ: أن الله أمره بمخاطبة اليهود والنصارى، وهم بقية من الأمم السابقة الذين معهم كتب، وخاطبهم ﷺ وأمرهم بالاستجابة إليه: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:٦٤] .
فكل من لم يأت بما أمر به النبي ﷺ من الإقرار له بالرسالة فهو كافر بالله العظيم، وما يدعيه أهل الكتاب من أن رسالة النبي ﷺ خاصة بالعرب أو بالأميين فهو كذب وضلال، وهذا في الحقيقة طعن وتكذيب للنبي ﷺ، فأهل الكتاب الذين يقولون: نحن نؤمن بالنبي محمد ﷺ لكنه خاص بالعرب، هؤلاء كاذبون مكذبون للنبي ﷺ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر -وهو لا ينطق عن الهوى- بعموم رسالته، وإنما نحتاج إلى تقرير هذا حتى نرد على الذين يقولون في هذه الأزمان المتأخرة: اليهود على حق والنصارى على حق، ويسوون بين أهل الإسلام وغيرهم من أهل الكتاب ولا سواء؛ فهؤلاء يؤمنون بالله الواحد القهار الذي لا إله غيره، ويصدقون النبي ﷺ بالرسالة وبما جاء به، وأولئك يكذبونه في الأصلين، فهم يشركون بالله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة:٣٠]، ويكذبون النبي ﷺ حيث قالوا: إنه إنما بعث للعرب خاصة وليس لعموم الناس.
وأما عموم رسالة النبي ﷺ للجن، فذلك مستفاد من سورة الجن، فإن سورة الجن الدلالة فيها ظاهرة في مواضع عديدة على أن النبي ﷺ مبعوث إليهم، ويدل على ذلك أيضًا ما ذكره الله جل وعلا في سورة الأحقاف حيث قال ﷾: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ﴾ [الأحقاف:٢٩]، أي: قضيت قراءة القرآن وقضي سماعه ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف:٢٩]، منذرين بأي شيء؟ بما سمعوه وتلقوه عن النبي ﷺ، ثم قالوا لما ولوا إلى قومهم منذرين وبينوا وجه الإنذار: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ [الأحقاف:٣٠]، وهذا يدل على أنهم كانوا متعبدين لله، أو أن منهم من كان يعبد الله بشريعة موسى ﵊: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ﴾ [الأحقاف:٣٠-٣١]، فهذا فيه وجوب اتباع ما جاء عن النبي ﷺ، ووجوب الانقياد لما سمعوه من القرآن العظيم.
ولا ريب أن الجن مخاطبون برسالة النبي ﷺ، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ولا خلاف بينهم في أن الجن مخاطبون بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
6 / 4