Explanation of Al-Aqeedah At-Tahawiyyah - Ibn Jibrin
شرح العقيدة الطحاوية - ابن جبرين
Genre-genre
مذاهب الناس في تسلسل الحوادث
[فالحاصل أن نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أم لا، أو في المستقبل فقط، أو الماضي فقط؟ فيه ثلاثة أقوال معروفة لأهل النظر من المسلمين وغيرهم.
أضعفها: قول من يقول: لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل كقول جهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف.
وثانيها: قول من يقول: يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي، كقول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم.
والثالث: قول من يقول: يمكن دوامها في الماضي والمستقبل كما يقوله أئمة الحديث، وهي من المسائل الكبار، ولم يقل أحد: يمكن دوامها في الماضي دون المستقبل.
ولا شك أن جمهور العالم من جميع الطوائف يقولون: إن كل ما سوى الله تعالى مخلوق كائن بعد أن لم يكن وهذا قول الرسل وأتباعهم من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم.
ومن المعلوم بالفطرة أن كون المفعول مقارنًا لفاعله لم يزل ولا يزال معه ممتنع محال، ولما كان تسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون الرب سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء فكذا تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون ﷾ هو الأول الذي ليس قبله شيء؛ فإن الرب ﷾ لم يزل ولا يزال، يفعل ما يشاء ويتكلم إذا يشاء، قال تعالى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران:٤٠]، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:٢٥٣]، وقال تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج:١٥-١٦]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان:٢٧]، وقال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف:١٠٩] .
والمثبت إنما هو الكمال الممكن الوجود، وحينئذٍ فإذا كان النوع دائمًا فالممكن والأكمل هو التقدم على كل فرد من الأفراد بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه بوجه من الوجوه، وأما دوام الفعل فهو أيضًا من الكمال؛ فإن الفعل إذا كان صفة كمال فدوامه دوام كمال] .
الأفعال التي ذكرها ودوامها في الماضي، أو دوامها في المستقبل، أو في الماضي والمستقبل هذه من الأمور الغيبية، ومعنى دوامها في الماضي أن الله تعالى قديم، وأنه لم يزل يخلق، لم يكن في زمن معطلًا عن الخلق، ولم يكن في زمن غير موجود خلْق يدبرهم ويتصرف فيهم، وكذلك في المستقبل، أي: أنه لا يزال موجودًا، وأنه بعدما يفنى هذا الخلق يحييهم مرة ثانية ويبقى متصرفًا فيهم، يعني: يعلم أحوالهم وما يصيرون إليه، ويعذب من يشاء ويرحم من يشاء، ويعطي ويمنع وتظهر آثار أفعاله على المخلوقات، فلا شك أن هذا ونحوه من جملة ما يعتقده المسلمون.
11 / 25