Evangelization and Colonialism in the Arab Countries: An Account of Missionary Efforts Aimed at Subjugating the East to Western Colonialism
التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي
Penerbit
المكتبة العصرية-صيدا
Nombor Edisi
الخامسة
Tahun Penerbitan
١٩٧٣
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
التبشير والاستعمار في البلاد العربية
عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى إخضاع الشرق للاستعمار الغربي
تأليف الدكتور مصطفى خالدي - الدكتور عمر فروخ
- عدد الأجزاء: ١.
- عدد الصفحات: ٢٧٩.
أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، غفر الله له ولوالديه.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].
التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي تأليف الدكتور مصطفى خالدي رئيس مدرسة التمريض الوطنية في بيروت أستاذ فن التوليد سابقًا في جامعة بيروت الأمريكية الدكتور عمر فرُّوخ عضو المجمع العلمي العربي في دمشق عضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة منشورات المكتبة العصرية صيدا - بيروت
إِهْدَاءُ الكِتَابِ: إِلَى كُلِّ شَابٍّ مُسْلِمٍ وَإِلَى كُلِّ شَابٍّ مَسِيحِيٍّ. إِلَى كُلِّ شَابٍّ وَشَابَّةٍ فِي الشَّرْقِ. نُقَدِّمُ هَذَا الكِتَابَ لِنُبَسِّطَ فِيهِ وَسَائِلَ المُبَشِّرِينَ فِي بِلاَدِنَا العَزِيزَةَ وَأَنُهُمْ لَمْ يَرْمُوا مِنْ وَرَاءِ تَبْشِيرِهِمْ إِلاَّ خِدْمَةَ الاسْتِعْمَارِ الغَرْبِيِّ. فَإِلَىَ الجِيلِ النَّاشِئِ. إِلَى القِيَادَةِ العَاقِلَةِ الكَامِنَةِ فِي العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ وَالعَالَمِ العَرَبِيِّ. نُقَدِّمُ كِتَابَنَا هَذَا مُرْشِدًا وَمِنْهَاجًا. المُؤَلِّفَانِ ٢٣ جمادى الأولى ١٣٧٢ هـ - ٨ شباط ١٩٥٣ م.
التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي تأليف الدكتور مصطفى خالدي رئيس مدرسة التمريض الوطنية في بيروت أستاذ فن التوليد سابقًا في جامعة بيروت الأمريكية الدكتور عمر فرُّوخ عضو المجمع العلمي العربي في دمشق عضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة منشورات المكتبة العصرية صيدا - بيروت
إِهْدَاءُ الكِتَابِ: إِلَى كُلِّ شَابٍّ مُسْلِمٍ وَإِلَى كُلِّ شَابٍّ مَسِيحِيٍّ. إِلَى كُلِّ شَابٍّ وَشَابَّةٍ فِي الشَّرْقِ. نُقَدِّمُ هَذَا الكِتَابَ لِنُبَسِّطَ فِيهِ وَسَائِلَ المُبَشِّرِينَ فِي بِلاَدِنَا العَزِيزَةَ وَأَنُهُمْ لَمْ يَرْمُوا مِنْ وَرَاءِ تَبْشِيرِهِمْ إِلاَّ خِدْمَةَ الاسْتِعْمَارِ الغَرْبِيِّ. فَإِلَىَ الجِيلِ النَّاشِئِ. إِلَى القِيَادَةِ العَاقِلَةِ الكَامِنَةِ فِي العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ وَالعَالَمِ العَرَبِيِّ. نُقَدِّمُ كِتَابَنَا هَذَا مُرْشِدًا وَمِنْهَاجًا. المُؤَلِّفَانِ ٢٣ جمادى الأولى ١٣٧٢ هـ - ٨ شباط ١٩٥٣ م.
Halaman tidak diketahui
مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ:
إذا قلنا إن هذا الكتاب قد أدى رسالة لم نكن مُغَالِينَ وَلاَ مُتَبَجِّحِين (١). يَسُرُّنَا أنْ يكون هذا الكتاب " التبشير والاستعمار في البلاد العربية " قد شهد خروج الاستعمار من جميع البلاد العربية، وإنْ كان الاستعمار الذي خرج هو الاستعمار الرسمي في أكثر الأحيان. ولقد كان من المنتظر أنْ يتوقف هذا الكتاب عن الصدور في طبعات جديدة لأن الغاية الأولى التي رمينا إليها، وهي فتح عيون المسؤولين سياسيًا وثقافيًا على أخطار التبشير، قَدْ تَحَقَّقَتْ في جانبها الرسمي أو السياسي، غير أن البلاد العربية لا تزال، مع الأسف، ترزح في رواسب الاستعمار وتعاني آلام التبشير. من أجل ذلك لاَ بُدَّ من صدور هذه الطبعة الثالثة حتى يظل المسلمون الذين خرجت بلادهم من الاستعمار الرسمي فاتحين أعينهم على الاستعمار الفعلي الذِي يَتَبَدَّى في التعليم والتطبيب والإذاعات والصحف وَالمَجَلاَّتِ وفي جانب من الأدب الذي يُسَمُّونَهُ ظلمًا أدب الشباب، وهو في الحقيقة أَدَبٌ مُتَحَلِّلٌ من القيم الروحية وَالخُلُقِيَّةِ والاجتماعية، وهو يرمي إلى أنْ يفكك عُرَى الأُمَّةِ العَرَبِيَّةَ حَتَّى يُمَكِّنَ أَغْلاَلَ الاستعمار من أيديها وأرجلها وأعناقها.
إن المعركة في هذا الكتاب لم تكن، منذ صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى ١٩٥٣، معركة خارجية فقط؛ لقد كانت في بعض جوانبها معركة داخلية أيضًا. فَمُبرِّرَاتُ هذه الطبعة إذن لا تزال كثيرة: رواسب الاستعمار، أشكال الاستعمار الجديدة بعد انقراض الاستعمار الرسمي في البلاد العربية، تبدل وسائل التبشير تَوَصُّلًا إلى تثبيت نتائج الاستعمار القديم ثم تنبيه الغافلين من شُبَّانِ العَرَبِ إلى المزالق التي تُلْقَى في طريقهم.
في أثناء وجود الطبعة الثانية في الأسواق العربية نقل هذا الكتاب إلى اللغة الروسية وظهرت منه طبعتان في تلك اللغة، فاستطاع هذا الكتاب أنْ يُؤَدِّي رسالة جديدة وراء النطاق الذي كنا قد رسمناه له من قبل.
إن جميع ما خبرناه في العشر السنوات التي شهدت تنقل هذا الكتاب بين الأيدي يدل بكل جلاء على أنَّ التَّبْشِيرَ وَسِيلَةٌ إِلَى الاِسْتِعْمَارِ، وَأَنَّ المُبَشِّرِينَ ليسوا - سواءً أعلموا أم
_________
(١) راجع الطبعة الثانية، ص ٩ (رسالة هذا الكتاب).
1 / 1
لم يعلموا، - قصدوا أم لم يقصدوا - سوى طلائع لمطامع الاستعمار. إن الاستعمار قد قتل (باتريس لومومبا)، في عام ١٩٦١، مع أن لومومبا صابئ من الوثنية إلى النصرانية بفعل التبشير، لأنه أراد أن يكون في الكونغو استقلال صحيح. وأبرز من ذلك للعيان أن الولايات المتحدة التي ترسل الإرساليات إلى العالم للعمل على نشر النصرانية قد وقفت، في عام ١٩٦٣، مع البوذيين في فيتنام ضد الحكومة المسيحية في ذلك البلد، إن الدول التِي تُمَوِّلُ الأعمال التبشيرية بملايين الدولارات لا يهمها الذي يصبأون إلى النصرانية إذا كان هواهم السياسي لا يوافق هواها الاستعماري.
ولقد رأينا أَنْ نُرْدِفَ هذه الطبعة ببضع صفحات تتعلق بالتبشير والاستعمار في أفريقيا، في بلاد عربية وفي بلاد غير عربية، فالاستعمار شَرٌّ مُعْدٍ ينتقل بين البلاد ولا يفرق بين الجنسيات.
إننا نرجو أنْ تُؤَدِّي هذه الطبعة قسطها من الرسالة التي بدأتها الطبعة الأولى وأكدتها الطبعة الثانية. وعسى أن ينقرض الاستعمار كله من جميع البلاد وأن يبطل التبشير احترامًا للحرية الانسانية واحترامًا للدين نفسه إجلالًا له عن أن يكون وسيلة مادية لمغانم دنيوية.
وإذا نحن تطرقنا في موقفنا إلى الجانب الأقصى رأينا أن نَفَرًا من المبشرين قد احترفوا نقل المعلومات بين الدول في ثياب التبشير:
وزعت وكالة " تاس " السوفياتية في بيروت (١) مقالًا نشرته جريدة " برافدا " في موسكو لمراسلها في بكين عاصمة الصين، وقد جاء في هذا المقال: «لَقَدْ أَدْخَلَ الاِسْتِعْمَارِيُّونَ الأَمَرِيكِيُّونَ إِلَى الصِّينِ مُبَشِّرِينَ مِنْ مُخْتَلَفِ المَذَاهِبِ اِسْتَخْدَمُوهُمْ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ فِي أَعْمَالِ الجَاسُوسِيَّةِ».
في هذا المقال اِتِّهَامَاتٌ مُوَجَّهَةٌ ووقائع مسرودة قد تكون، من حيث التفاصيل، موضع جدل، وقد يكون فيها مبالغة كما قد يكون فيها ظلم لنفر من المبشرين المخلصين لمذاهبهم وعملهم فيما يتعلق بهم أنفسهم، ولكن الذي لا ريب فيه أن الدول المستعمِرة، جميع الدول المستعمِرة، قد لجأت إلى الثوب الديني لتثبيت نفوذها ونشر مبادئها وخدمة مصالحها في كل مكان استطاعت فيه إلى ذلك سبيلًا.
يرى القارئ في ثنايا هذا الكتاب أن نَفَرًا من المبشرين كانوا مخلصين لعملهم الروحي
_________
(١) في النشرة الصادرة في الثالث عشر من حزيران من عام ١٩٥١ (واحد وخمسين) في العدد ١١٣ (مائة وثلاثة عشر).
1 / 2
أو الديني، أخطأوا في ذلك أم لم يخطئوا، وليس من غايتنا في هذا الكتاب أن نتعرض للتبشير كحركة دينية يقع فيها التنازع، ولكننا نريد أَنْ نُبرِزَ الصلة الموجودة في معظم الأحيان بين التبشير في صوره المخلتفة وبين التمهيد للنفوذ الأجنبي ثم بين التبشير وبين تثبيت هذا النفوذ في العالم العربي، والواقع أن هذه الصلة موجودة وبارزة جِدًّا.
ومما يلاحظ أن بريطانيا وفرنسا حرصتا، قبل أن تخرجا مضطرتين من عدد من مستعمراتهما الأفريقية، على أَنْ تُمَهِّدَ في كل دولة أعطيت استقلالها السياسي، لمجيء رجل صابئ إلى رئاسة الدولة في المستعمرة المستقلة حديثًا. إنهما تعتقدان أن الصابئ يكون أميل إلى السياسة الغربية من غير الصابئ، ذلك لأن المسيحية في رأيهما تجمع بين ذلك الصابئ وبينهما أكثر مما تجمع بين الصابئ وبين قومه الأولين من المسلمين أو الوثنيين، ومع أننا عرفنا نفرًا من هؤلاء قد خَيَّبُوا ظَنَّ بريطانيا وفرنسا في ذلك، فإن نفرًا آخرين كانوا كما شاءت بريطانيا وفرنسا. ولعل القطعة التالية المأخوذة من مجلة " روز اليوسف " (١)، مع شيء من التلخيص والتصرف، تمثل الحال الثانية تمثيلًا صحيحًا:
توقّع البعثات التبشيرية في السنيغال مع عدد من الأسر السنيغالية الفقيرة عقودًا تقدم بموجبها تلك البعثات التبشيرية إلى الأسر السنيغالية مساعدات عينية (ضئيلة) من أرز مثلًا في كل شهر على أن يكون لها حق باختيار طفل من أطفال الأسرة تربية على حسابها. ويكون في العقد مادة تَنُصُّ على أن الأسرة مجبرة على رَدِّ ثَمَنِ المساعدات وعلى دفع نفقات ابنها ونفقات تعليمه إذا هي خالفت شروط العقد (بطلب استرداد ابنها مثلًا).
وتختار البعثة التبشيرية من أطفال تلك الأسرة صبيًا دون الخامسة من العمر ثم ترسله إلى مدرسة (تبشيرية طبعًا). وينقطع الصبي عن أهله وَيُنْشَأُ تَنْشِئَةً مَسِيحِيَّةً ثُمَّ يُرْسَلُ إلى فرنسا لاتمام علمه العالي. بعدئذٍ يُعَادُ إلى السنيغال ليستخدم في الأغراض التي توافق هوى فرنسا.
وحينما يعود الصبي السنيغالي الذي أصبح رجلًا مسيحيًا فرنسيًا إلى السنيغال يمنح حق المواطن الفرنسي في المستعمرات من حيث المستوى الاجتماعي والوظائف. ويضرب كاتب المقال في مجلة " روز اليوسف " (في العمود الرابع، الأسطر ٤١ - ٤٤) على ذلك مثلًا فيقول: «أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَلِمَةَ " سَانْجُورْ " (اسْمُ رَئِيسِ جُمْهُورِيَّةِ السِّنِيغَالْ الحَالِي) مَعْنَاهَا
_________
(١) القاهرة، السنة ٣٩، العدد ١٨٤٧، بتاريخ الاثنين في ٤ - ١١ - ١٩٦٣، الصفحة ٢٦.
1 / 3
سَانْ جُورْجْ (القِدِّيسْ جُورْجْ) ... وَأَنَّ رَئِيسَ الجُمْهُورِيَّةَ مَسِيحِيٌّ .. لَكِنَّ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ مُسْلِمُونَ».
وفي الصفحة المشار إليها من مجلة " روز اليوسف " مقطع متمم للمأساة الناتجة من التبشير والاستعمار:
اتفق أن كان أول رؤساء الوزارة في السنيغال رجل مسلم اسمه محمد ضيا (*). وكان محمد ضيا يرى أن من مصلحة بلاده أن تستقل عن المجموعة الفرنسية وتنهج طريق الحياد والاشتركية. وسافر محمد ضيا إلى دول الكتلة الاشتراكية .. ثم عاد ليجد نفسه متهمًا بتدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم. وَسُجِنَ محمد ضيا وأصبحت جميع السلطات في يد «سانجور» رئيس جمهورية السنيغال بعد أن أصبح نظام الحكم رئاسيًا.
ومما يدل على أن الروح الديني الصحيح شيءٌ وأن التبشير شيء آخر بَرْقِيَّةٍ نشرتها جريدة " الطيار والتلغراف " (١). هذه البرقية هي التالية:
«بِرْمِنْغْهَامْ - وِلاَيَةُ أَلاَبَامَا (الوِلاَيَاتُ المُتَّحِدَةُ الأَمِيرِيكِيَّةُ - رُويْتَرْ:
دَمَّرَ انْفِجَارٌ عَنِيفٌ كَنِيسًا (٢) لِلْزُّنُوجِ أَثْنَاءَ قُدَّاسِ هُنَا اليَوْمَ وَأَصَابَ الأَبْنِيَةَ المُجَاوِرَةَ بِأَضْرَارٍ. وَذَكَرَ البُولِيسْ أَنَّ أَرْبَعَةً مِنَ الزُّنُوجِ قُتِلُوا فِي الحَادِثِ وَأُصِيبَ عَدَدٌ آخَرَ بِجِرَاحٍ».
إن هؤلاء الزنوج لَمَّا حُمِلُوا على النصرانية في الولايات المتحدة، بدوافع مختلفة، لم يصبحوا جُزْءًا من المجتمع المسيحي فهم هنالك منبوذون مقهورون بالتمييز العنصري. والأمريكيون البيض يريدون من هؤلاء أن يسايروا السياسة الأمريكية في الداخل والخارج من غير أنْ يَتَمَتَّعُوا بشيء من امتيازات البيض أو من حقوق البيض على الأقل.
_________
(*) جاء محمد ضيا إلى بيروت وتزوج فتاة بيروتية مسلمة. ومن الطريف أن عددًا من الجرائد كانت تكتب اسمه هكذا: «مامادو ديا».
(١) بيروت، ١٦/ ٩ / ١٩٦٣، الصفحة ١٢ أسفل العمود الرابع.
(٢) كذا في الأصل، والمقصود كنيسة.
1 / 4
الكَلِمَةُ الأُولَى: مِنْهَاجُ هَذَا الكِتَابِ:
لعل كتابنا هذا يصلح أن يكون دليلًا في يد الجيل الناشئ يتتبع فيه جهود المبشرين وسعيهم إلى زعزعة عقيدة الناشئة الشرقية عامة والإسلامية خاصة، ثم تهيئة هذه الناشئة بأساليبهم المختلفة لقبول النفوذ الغربي والاستكانة إلى الاستعمار.
لقد كنا دائمًا نعتقد أن المدارس الأجنبية والمؤسسات الأجنبية - حتى الجمعيات الخيرية والعلمية التي ينشئها الأجانب في بلادنا على اختلاف الأسماء والنزعات، والأديان والدول - إنما هي في الحقيقة سُبُلٌ تَتَشَعَّبُ عند الانطلاق ولكنها تلتقي عند غاية قصوى واحدة: السيطرة على الشرق، السيطرة الثقافية والدينية والسياسية. وَلَقَدْ تَبَيَّنَ لأصحاب هذه المؤسسات أن المسلمين خاصة أصلب الناس عُودًا فِي تَقَبُّلِ هذا النفوذ الأجنبي فراحوا يُوَجِّهُونَ جهودهم إلى المسلمين خاصة، مع الاهتمام بغير المسلمين من الشرقيين، على ما يبدو جَلِيًّا في ثنايا هذا الكتاب.
ولقد اتَّفَقَ الكثير من الناس أن اعتقدوا مثلنا أن المدراس والمستشفيات ومؤسسات الإحسان إنما هي مؤسسات منظمة للتبشير في الدرجة الأولى. ولكن القليلين فقط يدركون أن هذه المؤسسات نفسها، وأن كثيرًا من البيوت التجارية الأجنبية والهيئات الرسمية الأجنبية، كانت ولا تزال وسائل للتبشير المُمَهِّدِ لبسط النفوذ الأجنبي. ومَنْ مِنَّا كان يعتقد أن الفتن الطائفية كان ينفخ فيها رجال أتَوْا إلى هذه البلاد على أجسامهم ثياب التقوى وينتحلون مظاهر العلم؟ ومَنْ مِنَّا كَانَ لاَ يُصَدِّقُ أن رجالًا جاءوا إلى بلادنا ليرأسو
1 / 5
مؤسسات علمية مشهورة بالعلم كانوا مُبَشِّرِينَ في الدرجة الأولى؟
لقد حرصنا نحن على أنْ نثبت هذه التهم الكبرى بشواهد من كتب المُبَشِّرِينَ أنفسهم. تلميحًا أو تصريحًا، ولقد فضلنا في الاستشهاد التصريح على التلميح.
أما الكتب التي رجعنا إليها ودرسناها فإنها تعيا على الحصر، إنها تُعَدُّ بالمئات، ولكننا نحن لم نثبت الشواهد إلا من نوعين من هذه الكتب الكثيرة: كُتُبُ المُبَشِّرِينَ المَعْرُوفِينَ، والكتب التي تُصَرِّحُ بغاياتها تصريحًا لا التواء فيه ولا غموض (١).
وكذلك لم نثبت نحن كل شيء ورد في هذه الكتب، فإن كثيرًا مما ورد فيها مُكَرَّرٌ فيها جميعها، ثم إن بعض الآراء والحقائق تتفرع من أصول معروفة، ولقد اكتفينا بأصول الحقائق والآراء واعتقدنا أن القارئ الكريم يتسطيع أن يدرك الفروع التفصيلية بأهون نظر.
على أننا في هذا الكتاب سنتناول الكلام على الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَسَنَخُصُّ بالكلام بلاد الشرق العربية من مراكش غربًا إلى العراق شرقًا، ومن أعالي الشام شمالًا إلى اليمن جنوبًا.
لم يحاول أحد بَعْدُ وضع مثل هذا الكتاب في اللغة العربية. ولقد رأينا أن واجبنا الديني والقومي والوطني يدعونا إلى أداء هذا الواجب وحمل هذه الرسالة على بعدها عن مباحث اختصاصنا وعلى طول الوقت الذِي تَتَطَلَّبُهُ. إلاَّ أننا أدركنا أن السكوت عن هذا الخطر أَشَدَّ ضَرَرًا على قومنا من إهمال موضوعات اختصاصنا. ونحن نعتقد أن القارئ بعد أن يبدأ قراءة هذا الكتاب سيرى صواب ما نقوله. إن التبشير أشد ضررًا على بلادنا من الاستعمار، لأن الاستعمار لم يَنْفُذْ إلى بلادنا إلا تحت ستار التبشير!
فَحَبَّذَا أن يصل كتابنا هذا إلى الأيدي التي تستطيع أنْ تستفيد مما فيه من درس ومن حقائقه المجموعة، ثم تضع هي مناهجها الخاصة لمتابعة الرسالة: مقاومة التبشير من الناحية العملية في البيئات المختلفة بكل سبيل ممكنة.
_________
(١) راجع الكلمة الثانية.
1 / 6
إنَّ الإسلام صلب الشرق. فإذا وهن الإسلام وهن الشرق كله. فعسى أن نكون فعلًا قَدْ أَدَّيْنَا خدمة للفئة المختارة من قومنا وَمِنْ أُمَّتِنَا من أولئك الذين يتطلعون إلى إصلاح قريب لإنهاض العرب وإيقاظ المسلمين.
المُؤَلِّفَانِ
٢٣ جمادى الأولى ١٣٧٢ هـ - ٨ شباط ١٩٥٣ م.
1 / 7
الكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: رِسَالَةُ هَذَا الكِتَابِ:
إذا قلنا إن هذا الكتاب قد أدى رسالة لم نكن مُغَالِينَ وَلاَ مُتَبَجِّحِينَ. لقد فتح هذا الكتاب عُيُونًا كثيرة على أخطار كانت خافية على نفر كبير من المُخْلِصِينَ مِمَّنْ لا يعرفون اللغات الأجنبية ليقرأوا ما يكتب فيها، وَمِمَّنْ يعرفون اللغات الأجنبية ولكن لم يرزقوا الجَلَدَ عَلَى تَتَبُّعِ الموضوعات الجافة كموضوع التبشير، ثم مِمَّنْ يضيق وقتهم بأعمالهم السياسية أو الإدارية أو المهنية عن القراءات الواسعة في الكُتُبِ وَالمَجَلاَّتِ. ثم إنه ليس من الحق، ولا من الممكن أنْ نطلب مِنْ كُلِّ مُخْلِصٍ أن يفعل ما فعلناه نحن: أن يسلخ عشر سنوات في تتبع الموضوع واقتصاص آثار المُبَشِّرِينَ في أنحاء الوطن العربي. من أجل ذلك قمنا نحن بهذا العمل وقدمنا خلاصة له في صفحات قليلة. وليثق القارئ بأن الأثر المفيد الذي أحدثه هذا الكتاب قد أَنْسَانَا السَّهَرَ فِي تَقَصِّي مَوَادِّهِ مِنْ كُلِّ مَصْدَرٍ وَمِنْ كُلِّ مَرْجَعٍ. ولقد ملأ نفوسنا غبطة أنَّ نفرًا كريمًا من الحاكمين ومن المشرفين على الحركات الإصلاحية قد عُنُوا بهذا الكتاب ورأوا فيه ما قصدنا نحن منه: هنالك أخطار كنا نشعر أنها أخطار، وكنا نعتقد بوجودها من قرائن كثيرة، ولكن الأدلة المقنعة كانت تعزونا. فلما جاء هذا الكتاب واستخرج الأدلة مِنْ كُتُبِ المُبَشِّرِينَ وَالمُسْتَعْمِرِينَ أَنْفُسُهُمْ لم يبق مجال للشك في صحة ما كنا نشعر به وصواب ما كنا نعتقد.
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب منذ ثلاث سنوات، فلما أردنا إصدار هذه الطبعة
1 / 9
الثانية كَانَ تَجَمَّعَ لَدَيْنَا مصادر ومراجع كثيرة جِدًّا. وكان بعض هذه قد صدر بعد خروج الطبعة الأولى، كما كان بعضها قديمًا ولكن لم نستطع في ذلك الحين أن نصل إليه. على أن قسمًا كبيرًا من هذه الكتب لا ينطوي على مادة جديدة، ولم يكن من خطتنا أن نجمع الأشياء المتشابهة - وإن كان جمعها يفيد أحيانًا - لِئَلاَّ يزيد حجم الكتاب كثيرًا فيخرج من متناول القارئ العام ويفقد جانبًا من رسالته. وكذلك حرصنا على أن نقصر اعتمادنا في هذه الطبعة أيضًا، كما فعلنا في الطبعة السالفة، على المصادر الأجنبية مِمَّا بَيَّنَّا الغَايَةَ مِنْهُ فِي «الكلمة الأولى». ولكننا شذذنا عن هذه القاعدة فيما يتعلق بثلاثة كتب:
أ - " الغارة على العالم الإسلامي " (١) (*):
كانت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسية (٢) قد نشرت موجزًا لمقررات عدد من المؤتمرات التي عقدها المبشرون البروتستانت بقلم أ. لو. شاتليه. وقد رأى مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب أَنْ يُلَخِّصَا ما نشره لو. شاتليه وينشراه تباعًا في جريدة " المؤيد " التِي كَانَا يُحَرِّرَانِ فِيهَا، وذلك في سَنَةِ ١٣٣٠ للهجرة (١٩١٢ م). ثم إنهما أعادا نشر هذه المقالات نفسها في جريدة " الفتح " المصرية سَنَةَ ١٣٤٩ للهجرة (١٩٣٠ م). بعدئذٍ جمعاها في كتاب مستقل صدر عن المطبعة السلفية ومكتبتها في العام التالي. ولا ريب في أَن وضع مثل هذا الكتاب في يد القارئ المسلم كان عظيم النفع. ولكن الكتاب في حقيقته خلاصة لجهود المبشرين كما يراها المبشرون، فهو وَإِنْ كَانَ يُنَبِّهُ عَلَى أَضْرَارِ التَّبْشِيرِ فإنه لا يربط جهود المبشرين بالنتائج الدينية والسياسية التي أدت فعلًا إلى الأضرار بالعالم الإسلامي. ثم إن هذا الكتاب خلاصة عربية لخلاصة فرنسية لمادة إنجليزية محدودة.
ومع أن جميع المُلَخَّصَاتِ في كتاب " الغارة على العالم الإسلامي " كانت في شكلها المطول وفي كتبها الأصلية من مصادر كتابنا " التبشير والاستعمار "، فإننا نعتقد أن كتاب " الغارة " هذا قد أَدَّى خِدْمَةً فِي زَمَنِهِ، وأن مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب قد حاولا فتح عين المسلمين على شيء من أخطار التبشير منذ نحو جيلين من الدهر.
_________
(١) مجموع مقالات «لخَّصها ونقلها إلى اللغة العربية مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب» من: La Conquète du Monde Musulman par A . Le Chatelier
نشرت في جريدة " المؤيد " (مصر) سنة ١٣٣٠ (للهجرة) وفي صحيفة " الفتح " (مصر) سنة ١٤٠٩ هـ، ثم جمعت في كتاب نشرته المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة ١٣٥٠ هـ (١٩٣١ م)
(٢) Le Monde Musulman.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) بفضل الله وَمَنِّهِ الكَرِيمِ، قُمْتُ بإنجاز هذا الكتاب وتحويله إلى نسق المكتبة الشاملة حتى يستفيد منه أكثر عدد ممكن من الباحثين المسلمين خُصُوصًا وغير المسلمين عُمُومًا.
1 / 10
ب - " لبنان الطائفي ": (١)
أريد من هذا الكتاب أنْ يكون «رَدًّا» على كتاب " التبشير والاستعمار "، ولكنه جاء سَنَدًا له وشهادة مُزكَّاةً فيه. ثم إن صاحبه قد ذكر فيه أشياء لو ذكرناها نحن أو لو ذكرنا مثلها لأثرنا عاصفة هوجاء تضيع في ريحها الغاية التِي تَوَخَّيْنَاهَا.
أَلَّفَ هَذَا الكِتَابَ أنيس صايغ، وهو مثلنا خِرِّيجُ الجامعة الأمريكية في بيروت. ونشر الكتاب «دار الصراع الفكري»، وهي مؤسسة يشرف عليها الحزب القومي السوري. فإذا كان أنيس صايغ قد أَلَّفَ هَذَا الكِتَابَ بدافع من نفسه هو فقد وجب علينا شكره لأنه عرض للموضوع بإخلاص. ومع أنه قد نسب إلى الإسلام وإلى نفر من المسلمين تُهَمًا مُتَعَدِّدَةً، فإننا نغتفر له هفواته فيها لقلة عنايته بالتاريخ وتعليله وَلِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَضَآلَةِ اِخْتِبَارِهِ. ثم إنه قد عرض للطائفية وإثارة الفتن توصلًا إلى الاستعمار، وخصوصًا في سورية ولبنان، بصراحة وإصرار نَزْعًا عن الدسائس الاستعمارية في بلادنا ستارًا كان كثيفًا. ومع أن أنيس صايغ قد حاول أنْ «يُوَزِّعَ» التُّهَمَ بين الذين اتَّهَمَهُمْ بالسوية، فإنه جعل مركز الثقل في مكان دون مكان، لأن ضميره كان مستيقظًا وهو يؤلف كتابه، سوى غفوات يسيرة كان يذكر فيها «المسيحيين» وهو يقصد «البِيزَنْطِيِّينَ». ولكنه كان أحيانًا يعود فيستيقظ وشيكًا ليذكر البيزنطيين من غير أن يحاول الإيحاء للقارئ، من طريق تسميتهم باسم آخر، بأنهم من أهل البلاد الوطنيين. والواقع أن المراجع التي أخذ عنها قد خدعته كثيرًا في هذا الشأن.
وأما إذا كان أنيس صايغ قد استجاب في تأليف كتابه لنفر أفلتت الإشارة إليهم منه في مواضع ظاهرة في ثنايا كتابه، فإن علينا أيضًا أن نشكره. لقد أرادوا منه أن يحملهم على ضميره فحملهم على علمه، وأرادوا منه أن يعينهم على خصومهم فأعان الحق عليهم.
إننا نحن لا نزال نعتقد أن التبشير كله شر. لأن الأمريكيين والإنجليز والفرنسيين والهولنديين ومن لَفَّ لَفَّهُمْ يقولون خيرًا بأفواههم بينما آثار أيديهم ظاهرة لنا في فلسطين والمغرب والهند الصينية وقبرص وكشمير وجنوبي أفريقيا وفي الولايات المتحدة نفسها.
إن على هؤلاء كلهم أن يغسلوا أيديهم من دماء ضحاياهم على الأقل قبل أن يمثلوا على
_________
(١) تأليف أنيس صايغ، دار الصراع الفكري، بيروت ١٩٥٥.
1 / 11
مسرح الإنسانية دور المحسن الكريم. إن أساتذة الجامعات في الولايات المتحدة هم الذين يشنقون الزنوج الأمريكيين على جذوع الأشجار، وهم الذين ينشرون الظلم الأمريكي في العالم. إن هؤلاء الأساتذة يملكون توجيه الناشئة في أيديهم، والناشئ الأمريكي لا يولد وهو يحمل العداوة للشعوب الملونة، ولكنه يحملها بعد أن يولد، يُحَمِّلُهُ إِيَّاهَا أَبَوَاهُ أَوْ مُعَلِّمُوهُ أَوْ قَادَتُهُ. فكيف يصح في العقل أن الأساتذة الأمريكيين الذين يعلمون أهل الأرض يعجزون عن تعليم أبنائهم؟ أما نحن العرب فإننا خَيِّرُونَ، على اختلاف أصولنا ومذاهبنا. وما تناحرنا الحاضر إلا لأن المصالح الأجنبية تتعهدنا بالشر. يجب على الحكومات العربية كلها أن ترقب نشاط هذه المؤسسات الأجنبية كلها - والمؤسسات العلمية في الدرجة الأولى حتى يرتفع الشر كله من البلاد العربية.
لقد كان هذا المنتظر أَنْ يُحْدِثَ كِتَابُ " لبنان الطائفي " ضَجَّةً لأنه تكلم عن نفر من ذوي المراكز المرموقة وعن بعض المؤسسات بما يوجب اتهام بعضها عند بعض في قوميتها ووطنيتها، حسب ما ينظر كل فريق من الفريقين إلى القومية وإلى الوطنية. ثم إنه سمى أشياء بأسمائها ونسبها إلى أشخاص بأسمائهم. ولكن ضياع أثر الكتاب بعد خفوت صوته دليل على أنه لم يلق «تَرْوِيجًا»، إِذْ يَبْدُو أَنَّ الذِينَ كَانَ يَهُمُّهُمْ أَنْ يَظْهَرَ هَذَا الكِتَابُ عَلَى مَا تَخَيَّلُوا لِيُرَوِّجُوا لَهُ رَأَوْهُ، بَعْدَ أَنْ طُبِعَ، عَلَى خِلاَفِ مَا أَمَّلُوا فَسَكَتُوا. أما رأينا في هذا الكتاب فهو أنه يجب على المواطنين المحبين لوطنهم أن يقرأوه حتى يعرفوا الزوايا التي يهب علينا منها ريح الاستعمار، وَالحُفَرِ التي تثب منها القلاقل والفتن.
ج - " الاستعمار عدو الشعوب ":
هذا الكتاب بقلم عبد العزيز فهمي (١)، ويمتاز بأنه يحاول أن يرى الاستعمار في صوره المختلفة، غير أنه يؤكد جوانبه المادية وحدها ويُعَرِّجُ عَلَى التَّبْشِيرِ تَعْرِيجًا. هذا الكتاب يضرب أمثلة مفيدة تساعد على فهم الاستعمار الغربي النازل بالشرق مع المشاريع الاقتصادية الغربية.
• • •
وهنالك كتاب آخر لا بُدَّ من ذكره هنا وإن كنا لن نأخذ منه شيئًا ولن نعطيه شيئًا ولن
_________
(١) مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٥٣.
1 / 12
نستشهد به، لأن غايتنا مخالفة لغايته، وطريقنا إلى القارئ غير طريقه. هذا الكتاب اسمه " لبنان وطن قومي للنصارى في الشرق الأوسط ". هذا الكتاب الذي ظهر في اللغتين العربية والإنجليزية، وفي الفرنسية والإسبانية وغيرهما في الأغلب، ثم وزع في المهاجر المختلفة في الأكثر لا يحمل اسم مؤلف ولا اسمًا لمكان الطبع ولا تعيينًا لزمان الطبع. والذي يقرأ هذا الكتاب لا يخفى عليه ما أريد منه من الدَسِّ على أبناء الوطن وعلى التاريخ والحقيقة.
ومع أن هذا الكتاب لا يخفى عليه ما أريد منه من الدَسِّ على أبناء الوطن وعلى التاريخ والحقيقة.
ومع أن هذا الكتاب الصغير (فهو واحد وخمسون صفحة باللغة العربية، وخمسة وثلاثون بالإنجليزية) قد يثير حفيظة الجاهل إذا قرأه فإنه يثير شفقة العاقل على الذين كتبوه ونشروه، فهو فضلًا عما فيه من افتراء على التاريخ، بَعِيدٌ جِدًّا عن كل فكرة سياسية صحيحة. ونحن لا نريد تفنيد ما في الكتاب بعد أَنْ قَرَّرْنَا أَلاَّ نستشهد به في كتابنا.
• • •
إننا نرجو أن يستمر كتابنا هذا في أداء رسالته بَيْنَ عَامَّةِ القُرَّاء فيفتح عيونهم على أخطار التبشير ثُمَّ يُنَبِّهُهُمْ إلى الطرق التي يتلافون بها تلك الأخطار. وكذلك نرجو أنْ يظل دليلًا صالحًا في أيدي القائمين على الحركات الإصلاحية.
إِنَّ هَذَا الكِتَابِ إِذَا حَقَّقَ ذَلِكَ، أَوْ حَقَّقَ بَعْضَهُ فَقَطْ، يَكُونُ قَدْ أَدَّى رِسَالَتَهُ كُلَّهَا، أَوْ أَدَّى بَعْضَ رِسَالَتِهِ عَلَى وَجْهِهَا.
الأحد ٣ شوال ١٣٧٥ هـ - ١٣ أيار ١٩٥٦ م.
المُؤَلِّفَانِ
1 / 13
مَصَادِرُ هَذَا الكِتَابِ:
مصادر هذا الكتاب كثيرة جدًا، ولكننا نجتزئ هنا بذكر نحو مائة مصدر ومرجع، ثم بعدد آخر يجده القارئ في ثنايا الحواشي. ويلاحظ القارئ أننا أهملنا في هذا الفهرس أنواعًا من الكتب: أولها الكتب العربية بأنواعها، لأن المهم أن نرى ما يقول الأجانب لأنفسهم عنا، لا أن نرى ما نقول عن أنفسنا. ثم إننا أهملنا الكتب التي تبحث في الإسلام بحثًا موضوعيًا، إذ لا صلة لها بموضوعنا البتة. وكذلك أهملنا كتب الردود والمهاترات والكتب التي ألفها أصحابها للتحامل على الإسلام فقط، ذلك لأنها كتب لا قيمة لها في شيء. ونحن نحب أن يلاحظ القارئ أنواع هذه الكتب واتجاهها وما تدل عليه عناوينها. فإنها وحدها دراسة تامة. ثم إن القارئ يستفيد من هذه الكتب إذا أراد أن يتابع الموضوع بنفسه.
Addison-The Christian Approach to the Moslem، By James Thayer Addison،N. Y.١٩٤٢
All-Persia intermission Conference. Teheran ١٩٢٦، Mission problems in New Persia، London ١٩٢٦
Becker- Islamstudien، von C. H. Becker، zwei Baende، Leipzig ١٩٢٤ und ١٩٣٢
Bianquis - Les nouveaux devoirs du protestantisme francais en Syrie، Paris ١٩٢٦
Bliss - Reminiscences of Daniel Bliss، London ١٩٢٠
Bliss (E) - Ecumenical Missionary Conference، By Edwin M. Bliss، N. y. ١٩٠٠
Bliss(En) - The encyclopedia of Missions، by Edwin M. Bliss (Editor) ٢ vols. N. y. ١٨٩١
Bliss(R) - The Religions of Modern Syria and Palestine، by Frederick Jones Bliss، N. y. ١٩١٢
Browne - The prospects of Islam، Lawrence E. Browne، London ١٩٤٤
ِ Bunson- Islam or true Christianity، by Ernest de Bunsen، London ١٨٨٩
Bury- Pan Islam، by G. Wyman Bury، London ١٩١٩
Cash - The Moslem World in Revolution، by W. Wiilson Cash، London ١٩٢٦
Cash (E) - The Expansion of Islam، by W. Wilson Cash، London ١٩٢٨
Cauly - Recherche de la vraie religion، par Mgr. E. Cauly، Paris ١٩٢٨
Christian Workers - Conference of Christian Workers among Moslems، N. Y. ٩٢
Christians and Mohammdams، by George Herrick، N. Y. ca. ١٩١٢
Christian Literature in the Moslem Lands، by a Joint Committee، N. Y. ١٩٢٣
1 / 15
Christian (The) Mission in Moslem World، by William Schermerhorn، N. Y. ١٩٣٣
Christian Missions and Oriental Civilization by Maurice Thomas Price، Shanghai ١٩٢٤
Christian Missions and Social Progress، James Dennis، ٣ vols.، N. Y. ١٨٩٨
Continental Survey of Foreign Missions. by Rev. James Dennis، N. Y. ١٩٠٢
Cooperation and the World Mission، by James Raleigh Mott، N. Y. ١٩٣٨
Danby - Why "Christian" Schools؟ or what can Christian Schools contrlibute؟ with particular Reference to Palestine، by H. Danby، Jerusalem ١٩٣٦
The Decisive Hour of Christian Missions، by John Raleigh Mott، N. Y. ١٩١٠
The Democratie Movement of Asia، Tyler Dennett، N. Y. ١٩١٨
Echos from Edinburg، by William Henry Gairdner، N. Y
Enc. Am. - Eneyclopedia Americana
Enc. Br. - Encyclopaedia Britannica
Enc. Miss. - Encyclopedia of Missions
Faris - Reapers of His Harvest، by John T. F'aris. London ١٩١١
The Evangelisation of the World in this Generation. by John Raleigh Mott، N. Y. ١٩٠٠
Five Decades and a Forward View، by John Raleigh Mott. ١٩٣٩
Foreign Missions after a century، by James S. Dennis، ٣ ed، edition. N. Y. ١٨٩٣
Garrison - The March of Faith، by Winfred Ernest N. Y. ١٩٣٣
Harrison- Doctor in Arabia. by Paul W. Harrison، London ١٩٤٣
Hartmann - Islam، Mission، Politik، von Martin Leipzig ١٩١٢
History of Protestant Missions، by Gustav Warneck، Edinburg ١٩٠١
The History the Protestant Missions in India. London ١٨٨٤
International Missionary Council، Jerusalem ١٩٢٨، ٨ vols.، London ١٩٢٨
Islam and Missions، by E. M. Vherry، S. M. Zwemer and C. G. Mylrea، N. Y. ١٩١١
L'Islam et l'Occident (les cahiers du Sud، ١٩٤٧
The King's Highway، West Melford (ca. ١٩١٥
The Layman's Foreign Mission Inquiry، Report، ٧ vols.، N. Y. ١٩٣٣
Jessup - Fifty-Three years in Syria، by Henry Harris Jessup، N. Y. ١٩١٠
Les Jésuites en Syrie ١٨٣١ - ١٩٣١، ١٢ parties en deux vols.، Paris ١٩٣١
Jung - Les arabes et l'Islam en face de nouvelles croissades et Palestine et sionisme، Paris ١٩٣١
Kilgour - The Bible throughout the world، by R. Kilgour، London ١٩٣٩
Lawrence - Modern Mission in the Near East، by Edward A. Lawrence New York ١٨٩٥
Levonian - Islam and Christianity، by Lootfy Levonian، London ١٩٤٠
Levonian (M) - Moslem Mentality، by Lootfy Levonian، London ١٩٢٨
Lucknow Conference، Lucknow (India) ١٩١١
Macdonald - Najla، the Sheikh's Daughter، by Jan Macdonald، London ١٩٤٤
Margoliouth - Mohammedanism، by David Samuel Margoliouth، London ١٩٢١
Medical Missions، by John Lowe. N. Y ١٨٩٦
Methods of Mission work among the Moslems، Being those papers read at the First Misslonary Conference on behalf of the Mohammedan World held at Cairo، Apr. ٤th. to ٨th.; ١٩٠٦ (Crossed: For private Circulattion only)، N. Y. ١٩٠٦
Mllligan - Facts and Falks in Our Fields Abroad، by Anna A. Milligan، Philadelphia ١٩٢١
Missionary Herald، Letters of the Missionaries in Syria and the Near East ١٨٣٠ - ١٨٤٢، Boston ١٨٣٠ - ١٨٤٢
1 / 16
Missionary Heroines، by E. R. Pitman، N. Y. ١٨
The Missionary Outlook in the Light of war and the Religious Outlook، N.Y. ١٩٢٠
Mission Fields - Religions of Mission Fields as Viewed by Protestant Mission -aries، ..... ١٩٠٥
Missions from the Modern View، by Robert A. Hume، N. Y. ca. ١٩٠٥
The Modern Mission Century، by Arthur T. Plerson، N. Y. ca. ١٩٠١
MW - The Moslem World، A Christian Quarterly Review of Current Events، Literature and Thought among the Mohammedans، N. Y
Nashville Convention، ١٩٠٦، Students and the Modern Missionary Crusades
The New Horoscope of Missions، by James Dennis، N. Y. ca. ١٩٠٨
Oxford - What is the Oxford Group؟ by Layman، with a Notebook، London ١٩٣٣
The Pastor and Modern Missions، N. Y. ١٩٠٤
Penrose - That They May Have Life، by Stephen B. L. Penrose، N. Y. ١٩٤١
The Picket Line of Missions، by W. F. McDowell، N. Y. ١٨٩٧
The Present - Day Summons to the World Mission of Christianity، Nashville ١٩٣١
Report on the Lebanon Schools، Edinburg ١٨٥٨ - ٨
Re - Thinking Missions، by the Committee of Appraisal (Ernest Hocking. Chairman) N. Y. & London ١٣٣٢
Richter - A History of the Protestant Missions in the Near East، by Julius Richter .(English Translation adapted by the Author) N. Y. ١٩١٠ Rochester Convention ١٩١٠، Students and the present Missionary Crisis، N. Y. ١٩١٠
Scherer - Mediterranean Missions ١٨٠٨ - ١٨٧٠، by George Scherer، Beirut
Scott - In the High Yemn، by Hugh Scott، London ١٩٤٢
The Story of the American Board، Boston ca. ١٩١٠
Student Volunteer Movement for foreign Missions; Christian Students and the World Problems، N. Y. ١٩٢٤
TIRM - The International Review of Mission، London & N. Y
Two Thousand years of Missions ............، by Lemuel Call Barnes، ٦th. ed، Chicago ١٩٠٦
Van Ess -- Meet the Arab، by John Van Ess، N. Y. ١٩٤٣
Véou - Chrétiens en Péril au Moussadagh (Enquète au Sandjak d'AIexandrette)، par Paul de Véou، Paris ١٩٣٩.
Ways of Sharing with other Faiths، by Daniel Johson Fleming، N. Y. ١٩٢٨.
Wismar - A Study of Tolerance as practised by Muhammad and His immediate Successors، by Adolph L. Wismar، N. Y. ١٩٢٧.
World Missionary Conference، ١٩١٠ N. Y. ١٩١٠
Carrying the Gospel،. ٤٥٢ pages -- --
The Church in the Mission Field، ٣٨٠ pages -- --
Cooperation، ٢٤١ pages -- --
Education، ٤٧١ pages -- --
History and Records of the Conference، ٣٦٧ pages -- --
The home Base، ٥٦٥ pages -- --
The Missionary Message، ٣٣٣ pages -- --
Missions and Governments، ١٨٩ pages -- --
The Training of Teachers -- --
The world Mission of the Church: Findings and Recommandations of the International Missionary Council
Tambaram، Madras، India، Dec. ١٢ - ٢٩، ١٩٣٨ (N. Y. ١٩٣٨
1 / 17
World Student Christian:Federation، Report of the Conference at Robert College Constantinople، ١٩١١
Zwemer -- Islam، a Challange to Faith، by Samuel S. Zwemer، N. Y. ١٩٠٧
• • •
وفي ما يلي مصادر نشرت بعد صدور كتابنا أو لم يتح لنا يومذاك أن أنطلع عليها. ثم يحسن أن تعلم أن هذه القائمة الجديدة كالقائمة القديمة، لا تضم كل ما صدر في موضوع التبشير والاستعمار:
BATAL، James، Assignment Near East، New York ١٩٥٠
BETHMANN، Erich W.، Bridge to Islam، London ١٩٥٣
BINGLE، E. J.، World Christian Handbook، London ١٩٤٩
BUHRER، J. et P. J، André، Ce que devient L'Islam devant ١e Monde Moderne، Paris ١٩٥٢
BULLARD، Sir Reader، Britain and the Middle East، New York etc، ١٩٥١
BURROWS، Millar، Palestine is our Business، Philadelphia ١٩٥٠؟
LE CHATELIER. A.، La Conquète du Monde Musulman
COMMENTARY (Monthly)، published by the American Jewish Committee، New York
CONGREGATION de la Mission de St. Vincent de Paul، Mémoires de la Congrégation ........ (en Afrique du Nord)، ٢ vols، Pars ١٨٦٤
DOMINIQUE، Pierre، la Politique des Jésuites، Paris ١٩٥٥
DORMAN، Harry Gaylord، Jr.، Toward Understanding Islam، New York ١٩٤٨
FORDER، Archibald; With the Arabs in Tent and Town، London ١٩٠٢
GAIRDNER، W. H. T.، The Reproach of Islam، London ١٩٠٩
GOYAU، Georges، Un Précurseur: François Piquet، Consul du Louis XIV en Alep et évêque de Babylone، Paris ١٩٤٢
GRUBB، Kennith G. (ed.)، World Christian Handbook، London ١٩٤٧
HOLDANE، James، Trekking among Moroccan Tribes، London ١٩٤٨
HOSKINS، Halford L.، The Middle East، New York ١٩٥٤
JEANSON، Colette et Francis، L'Algérie hors de loi، ٢ème. édition، Paris ١٩٥٥
MASSIGNON، Louis، Annuaire du Monde Musulman، ٤e édition، Paris ١٩٥٥
MILLIEZ، U.، La Croisade du Levant، Paris ١٩٤٣
MORRISON، S.A.، Middle East Survey. London ١٩٥٤
MOTT، John R.، Cooperation and the World Missions، New York، ١٩٣٥
MOTT، John (editor)، The Moslem World of To-Day، London ١٩٢٥
OLIVER، Roland، The Missionary Factor in East Africa، London ١٩٥٢
PADWICK، Constance E.، Temple Gairdner of Cairo، London ١٩٢٩
PARFIT، Joseph Thomas، Among the Druzes of Lebanon and Bashan، London ١٩١٧
PATTON، Cornilius H.، The Business of Missions، New York، ١٩٢٤
POTTIER، René، Le Cardinal Lavigerie، Paris ١٩٤٧
1 / 18
SAMUEL، Jacob، Jaurnal of a missionary tour through the Desert of Arabia to Bagdad، Edinburg ١٨٤٤
SCHUTZ، Paul، Zwischen Nil und Kaukasus، Kassel ١٩٥٣
STORM، W. Harold، Whiter Arabia؟ London، New York ١٩٣٨
TRIMINGHAM، John Spencer، The Christian Approach to Islam in the Sudan، London ١٩٤٨
Islam in Ethiopia، London ١٩٤٨ - - --
TUCHMAN، Barbara W، Bible and Sword، New York ١٩٥٦
WILSON، J. Christy، The Christian Message to Islam، New York ١٩٥٠
1 / 19
تَوْطِئَةٌ: وَجْهُ الحَاجَةِ إِلَى هَذَا الكِتَابِ:
لا سبيل إلى إحصاء ما كتبه المبشرون وأنصار المبشرين عن الشرق ولا عن العرب والإسلام، فإن «شترايت» و«دِنْدِنغر» (١) قد أصدرا بين عام ١٩١٦ وعام ١٩٣١ سبعة مجلدات ذَكَرَا فيها أسماء المصادر والمراجع التي تدور حول المبشرين وجهودهم وتسهيل أعمالهم. ثم إن أكثر هذه الكتب مفصلة تفصيلًا كبيرًا، فإن الرسائل التي كتبها المبشرون من سورية والشرق الأدنى فقط إلى زملائهم بين عام ١٨٣٠ وعام ١٨٤٢ طبعت في ثلاثة عشر مجلدًا من أصل ثمانية وثلاثين مجلدًا (٢).
ولما اجتمع مؤتمر التبشير العالمي في أدنبره (في اسكوتلنده) عام ١٩١٠ أصدر تقريرًا، عن النواحي المختلفة التي يجب أن يهتم لها المبشرون، تم طبعه في عشرة مجلدات (٣).
أما مؤتمر التبشير الدولي الذي اجتمع في القدس عام ١٩٢٨ مدة أسبوعين فقط (من ٢٣ آذار إلى ٨ نيسان) فقد وضع تقريرًا في ثمانية مجلدات (٤). وهناك عشرات من أمثال هذه الكتب والتقارير قد ظهرت كلها في مجلدات عديدة ضخمة.
وفي عام ١٨٦٩ كانت أعمال مدارس التبشير الفرنسية في الشرق تقتضي أربعة مجلدات تقع في نحو ألف وخمسمائة وخمسين صفحة (٥)، كما أن مدارس التبشير الإنجليزية في جبل لبنان كانت قد أصدرت تقريرًا عن أعمالها بين ١٨٥٦ و١٨٦٨ - يعني في عهد فتنة سنة الستين فقط - يقع في مجلد كامل (٦).
_________
(١) Streit & j.Dindinger، Bibliotheca missionum،vol. ١ - ٧، Mùnster &. Achen ١٩١٦ - ٣١.
(٢) .Missionary Herald،Letters of Missionaries in Syria & the near East ١٨٣٠ - ٤٢،Vols. ٢٦ - ٣٨، Boston.
(٣) World Missionary Conference of ١٩١٠، Edinburgh and New York ١٩١٠.
(٤) The International Missionary Council of Jerusalem، ٨ vols." London ١٩٢٨.
(٥) Oeuvres des Ecoles d'Orient، (١٨٦٢ - ٩)، ٤ vols. st، Cloud; Belin; ١٨٦٢ - ٩.
(٦) Reports on the Lebanese Schools، Edinburgh ١٨٥٦·٦٨.٨٨
1 / 21
أما المجلات التبشيرية التي صدرت في بلدان مختلفة وبلغات مختلفة فهي أكثر من أن يحصيها العد. أضف إلى ذلك أن ثمة في العالم كله جرائد ومجلات سياسية أو أدبية أو علمية لا تظهر عليها صبغة التبشير، ولكنها في الحقيقة وسائل قوية من وسائل المبشرين.
ومع هذا كله فليس في اللغة العربية إلى اليوم كتاب واحد يكشف النقاب عن غايات المبشرين الحقيقية وينبه على الأخطار التي يود المبشرون أن يعرضوا لها الشرف والعرب والإسلام، مع أن لهؤلاء المبشرين ألوف الكتب والكراريس يحاولون أن ينشروها بكل سبيل في طول البلاد العربية وعرضها. ثم إنهم قد ألقوا عن وجوههم القناع وأسفروا عن حقيقة غاياتهم في الكتابة عن الإسلام ورجاله وعن العرب وحياتهم، وكانوا النواة الأولى لطلائع الاستعمار السياسي والاقتصادي، يساعدهم في عملهم هذا مع الأسف نفر من أهل البلاد العربية.
ليست كتب المبشرين هي التي تقتضي وضع هذا الكتاب لكشف النقاب عن آثار تلك الأصابع الحاذقة التي تمتد إلى كل صوب في العالم الإسلامي، بل هناك المؤسسات التبشيرية، تلك المؤسسات التي تبدو في مظاهر مختلفة، بعضها واضح المعالم وبعضها الآخر بعيد عن التهمة كل البعد، كالمدارس والجامعات والمستشفيات والمياتم والأندية والجمعيات ومؤسسات البر والإحسان.
وقد أراد القائمون على التبشير أن يكون «للإحسان والتعليم» مقام كبير في الخطط التي توضع لأعمال التبشير، ولكن على أن تكون وسائل فقط لا غاية في نفسها (١). إن المبشرين يريديون إفساد الخصائص القومية في الشعوب الشرقية الإسلامية والعربية، كما يريدون إفساد خصائص البوذيين وغيرهم ممن يأبون أن يخضعوا سلطة الغربيين السياسية والاقتصادية.
ولقد ساير التبشير الظاهر بالمسيحية حركة أشد خطرًا على الأمة الإسلامية وعلى الشعب العربي، فقد نشأ في أوروبا وأمريكا نفر سَخَّرُوا أَقْلاَمَهُمْ لِلْمُبَشِّرِينَ وجعلوا يطعنون العرب والإسلام ويشوهون صورتهما. إن السكوت عن هذه الافتراءات تخاذل وتقصير معيب، فيجدر بنا إذن أن نرد هذه الافتراءات وأن يفندها دفاعًا عن كياننا القومي والديني، وحفظًا لخصائصنا التي هي أهم دعائم الحياة فينا.
ويجب أن نذكر دائمًا أن المبشرين هم أصابع أممهم وعيون بلادهم، يحاولون دائمًا أن
_________
(١) Enc. of Missions (٢ ed. ed. ١٩٠٤) p. ٩c.
1 / 22