زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله: ما قلت ما قال: ولا تكلمت به - وكان شريفا عظيما - فقال من حضر رسول الله ﷺ من الأنصار من أصحابه: "يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل"، حدبا١ على ابن أبي ابن سلول، ودفعا عنه، فلما استقل رسول الله ﷺ، وسار لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: "يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة مبكرة، ما كنت تروح في مثلها"، فقال له رسول الله ﷺ: "أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ " قال: وأي صاحب يا رسول الله؟
قال: "عبد الله بن أبي"، قال: وما قال؟ قال: "زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، قال: فأنت يا رسول الله، والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل، وأنت العزيز، ثم قال: "يا رسول الله ارفق به٢، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا". ثم مشى رسول الله ﷺ بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذنهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما، وإنما فعل ذلك رسول الله ﷺ ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي، إلى أن قال: "وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه"، فقال رسول الله ﷺ لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شانهم: "كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله، لأرعدت ٣ له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته".
قال: قال عمر: "قد والله علمت لأمر رسول الله ﷺ أعظم بركة من أمري"٤.
١ حدبا على ابن أبي: أي عطفا عليه.
٢ هذه الكلمة قالها أيضا سعد بن عبادة عندما عاده رسول الله ﷺ. انظر ص ١٥٢ مما تقدم.
٣ لأرعدت له آنف: أي انتفخت واضطربت أنوفهم حمية وعصبية.
٤ سيرم ابن هشام ٢/ ٢٩٠- ٢٩٣.