إن فشلنا في أن نتذكر من نحن، سيفضي إلى فشلنا في اقتفاء تلك الأفعال اللائمة لظروفنا والتزاماتنا الشخصية، يحدث ذلك لأننا ننسى ما هو النعت أو الاسم الذي يسمنا: ابن، أخ، مواطن، قائد ... «فكل اسم من هذه الأسماء إذا عايناه حق عيانه يشير دائما إلى أفعال لائقة به» (المحادثات، 2-10).
إذن لكي يحقق الطالب الرواقي تقدما في مجال الفعل يتعين عليه أن يكون على وعي دائم، لحظة بلحظة، بشيئين اثنين: ما هو الدور الاجتماعي الذي يقوم به، وما هي الأفعال المطلوبة أو المناسبة لأداء هذا الدور على أفضل نحو ممكن.
موضوع التصديق (الحكم)
عندما «نصدق» على انطباع معين فإننا نلزم أنفسنا بهذا الانطباع بوصفه تمثيلا صحيحا لما تكونه الأشياء، قائلين: «نعم، هكذا الأمر.» مبحث التصديق إذن هو تدريب نطبقه على انطباعاتنا، حيث نقوم بتأويلها والحكم عليها، لكن ننتقل من «الانطباع ب» شيء ما إلى «إعلان أن» هذا الشيء هو القائم هناك؛ «فكما اعتاد سقراط أن يقول: إن حياة لا تخضع للنقد هي حياة غير جديرة بأن نحياها، كذلك علينا ألا نقبل أي انطباع لم يتم تمحيصه، بل أن نقول: «قف، دعني أرى ماذا تكون ومن أين أتيت.» تماما كما يقول العسس: «أرنا أمارتك»» (المحادثات، 3-12). «فليكن دأبك إذن منذ البداية أن تقول لكل انطباع مزعج: «أنت مجرد انطباع، ولست بأي حال ذلك الشيء الحقيقي الذي تمثله.» ثم افحصه وقدره بتلك المعايير التي لديك، وأولها هذا: أيتعلق هو بالأشياء التي في قدرتنا، أم بالأشياء الخارجة عن إرادتنا؟ فإذا كانت الأخيرة فكن على استعداد لأن تقول بأن هذا الانطباع لا يعنيك في شيء» (المختصر، 1).
إن علينا أن نفعل ذلك حتى لا نقع ضحية التقييمات الذاتية الزائفة، فيكون بوسعنا أن نتحرر من الخداع ومن عقد أحكام طائشة تضللنا في مسارنا في المجالين الآخرين: الوجدان والفعل، من شأن التقييم الخاطئ أن يؤدي بنا إلى أن نرغب في الأشياء الخطأ (أي الأشياء اللافارقة)، وأن نأتي الأفعال غير المناسبة فيما يتصل بوجداناتنا والتزاماتنا. الموضوع الثالث إذن، أي التصديق، يضمن سلامة الموضوعين الآخرين؛ أي الوجدان والنزوع، وبعبارة أخرى فإن التقييم الصحيح يفضي إلى الرغبة الصحيحة والفعل الصحيح. «سفينتك فقدت. ماذا حدث؟ سفينتك فقدت. أما أنك قد نكبت فذاك تزيد من عندك.» ما ينبغي تجنبه إذن هو أن نضيف إلى انطباعاتنا، بتسرع ودون تقييم صحيح، أي حكم بأن خيرا أو شرا قد وقع؛ لأن الخير الوحيد هو الفضيلة الأخلاقية، والشر الوحيد الذي يمكن أن يحل بأي منا هو أن ينخرط في أفعال مدفوعة بالرذيلة؛ لذا فأن ترى فقدان سفينة على أنه كارثة يعد تصديقا للانطباع الخاطئ؛ فالانطباع الذي لدينا لا يعدو أن يكون فقدان سفينة. أما أن تتخذ الخطوة الإضافية بأن تعلن أن هذا نكبة أو ضرر فهو تصديق بانطباع لا وجود له في واقع الأمر، وعند الرواقي أن فقدان سفينة ليس أكثر من أحد «اللامفضلات اللافارقة»، ولا يمثل ضررا حقيقيا.
قلنا إن جميع أفعالنا ترتكز على التصديقات التي نمنحها للانطباعات التي نتلقاها. لدي على سبيل المثال انطباع بشاب يمسك بامرأة عجوز من ذراعها. يتمثل هذا الانطباع لملكتي العقلية في صورة «قضوية»
propositional : شاب يهاجم امرأة عجوزا. لقد منحت تصديقا لهذه القضية، وهذا التصديق يخلق في اعتقادا بأن الشاب يهاجم العجوز. وقد أثار هذا «وجداني» وحثني على «الفعل» فتدخلت فيما يجري، لأكتشف أن الشاب في حقيقة الأمر كان يساعد العجوز على عبور الطريق. لقد ارتكبت خطأ في هذه الحالة: لقد صدقت على انطباع كاذب.
من دأب الناس أن تصدق على «قضايا»
propositions
عن الأحداث تنطوي على «أحكام قيمة» مضمرة: «لقد كان موته شيئا فظيعا.» «وددت لو لم يحدث هذا.» «لم تجر المقابلة على ما يرام.» أما لدى الرواقي فإن كل حدث خارجي هو «شيء غير فارق»؛ أي ليس في ذاته خيرا ولا شرا؛ لذا فحيثما يصدق أي امرئ على انطباع بأمر خارجي ينطوي في داخله على حكم قيمة، فإنه يرتكب خطأ إبستمولوجيا، يوضح ماركوس أوريليوس هذه المسألة في التأملات بقوله: «لا تزايد على رواية الانطباع الأول بشيء من عندك. افترض أنه قد جاءك أن شخصا ما يعيبك؛ هذا ما روي، أما أنت قد أضرت، فهذا ما لم يرو. أو هبني أرى طفلي مريضا، هذا ما أراه، أما أنه في خطر فشيء لا أراه. هكذا التزم دائما بالانطباع الأول ولا تضف عليه شيئا من أفكارك أنت. وهكذا كل ما في الأمر، وإلا فإن بوسعك أن تضيف ما لا نهاية له إضافة من يعرف كل ما يجري في العالم» (التأملات، 8-49).
Halaman tidak diketahui