الاكتفاء بالذات، السيادة على الذات: هذا هو الدرس الرواقي الأول، وهذا هو الترياق الناجع ضد الروح المادية الاستهلاكية البائسة التي تسود المشهد المعاصر. «أما أن تفغر فمك وما تنفك تلهث وراء الأشياء الخارجية فلا مناص لك من أن تهرول هنا وهناك وفقا لإرادة سيدك، من هو سيدك؟ هو من يملك أن يمنح تلك الأشياء أو يمنعها» (المحادثات، 2-2).
اللذة، والمال، والمجد، أشياء رواغة وغير مضمونة، والمراهن عليها خاسر وإن ربح. إننا نعيش في عالم «هيراقليطي» دائب التدفق، لا ثابت فيه إلا التغير. ولكي نظفر بالسعادة فإن علينا ألا نتشبث بما هو بطبيعته عابر وصائر ومفلت، علينا ألا نهدهد رغباتنا بل نقتلها، ألا نغنى بالأشياء بل عنها. «أشرف الغنى ترك المنى.»
8
والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت
أن السلامة منها ترك ما فيها
الفضيلة هي الخير الوحيد. الفضيلة غاية في ذاتها، وليست وسيلة إلى أي شيء آخر. الفضيلة ثواب ذاتها، لست مضحيا بشيء حين تترك كل شيء من أجل الفضيلة.
لا تدعه سعيدا من اكتسب شيئا بطريقة ممقوتة ومغثية لك. وماذا ارتكبت العناية إذ تعطي ما هو أفضل لمن هو أفضل؟ ألا تفضل أن تكون شريفا على أن تكون غنيا؟ لماذا تغضب إذن ما دمت تحظى بالأفضل؟ للأعلى دائما ميزة على سواه في الشيء الذي فيه علا، إنما العبرة في أن يصح العزم على أمر صائب (المحادثات، 2-15):
كم حكمة هي جهل
وغفلة هي فخر
9
Halaman tidak diketahui