Sejarah Negara-Negara Parsi di Iraq
تاريخ الدول الفارسية في العراق
Genre-genre
المقدمة
الدولة العيلامية
الدولة الكيانية
انقراض الدولة الكيانية الفارسية
الدولة البرتية
الدولة الساسانية
الدولة البويهية الفارسية في العراق
الدولة الصفوية الأولى
الدولة الصفوية الثانية
الدولة الزندية
Halaman tidak diketahui
المأخذ
المقدمة
الدولة العيلامية
الدولة الكيانية
انقراض الدولة الكيانية الفارسية
الدولة البرتية
الدولة الساسانية
الدولة البويهية الفارسية في العراق
الدولة الصفوية الأولى
الدولة الصفوية الثانية
Halaman tidak diketahui
الدولة الزندية
المأخذ
تاريخ الدول الفارسية في العراق
تاريخ الدول الفارسية في العراق
تأليف
علي ظريف الأعظمي
المقدمة
لما كان المؤرخون - على اختلاف مللهم ونحلهم - لم يفردوا كتابا خاصا، يتضمن البحث عن الدول الفارسية التي حكمت العراق قرونا عديدة في أزمان مختلفة - قبل الميلاد وبعده - وكان تاريخ تلك الدول من أهم ما يحتاجه النشوء الجديد؛ بذلت قصارى جهدي للوصول إلى مجريات تلكم الشئون والوقوف على الحقائق الراهنة، وبعد البحث والتنقيب وتصفح الكتب التاريخية القديمة منها والحديثة، تيسر لي الاطلاع على ما كنت أبتغيه، فاقتطفت المهم من شذرات تلك الدول في قطرنا، وجئت بخلاصة ما وقفت عليه من المصادر الوثيقة التي عثرت عليها خدمة للتاريخ، راجيا من الأساتذة أن يرشدوني إلى الصواب إن وجدوا في هذا المختصر خطأ أو سهوا.
الدولة العيلامية
أو الدولة الفارسية الأولى
Halaman tidak diketahui
في العصور الواغلة في القدم كانت أمة من الفرس تعرف ب «الأمة العيلامية» أو «العيلاميين» تسكن في الإقليم المعروف الآن ب «خوزستان» المسمى قديما ب «بلاد عيلام»،
1
وكان لها يوم ذاك منزلة رفيعة بين أمم الشرق، وقد سماهم العرب ب «بني غليم»، وكانت مملكتهم محاطة ببلاد الكلدان وبلاد مادي «ميدية» وبلاد فارس، وتحتوي على عدة مدن أشهرها مدينة «شوشن» أو شوشان القديمة
2
عاصمة تلك المملكة، إلا أنها كانت أحيانا تتوسع، وأخرى تتقلص، وآونة تخضع لسيادة جارتها مملكة «أور» التي في جنوبي العراق.
ولمجاورتها لجنوب العراق كانت لها عدة روابط مع هذا القطر، ولكنها لم تكن لتطمع في جارتها القوية، حتى إذا ما ضعفت مملكة «أور» الشهيرة في التاريخ، وآنس العيلاميون في أنفسهم قوة، طمعوا بأرضها الخصبة الكثيرة الخيرات، فحملوا عليها في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وبعد حروب جرت بين الأمتين استولى العيلاميون على مملكة «أور»، ودخلوا عاصمتها «أور»، وأسروا ملكها أبي سين «إيبي سبين» بن جمبل سبين آخر ملوك السلالة الثالثة
3
لملوك «أور»، وساقوه أسيرا إلى عاصمتهم «شوشن»، واستولوا على جميع مدن تلك المملكة وقرضوها بعد أن كانت مستقلة في جنوبي العراق أو صقع شمر «سومير»، ولها سطوة كبيرة وسيادة مبسوطة، وكان لعاصمتها مدينة «أور» حينذاك منزلة رفيعة عند العراقيين؛ لعظم مركزها الديني، بل إنها كانت معهدا للدين ومهدا للتجارة ومركزا للصنايع والفنون، وفيها هيكل «أنون ماخ» المرصود للإله القمر ورفيقته، الذي خرب في هذه الحادثة.
استولى العيلاميون على جنوبي العراق أو على مملكة «أور الكلدانيين» بعد حروب دامت بينهم وبين الكلدانيين في الوقت الذي كان فيه العراق منقسما إلى قسمين: القسم الجنوبي المسمى ب «مملكة أور» أو ب «بلاد الكلدان» أو «كلدو»، والقسم الشمالي المعروف ب «مملكة بابل» أو ب «بلاد بابل»، وكان كل قسم مستقل بنفسه، غير أن الجنوبي كان قد فاق الشمالي بالمدنية والعمران، واشتهر بالتجارة والزراعة والفنون.
وبعد أن تم أمر تلك الأمة الفارسية في الجنوب حاولت الاستيلاء على الشمال، ولكنها عادت بالفشل بعد أن تمكنت بهجماتها من دخول مدينة أوروق «الوركاء»، التي هي من البلاد الشمالية أو من مملكة «بابل» الراضخة لحكم السلالة السامية أو الدولة البابلية الأولى التي أسسها ساموابي سنة 2416ق.م - ويروى سنة 2460 - ونهبت كنوزها وآثارها، من جملتها تمثال الإلهة «نانا» شفيعة مدينة «أوروق»، وأرسلت الجميع إلى «شوشن»، وأودعت هذا التمثال في هيكلها.
Halaman tidak diketahui
بقي جنوبي العراق في قبضة تلك الأمة الفارسية حتى قام سادس ملوك الدولة البابلية الأولى أو الدولة السامية الملك الجليل حمورابي (2287-2232ق.م)، فحمل عليهم بجنوده وطردهم من هذا القطر، ولم يكتف بذلك بل إنه طاردهم حتى دخل عاصمتهم «شوشن»، ولم يعد إلى مقره إلا بعد أن أخضع تلك الأمة لسيادته، وأرجع تمثال الإلهة «نانا» إلى هيكل مدينة «أوروق».
4
هذا ما وقفنا عليه من بين الأبحاث التاريخية الحديثة المستندة إلى الآثار المستخرجة من مواقع المدن العراقية القديمة، غير أن المؤرخين قد اختلفوا في السنة التي استولى العيلاميون فيها على مملكة «أور»؛ فمن قائل إنهم قرضوا السلالة الثالثة التي نشأت حوالي الألف الثالث قبل الميلاد التي أسسها الملك أورانكور، وأسروا آخر ملك من تلك السلالة الملك أبي سين سنة 2150ق.م، ومن قائل إن هذه الحادثة وقعت سنة 2300ق.م، ويزعم بعضهم أنهم قرضوا تلك المملكة سنة 2285ق.م، ويقول آخرون: كانت هذه الغارة سنة 2295ق.م.
كذلك اختلفوا في اسم الملك العيلامي الذي قاد تلك الحملة؛ فبعضهم يقول إنه الملك كوتارناحونتا،
5
ويزعم بعضهم أنه الملك ريمسين.
أما الذي يظهر من سير الحوادث التاريخية، فهو أرجحية قول القائل بأنهم قرضوا تلك المملكة «مملكة أور» سنة 2295ق.م، وأن من جملة الملوك العيلاميين الذين حكموا ذلك الصقع كوتارنا حونتا وريمسين ونبورياس.
ولم تحكم الدولة العيلامية جنوبي العراق غير مدة وجيزة، فطردهم الملك حمورابي عندما قويت شوكته وملك العراق كله، ولم يقف عند ذلك الحد، بل إنه أخضعهم لسيادته - كما تقدم - وليست هذه المرة الأولى التي خضع فيها العيلاميون لملوك العراق، بل إنهم خضعوا مرارا لسيادة ملوك هذا القطر في أزمان مختلفة؛ من ذلك أن الملك سرجون الأكدي السامي الذي ملك سنة 2872ق.م، كان قد أدخلهم تحت سيادته، وأن الملك أناتوم الذي ملك سنة 3900ق.م
6
حاربهم وأخضعهم لحكمه.
Halaman tidak diketahui
7 (1) بين العهدين
بعد أن اعتز العراق دهرا طويلا في عهد الدولة البابلية الأولى التي جمعت شمله ووحدت كلمته وأعلت شأنه، انعكس الأمر عند سقوط تلك الدولة واضطربت شئون العراق وأصبحت البلاد منقسمة على نفسها؛ أي صارت عدة ممالك أو دول صغيرة عديدة كل دولة قائمة بنفسها، وكثيرا ما كانت البلاد تنتقل من سلالة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر، ثم اشتد الخلاف بين أهل البلاد وطمع بهم أعداؤهم، فعاد العيلاميون إلى طمعهم في جارتهم وأعلنوا الحرب عدة مرات على أهل هذا القطر، وشنوا الغارة على المدن العراقية في أزمان مختلفة، ونهبوا بعض المدن وفتكوا بأهلها ، ومن تلك المدن «نبور» و«أوروق»، ومن ملوكهم الذين أغاروا على العراق الملك شتروك ناخونتا، فإنه شن الغارة على هذا القطر سنة 1190ق.م، وغنم غنائم نفيسة من البلاد، من جملتها شريعة حمورابي؛ فإنه نقلها إلى عاصمته «شوشن»، وكثيرا ما كان العيلاميون يتفقون مع بعض تلك الدول الصغيرة ويعضدون ملوكها، خصوصا الممالك التي في جنوب العراق القريبة منهم، وكانوا في بعض الأحيان يتدخلون في الأمور المهمة المتعلقة بالملوك، ويجلسون على عروش الممالك من يوافق على مصالحهم ومنافعهم، أو من يعقد معهم اتفاقية يرضونها.
ولما استحكم الشقاق بين أهل البلاد واختلفت كلمتهم، حمل عليهم الآشوريون
8
وأخضعوهم لسيادتهم، وظلوا تحت سيطرتهم قرونا جرت في خلالها حوادث خطيرة وانقلابات غريبة، حتى قامت الدولة البابلية الثانية التي أسسها نيو بلاصر ودامت (611-538ق.م)، فلمت شعث البلاد، وعاد العز والإقبال إلى هذا القطر وعلا شأنه في عهد الملك نبوكد نصر - بختنصر الثاني - غير أن شمس ذلك العز أفلت بظهور كورش الفارسي الذي قرض تلك الدولة بعد أن عاشت 73 سنة تقريبا.
الدولة الكيانية
أو الدولة الفارسية الثانية للعراق (538-331ق.م)
في أواسط القرن السادس قبل الميلاد (سنة 552 أو سنة 550)، ظهر أرمركورش الثاني الملقب بكورش الأكبر ابن قنبوسيا، فنهض بقومه الفرس وأخضع الميديين
1
والعيلاميين بعد أن دانت له فارس، فتوج ملكا وأصبح إمبراطورا على هذه الأقاليم الثلاثة: «فارس» و«ميدية» و«عيلام»، وأسس دولة الكيانين المشهورة، وعلى أثر ذلك تحالفت مملكة «بابل» و«مصر» و«لديا»
Halaman tidak diketahui
2
على هذا الفاتح، فلم يغن تلك الممالك ذلك التحالف الثلاثي؛ لأن كورش حمل بجيوشه الفارسية على الليديين أولا وقرض دولتهم سنة 546ق.م، وتوغل في آسيا الصغرى وضم إلى مملكته بلاد مستعمرة الإغريق التي كانت على شواطئ آسيا الصغرى، ثم فتح «بخارى» و«مرو» و«ديار الأفغان» و«بلوبحستاك»، ثم حول نظره إلى مملكة «بابل» فحمل عليها سنة 538ق.م بجيش جرار، فخرج للدفاع بلطشاصر ابن الملك البابلي بنو ناهيد، وبعد عدة معارك انكسرت في جميعها الجنود البابلية.
وقع بلطشاصر قتيلا في المعركة الأخيرة، وانهزمت جيوشه وتحصنت في عاصمة الملك مدينة بابل، فألقى الحصار عليها كورش بعد أن استولى في طريقه على عدة مدن، وبعد حصار طويل دافع في خلاله البابليون دفاع الأبطال، استولى كورش على «بابل» عنوة، وأسر الملك نبوناهيد وأهله وساقهم إلى «كرمان».
3
وعلى إثر سقوط مدينة «بابل» عاصمة «العراق»، سلمت جميع المدن العراقية لكورش في السنة نفسها (سنة 538ق.م)، وانقرضت الدولة البابلية الثانية أو المملكة الكلدانية على يد هذا الفاتح، بعد أن دامت 73 سنة كما تقدم. (1) كورش والبابليون
دخل كورش مدينة «بابل» - كما يقول المؤرخون - دخول منقذ مصلح، فلاقاه أهلها بالتهليل والتصفيق - شأنهم مع كل فاتح - واستقبلوه بالترحيب والسرور، وتلك عادتهم مع كل قوي؛ فأظهر لهم الولاء والرقة والرأفة، وجاملهم وعطف عليهم ووالاهم وسايرهم، وبالغ في احترام دياناتهم وعاداتهم وأميالهم، وأطلق لهم الحرية التامة في العلم والعمل والدين، وأبقى قوانين البلاد وشرائعها على حالها، واقتدى بملوكهم الأولين؛ فدخل هيكل الإله «بيل» ومسك بيده وقرب للآلهة القرابين، وقدم لهم التحف.
4
واتخذ لقب ملك بابل لنفسه، وعمل كل ما من شأنه أن يجذب إليه قلوب البابليين، ولم يخرب شيئا من بلادهم؛ لذلك لم يسقط من مدن العراق شيء، وبقيت مدنه جميعها زاهرة عامرة، من جملتها مدينة «أور» فإنها كانت في عهده عامرة زاهرة، ولكنها كانت حينذاك من أصغر المدن العراقية، ومع ذلك فإن كورش سعى لتجديد بعض هياكلها، وقام بعمل في سبيل خدمة هيكل الإله القمر - إله أور - وقد وجد النقابون أخيرا في أطلال هذه المدينة سنة 1923م آجرة كتب عليها اسم هذا الفاتح، استدلوا منها على أنه عمر وجدد هذا الهيكل، ويقول بعض المؤرخين إنه جدد عدة هياكل كانت في مدن العراق، وأرجع كلا إلى موضعه من تماثيل الآلهة التي كان قد جمعها في مدينة «بابل» الملك نبونا هيد من المدن العراقية أثناء الحرب لتنصره على كورش.
ولم يشتهر كورش بسياسته الرشيدة ومراعاته عواطف الشعوب واحترامه لدياناتهم وعاداتهم وأميالهم فحسب، بل إنه اشتهر بتنشيط التجارة وتوسيع الزراعة، كما اشتهر بالفتوحات والانتصارات؛ لذلك تمتع العراقيون في عهده بالحرية التامة، وكثرت ثروة بلادهم، واتسع نطاق الزراعة في أرضهم، بما حفره هذا الملك من الترع والأنهار، وما بثه من العدل والأمن في أنحاء البلاد؛ ومن أجل ذلك أحبوه كثيرا حتى إن أكثرهم تجندوا وقاتلوا في الحروب تحت رايته، مع إن سكان البلاد كانوا حينذاك قد قل عددهم على ما يقوله بعض المؤرخين.
وبعد أن تم أمر كورش في العراق أناب عنه نائبا فيها أحد قواده، وضرب عليها خراجا معلوما - ضريبة سنوية - وسار بجيوشه قاصدا فتح سورية، فافتتحها ثم افتتح فلسطين سنة 536ق.م، وعلى إثر فتحه فلسطين أصدر أمرا بإطلاق حرية اليهود المأسورين في «بابل» من عهد الملك بختنصر، وأذن لهم بالرجوع إلى وطنهم «أورشليم» وفي بناء الهيكل، بعد أن داموا بالأسر أعواما ذاقوا فيها أنواع المصائب وضروب النوائب، وولى على فلسطين زربابل أحد أحفاد يهوياكيم، ولقبه بلقب «بها»؛ أي الحاكم بالفارسية، فسار من العراق نحو الستين ألفا منهم إلى وطنهم، واختارت جماعة كبيرة منهم السكنى في العراق.
Halaman tidak diketahui
ومات كورش
5
ذلك الفاتح العظيم والسياسي الكبير 529ق.م، بعد أن أسس الدولة الكيانية الفارسية العظيمة، وأعلى شأن الفرس وترك لأعقابه مملكة تضم بلادا كثيرة وإمارات جسيمة، وتمتد من شواطئ البسفور غربا إلى نهر السند شرقا، وكان سبب موته أنه أراد تدويخ قلب آسيا، فجرح في معركة في محل قريب من أحد ضفتي سرداريا - نهر سيحون الذي يسميه الأقدمون يكسرتس - ومات من أثر ذلك الجرح بعد أن حكم 29 سنة. (2) ثورة البابليين الأولى
تولى عرش الدولة الكيانية بعد كورش ابنه الأكبر قمبيز
6 (529-521ق.م)، وكان سلوكه كسلوك أبيه مع البابليين، ومن أجل ذلك أحبوه كما أحبوا أباه قبله واحترموه، ولم يحدث في أيامه بالعراق ما يكدر جو السياسة، أو ما يخل بنظام البلاد وإدارتها.
فلما مات قنبيز حين عودته من مصر قاصدا بلاد «مادي» التي أجلست على سريرها برديا،
7
اضطربت شئون الدولة الفارسية وطمع بها أمراؤها، وكثرت فيها الفتن الداخلية، فاغتنم البابليون فرصة ذلك الانقلاب فثاروا على الفرس الذين في بلادهم فقتلوهم وأعلنوا الاستقلال، وملكوا عليهم أحد أعقاب الملك نبونا هيد المدعو ندين توبيل - ندين تابل - وأجلسوه على سرير «بابل»، فلقب هذا الملك نفسه «نيوكد نصر الثالث»، وأعلن الاستقلال التام واستعد للدفاع عن بلاده، غير أن ذلك الاستقلال التام لم يدم غير سنتين تقريبا (521-519ق.م)؛ لأن الفرس اجتمعت كلمتهم على دارا الأول (521-485ق.م)، فقمع الفتن الداخلية وردع الأمراء الطامعين بالملك، واستتب أمره في البلاد، ثم زحف على بلاد بابل بجيوشه الفارسية.
دارا الأول
حمل دارا على «بابل» فخرج لملاقاته ملكها ندين توبيل بجيوشه العراقية، والتقى الملكان بالقرب من «دجلة» في أراضي «آشورية»، فانكسر الجيش العراقي واضطر إلى الانسحاب، فعبر «دجلة» ونزل على ساحل «الفرات»، فلحقه دارا، وهناك حدثت حرب شديدة انخذل في آخرها البابليون، وانهزموا إلى عاصمتهم مدينة «بابل» وتحصنوا فيها، أما دارا فإنه جد بالمسير بعد ذلك النصر حتى ألقى الحصار على مدينة «بابل»، فدافع ملكها ومن معه دفاع المستميت أياما حتى عجزوا عن مقاومة الفرس؛ لكثرة عددهم وعددهم، فسقطت عاصمتهم سنة «519ق.م» ودخلها دارا ظافرا، وقتل ملكها ندين توبيل الملقب نبوكد نصر الثالث، الذي لم يملك غير سنتين تقريبا قضاهما في إعداد المعدات الحربية دفاعا عن حقه الصريح، وحفظا لاستقلال بلاده.
Halaman tidak diketahui
سقطت «بابل» فسلمت جميع المدن العراقية لدارا، وخضع الحضر والبدو له، وبعد أن نظم شئون البلاد ولى عليها حاكما عاما أحد قواده المسمى زوبيروس - زبورا - وعاد إلى مقره، ورجعت الأمور كما كانت في عهد كورش، واشتغل العراقيون بالتجارة والزراعة، وزادت ثروة بلادهم وعاشوا في بحبوحة الأمن والسعادة تحت راية دارا الأول المشهور بالعدل وحب العمران، والولوع في كل ما يرقي التجارة وينشط الزراعة ويجلب الخير والسعادة إلى رعاياه. (3) ثورة البابليين الثانية
مات دارا الأول فتولى عرش الفرس ابنه سرخس الأول (485-465ق.م)، فخضع لسلطانه البابليون بادئ بدء، ثم ثاروا عليه سنة 481ق.م، وقتلوا حاكمهم الفارسي زوبيرس الذي ولاه دارا وأعلنوا الاستقلال - غير أننا لم يصلنا سبب ثورتهم هذه، ولا اسم الملك الذي أجلسوه على عرش مملكتهم - فجهز لهم سرخس جيشا كثيفا بقيادة مغابيروس - مكامبيز - بن زوربيروس المقتول، فحمل عليهم هذا القائد ، وبعد حروب انتصر عليهم واستولى على عاصمتهم مدينة «بابل» وفتك بأهلها فتكا ذريعا، ونهب هيكل الآلهة، وأمر بهدمه، وقتل رئيس كهنته، وحمل خزائنه وتماثيله إلى خزائن «سرخس»، وأسر عددا كبيرا من ذوي الوجاهة والثروة والشرف، واستعمل منتهى الشدة والعنف، واضطهد أهل البلاد فخضعوا للقوة وظلوا خاضعين بعد تلك النكبة للفرس، ولم تبد منهم أدنى حركة أو ثورة في عهد هذا الملك،
8
وعهد خلفائه أردشير الأول (465-424)،
9
وسرخس الثاني
10 (424-423)، ودارا الثاني
11 (423-405)، وأردشير الثاني الملقب منه مون (405-358) الذي قاتله أخوه كيخسرو على الملك بمساعدة اليونان ففشلوا وعادوا إلى بلادهم، وسميت رجعتهم رجعة الاثني عشر ألفا،
12
وأردشير الثالث (358-338)،
Halaman tidak diketahui
13
ودارا الثالث (338-331ق.م) الذي سماه بعضهم «قودومان»، ولم تحركهم الاضطرابات الداخلية ولا ضعف الدولة الفارسية، خصوصا في عهد الملك الأخير دارا الثالث الذي تبوأ عرش المملكة في وقت كانت فيه الدولة الفارسية ضعيفة جدا؛ من توالي الاضطرابات والفتن فيها.
انقراض الدولة الكيانية الفارسية
وقيام الدولة اليونانية
لم يتخلص العراقيون من الاستعمار الفارسي حتى حمل الإسكندر المقدوني على مملكة الفرس في عهد دارا الثالث، الذي جلس على سرير الملك في الوقت الذي كانت فيه الدولة الفارسية في اضطراب مستمر، فزادها هذا الملك ضعفا واضطرابا لعدم كفاءته وقلة تجاربه، فانقرضت تلك الدولة العظيمة على يد بطل اليونان الإسكندر بعد ثلاثة وقائع مشهورة: الأولى وقعة الغرانيق التي حدثت سنة 334ق.م، والثانية وقعة أسوس
1
التي جرت سنة 333ق.م، والثالثة معركة أربيلا
2
التي وقعت 331ق.م، وهي التي قضت على تلك الدولة وقرضتها من العراق بعد أن فتح الإسكندر من الفرس جميع ما كان لهم من البلاد والمستعمرات، عدا بلاد فارس التي استولى عليها بعد فتح العراق، ومحى تلك الدولة من عالم الوجود.
بعد أن انقرضت الدولة الكيانية الفارسية العظيمة المجد المترامية الأطراف على يد الإسكندر، وتم الأمر في العراق لليونان بعد وقعة أربيلا ، ثم دانت لهم بلاد فارس بعد قتل دارا الثالث؛ بقي العراق تحت حكم الإسكندر، ثم انتقل إلى خلفائه السلوقيين، وكانت مدة حكم اليونان في العراق 205 سنوات 331-126ق.م، وذلك منذ أن افتتحه الإسكندر إلى انقراض الدولة السلوقية اليونانية على يد البرتيين الفرس. (1) تتمة لما سبق
Halaman tidak diketahui
كانت بلاد العراق - مملكة بابل - في عهد الدولة الكيانية مربوطة بإتاوة تدفعها للدولة الفارسية كغيرها من الولايات، وكان لها حاكم عام مطلق يدير دفة السياسة والإدارة والحرب معا، ويولي العمال على المدن، وكان لكل مدينة مجلس قضائي يسير على ما جاءت به شريعة البلاد؛ لأن هذه الدولة كانت قد أبقت قوانين البلاد وشرائعها وعاداتها على حالها، وكانت في الغالب تولي على الإيالات رجالا من العائلة المالكة وتخول لهم السلطة التامة، وكان الحاكم الذي يتولى إحدى الأقاليم يسمى ساتراب، وفي رواية أنها كانت قد جعلت في كل ولاية ومدينة هيئة عدلية مؤلفة من جماعة أكثرهم من كهنة الفرس.
أما الدين الرسمي للدولة الكيانية فهو دين زردشت أو زورواستر أو زرادشت الذي ظهر في الفرس بين القرن العاشر والسابع قبل الميلاد، وادعى النبوة وأنه مرسل من الله، وأنه جاء من عنده بكتاب سماوي. وقد جاء زردشت بقوانين دينية ونظامات سياسية ومدنية، ووضع لقومه كتابا سمي «الزاندافستا» ضمنه جميع تعاليمه وإرشاداته الدينية، وعلى توالي الأعوام أصبحت شريعته رسمية في بلاد فارس، وترك الفرس ديانتهم القديمة التي كانوا عليها منذ العصور الواغلة في القدم؛ وهي عبادة القوى الطبيعية المختلفة وخاصة الشمس. ولا يسعنا هنا ذكر ما جاءت به شريعة زردشت، وما يعتقده أتباعها، وما حدث عليها أخيرا من التغيير والتحرير والتحريف، غير أن هذا الدين لم ينتشر في العراق أيام الكيانيين؛ لأنهم لم يجبروا أحدا على اعتناقه؛ ولذا لم يعتنقه أحد من أهل هذا القطر، وظل منحصرا في الجالية الفارسية التي استوطنت البلاد، حتى جاءت الدولة اليونانية، ثم الدولة البرتية، ثم الساسانية، فكثر أتباع هذا الدين من الفرس لتوالي الدول الفارسية على هذه البلاد، فلما جاء العرب المسلمون قرضوه بالتدريج كما قرضوا البقية الباقية من ديانة البابليين «الوثنية» التي قرضتها النصرانية تقريبا قبل الفتح الإسلامي.
الدولة البرتية
أو الدولة الفارسية الثالثة في العراق 126ق.م-226 بعد الميلاد
عندما ضعفت الدولة السلوقية اليونانية التي قامت على أنقاض دولة الإسكندر الذي قرض الدولة الكيانية، اغتنم البرتيون
1
فرصة ضعفها، فنهض فيهم زعيمهم أرشك - أيشك، أرشاق - فاجتاح بقومه بلاد البرتيين سنة 250ق.م، وخرج على السلوقيين، ثم أعلن استقلاله سنة 248ق.م وأسس الدولة البرتية.
2
ومات أرشك في السنة التي أعلن استقلاله فيها،
3
Halaman tidak diketahui
وظل أعقابه يوسعون مملكتهم بما كانوا يفتحونه من بلاد الدولة السلوقية حتى أصبحت دولتهم واسعة الأطراف، ثم حملوا على العراق سنة 143ق.م، وبعد حروب استمرت أعواما بين الأمتين «البرتيون واليونان»، وجلبت على أهل هذا القطر الذي صار ميدانا لتلك الحروب حينذاك أنواع النوائب، ثم تم أمر البرتيين في العراق سنة 126ق.م في عهد ملكهم مهرداد السادس (175-126ق.م)،
4
واتخذوا مدينة «سلوقية» التي بناها سلوقس الأول اليوناني على الضفة اليمنى من «دجلة» عاصمة لهم، بعد أن فتكوا بأهلها لتحزبهم للسلوقيين، ثم ابتنوا مدينة تجاه «سلوقية» على الضفة اليسرى من «دجلة» وسموها «قطيسفون»، وجعلوها عاصمة لهم بدلا من سلوقية، فسمى العرب هذه المدينة «طيسفون»، وسماها اليونان «أكتسيفون». (1) شكل حكومة البرتيين
كان نظام الدولة البرتية يختلف باختلاف الأقوام والأقاليم، وكانت تنقسم إلى ممالك صغيرة أو مقاطعات مستقلة، ولكل واحدة منها ملك يحكم عليها ويخضع للملك البرتي المقيم في «أكتسيفون»، فهي والحالة هذه أشبه بالولايات المتحدة، ومن تلك الممالك الصغيرة التي كانت في «العراق» إمارة «ميشان» التي كانت في موقع البصرة، وإمارة «حطارا» التي كانت قرب «تكريت»، وإمارة «حدياب» التي كانت في أرض الموصل وما يجاورها، أي بين الزابين وتمتد إلى الشرقات وإلى نصيبين وقاعدتها أربيل، وإمارة «الحيرة» المشهورة التي كانت في موقع أبي صخير، وهي حكومة عربية أسسها مالك بن فهم التنوخي سنة 138م. (2) العراق في عهد البرتيين
بعد أن تم أمر الدولة البرتية في بلاد «بابل»، أطلقوا لأهلها الحرية التامة في كل شيء، وأبقوا قوانين البلاد وشرائعها على ما كانت عليه قبلا، ولم يتعرضوا بديانات أهل البلاد ولا بعاداتهم وعوائدهم، ومنحوا لبعض المدن استقلالا إداريا، ولبعضها استقلالا إداريا وسياسيا، فكان في عهدهم لكل مدينة استقلال بلدي وحق في انتخاب القضاة والمجلس الإداري، كما كان في مدن الأقطار الأخرى التي تحت حكمهم، إلا أنهم جعلوا على العراق حاكما عاما فارسيا يدير شئون تلك المدن المهمة تحت إشراف الملك البرتي المقيم في «أكتسيفون»، وفرضوا على كل مدينة ضريبة سنوية تؤديها للحكومة، وبذلك تمتع العراقيون في أكثر عهد هذه الدولة بالحرية التامة، وعمرت بلادهم وكثرت ثروتهم، خصوصا وأن البلاد كانت هادئة لم يحدث فيها حرب دينية أو فتن مذهبية، إلا ما كان يحدث أحيانا بين أهل البلاد وبين اليهود من الفتن بسبب الاختلاف الديني، مما لا علاقة له برجال الدولة؛ لأن البرتيين لم يكن عندهم فرق بين دين وآخر، ولا تعصب لدين من الأديان حتى دينهم الرزدشتي الذي كانوا عليه؛ وما كان يحدث بين هؤلاء الملوك وملوك «سورية» في الحروب التي كاد يتطاير بعض شررها على أبناء الرافدين. (3) الحروب بين البرتيين وملوك سورية
لما تم أمر البرتيين في العراق وأسسوا دولة كبيرة تضم عدة أقاليم، حاولوا التسلط على سورية - كما حاول السلوقيون ملوك سورية الذين طردوا من العراق إرجاعه إليهم - فسببت تلك المطامع حروبا دامت أعواما طوالا خسرت فيها الدولتان خسائر فادحة، وأصيب بسببها أبناء الرافدين ببعض النوائب.
فلما انقضى عهد السلوقيين من سورية سنة 64ق.م وقام فيها الرومانيون، طمعوا في العراق كما طمع البرتيون في سورية، فامتدت من أجل ذلك بينهم الحروب وأكثرها كانت تقع فيما بين النهرين، ولكنها كانت في أول الأمر سجالا بين الأمتين، ثم صار النصر حليف الرومانيين
5
وحمل طريانوس الإمبراطور الروماني سنة 114م بجيش كبير على البرتيين في أيام الملك خسرو الذي سماه بعضهم أرشاق الرابع والعشرين، فانتصروا عليهم، وتوغل الإمبراطور في بلادهم حتى استولى على سواحل «دجلة» من جبال «أرمينيا» إلى «خليج فارس» سنة 115م، واستولى على مدينة «سلوقية» و«أكتسيفون» وغيرها من مدن العراق، وزعزع أركان الدولة البرتية وكاد يقضي عليها، إلا أن الملك البرتي خسرو تمكن أخيرا من جمع جيوشه المتفرقة، وحمل على الرومانيين وأخرجهم من بلاده فعادوا بالفشل.
6
Halaman tidak diketahui
ولم تمض أعوام قليلة حتى عادت الحرب بين الدولتين سنة 164م، فانتصر الروم أيضا وتوغلوا في «العراق» وحاصروا عاصمة الملك «أكتسيفون» سنة 165م، ولم يرجعوا عنها حتى عقدوا صلحا يرضيهم، فلما دخلت سنة 195م عادت الحرب فاندحر البرتيون وتقدم الرومانيون وتوغلوا في «العراق»، وتمكنوا من الاستيلاء حربا على «أكتسيفون» فنهبوها.
وظل البرتيون تارة ينتصرون على الروم وأخرى يندحرون أمامهم، وآونة يعقدون الصلح معهم، حتى انقضت أكثر مدتهم في نزاع وحروب، هذا عدا ما كان يحدث أحيانا من الفتن الداخلية التي كانت تقوم تارة بين الأسرة المالكة لتنازعهم على الملك، وأخرى من الشعب فيختل النظام وتضطرب أمور المملكة، ويؤدي ذلك إلى خلع الملك أو قتله، وأحيانا كان الرومانيون يتدخلون في شئون الدولة بسبب تلك الفتن المتوالية حتى تحكم الضعف فيها واختل نظامها، وأخذت تنحط عاما فعاما، وزالت هيبتها وطمع بها أعداؤها، وكان آخر ملوكها أردوان الرابع (216-226م).
7 (4) انقراض الدولة البرتية
جلس أردوان الرابع على العرش في الوقت الذي كانت فيه الدولة البرتية قد أنهكتها الحروب الخارجية - التي تقدم ذكرها - والفتن الداخلية التي بدأت منذ سنة 197م، تارة بين الأسرة وتارة يثيرها الشعب على ملوكها لضعف الدولة، حتى طمع بها أعداؤها، فزادت في عهده الفتن والاضطرابات، وكثرت المشاغب في الأسرة المالكة، فاغتنم الرومانيون فرصة تلك الاضطرابات المتوالية التي أنهكت الدولة، وحمل الإمبراطور الروماني قراقلا على ما بين النهرين سنة 216، ثم عقد خلفه مرقيانوس في سنة 217م صلحا مع أردوان هذا، ولكن الدولة البرتية لم تكد تستريح من الحروب الخارجية حتى ثار الفرس سنة 224م بزعامة أردشير بن بابك من آل ساسان،
8
الذي عزم على تأسيس دولته، ونهض بقومه من الهضاب التي في غربي «إيران»، فأخضع في مدة قصيرة جميع بلاد «فارس»، وتبعه خلق كثير من الفرس الميديين ، ثم حالف جماعة كبيرة من الملوك والأمراء الذين تحت سلطة البرتيين فانحازوا إليه، وعزم على محو تلك الدولة التي حكمتهم مدة خمسة أجيال، فهم أردوان الرابع بإخماد تلك الثورة بادئ بدء، فخابت مساعيه بعد عدة معارك دارت رحاها بينه وبين أردشير، فاندحرت جيوشه وأعلن أردشير ملوكيته المستقلة في «باخترا» وسمى نفسه ملكا.
وبعد حروب دامت نحو سنتين انتصر أردشير انتصارا باهرا، ومزق جيوش الدولة البرتية، وافتتح «العراق» وغيره من الأقطار التي تحت حكمهم، ودخل عاصمة الملك «أكتسيفون» سنة 226م، واستولى على جميع ما كان لتلك الدولة من المستملكات والبلاد والأموال، وانهزم الملك البرتي أردوان الرابع إلى جبال «أرمينيا» - وقيل قتل في المعركة الأخيرة
9 - فانقرضت دولة البرتيين التي أسسها «أرشك» بعد أن دامت 474 سنة (248 قبل الميلاد-226 بعد الميلاد)، وضمت مدن «إيران» الحديثة وأكثر بلاد الأفغان، وقسما كبيرا من «تركية آسيا»، وأقاليم متسعة من أملاك «روسيا» الحالية و«العراق» وبلاد «آشور» وبلاد «مادي» التي في ضمنها «كردستان»، وملكت في بعض الأحيان بلاد ما بين النهرين - الجزيرة - لأنها كانت تارة تكون للروم وتارة لهم، ولكنها لم تحكم «العراق» إلا نحو 352 سنة (126ق.م-226 بعد الميلاد)، وعدد ملوكهم الذين حكموا العراق 20 ملكا، أولهم مهرداد السادس وآخرهم أردوان الرابع،
10
وقد وجد الباحثون من النقابين في مدينة لاكاش - لجش - قصرا من بناء هؤلاء الملوك قد شيدوه فوق هيكل أنينو الذي كان مرصودا لإله المدينة.
Halaman tidak diketahui
11 (5) تتمة لما تقدم
لقد اختلفت أقوال المؤرخين في مدة هذه الدولة وعدد ملوكها منذ نشأت حتى انقراضها؛ فمن قائل إن مدتها كانت 397 سنة، ومن قائل إنها عاشت 481 سنة، ومن قائل إنها دامت 474 سنة، ويزعم بعضهم أن عدد ملوكها 31 ملكا، ويقول آخرون 30 ملكا، وإن الذين حكموا العراق منهم عشرون ملكا أولهم مهرداد السادس، وآخرهم أردوان الرابع، ويروي البعض أن عددهم 19 ملكا. وكذلك جاءت أسماء هؤلاء الملوك مختلفة جدا؛ فمنهم من يسمى أردوان باسم أرطبان، ومنهم من يذكر أولغاش بدلا من أردوان، ومنهم من لم يذكر اسم أحد من هؤلاء الملوك إلا في سياق ذكر حادثة حربية أو فتنة داخلية. وبينما نرى تواريخ الرومانيين تذكر أربعة ملوك سموا باسم أردوان، نرى تواريخ الفرس لا تذكر غير ملكين سميا بهذا الاسم، ونرى من جهة أخرى أن بعضهم يلقب كل ملك بلقب أرشاق، ويقول إن أولهم أرشاق الأول وآخرهم أرشاق الواحد والثلاثون.
12
ورأى بعض المؤرخين أن الذي تولى بعد أرشك الأول أشكان الأول، ثم أشكان الثاني، ثم شابور، ثم بهرام، ثم بلاش، ثم هرمز، ثم نرسي، ثم فيروز، ثم بلاش الثاني، ثم خسرو، ثم بلاشان، ثم أردوان، ثم خسرو الثاني، ثم بلاش الثالث، ثم كودرز، ثم نرسي الثاني، ثم كودرز الثاني، ثم أردوان الثاني، وبه انقرضت هذه الدولة.
ويقول آخر إن الذي تولى الأمر بعد أرشك أخوه تيرداد، ثم أردوان الأول، ثم أفراسياب، ثم فرهاد، ثم مهرداد الأول الذي قاتل السلوقيين وأخذ منهم بلاد «مادي» وبلاد «آشور» وبلاد «بابل»، وأسر الملك السلوقي ده مترئيوس في الحادثة التي وقعت على ساحل «الفرات» بعد حروب هائلة. ويروي لنا غيره أن أولهم أرشاق أو أرشك ثم تسيردات الأول، ثم أرشاق الثاني، ثم أبراهاباط، ثم أبراهاط الأول، ثم ميثريدات الأول، ثم أبراهاط الثاني، ثم أرطبان الأول، ثم ميثريدات الثاني، ثم أرطبان الثاني، ثم سيناطروق، ثم أبراهاط الثالث، ثم ميثريدات الثالث، ثم أورود، ثم أبراهاط الرابع، ثم أبراهاطاس، ثم أورود الثاني، ثم أونون، ثم أرطبان الثالث، ثم تيردات الثاني، ثم وردان، ثم كوتارز «أوكورتارسن»، ثم أوجودرز، ثم أولغاش الأول، ثم باقور، ثم خوسرو، ثم برثاتسباط، ثم أولغاش الثاني، ثم أولغاش الثالث، ثم أولغاش الرابع، ثم أرطبان الرابع. وذكر بعضهم أن الذي جلس على العرش بعد أرشك هو تيراد، ثم أردوان الأول، ثم أفراسياب، ثم فرهاد الأول، ثم مهرداد الأول، ثم فرهاد الثاني، ثم هرمز، ثم فرهاد الرابع - ولم يذكر الثالث - ثم فيروز، ثم خسرو، ثم بلاش الثالث - ولم يذكر بلاش الأول ولا الثاني - ثم أردوان الخامس - ولم يذكر غير الأول قبل هذا - وبه انقرضت هذه الدولة.
وخلاصة القول: إن المؤرخين لم يتمكنوا من ضبط أسماء ملوك هذه الدولة بصورة صحيحة، ولم يتوفقوا إلى معرفة تاريخها بالضبط؛ ولذلك تناقضت أقوالهم واختلفت أخبارهم، خصوصا وأن هذه الدولة لم تترك آثارا تاريخية حتى يتوصل الباحثون إلى ما يحتاجه التاريخ، ومع ذلك فإننا قدمنا في أبحاثنا ما هو الأرجح، وذكرنا في هذا البحث ما وصلنا عن المؤرخين، ولا بد من يوم نقف فيه على ضالتنا بواسطة ما يستخرجه النقابون من أطلال المدن القديمة، ولا سيما إذا حفروا أطلال «أكتسيفون» التي كانت عاصمة هذه الدولة.
13
الدولة الساسانية
أو الدولة الفارسية الرابعة في العراق 236-637م
بعد أن استولى أردشير بن بابك على «العراق» وقرض الدولة البرتية، وأسس الدولة الساسانية، أو دولة الأكاسرة الشهيرة في التاريخ؛ نظم إدارة البلاد العراقية وولى عليها الولاة، ولم يتعرض بديانة العراقيين ولا بعاداتهم، وأقر قوانين البلاد على حالها، ولكنه اضطهد اليهود من أجل مساعدتهم للبرتيين أثناء الحروب التي قامت بينه وبين البرتيين في العراق، وأقر على الحيرة وما يليها ملكا على العرب جذيمة الوضاح، الذي كان محالفا له قبل فتح العراق ثم خضع لسيادته، وبسبب خضوعه هذا هاجر كثير من العرب ولا سيما تنوخ التابعين لحكومة الحيرة، ونزلوا بادية الشام لأنهم أبوا الرضوخ للفرس.
Halaman tidak diketahui
وبقي العراق في هدوء حتى مات أردشير سنة 241م، بعد أن حكم خمس عشرة سنة (226-241)، ومن مبانيه في «العراق» مدينة «بهرسير»، بناها على «دجلة» تجاه «أكتسيفون» في الجانب الغربي، وعدة حصون وقلاع منها قلعة كبيرة بالقرب من موقع «البصرة» عدا ما حفره من الأنهار، وما جدده من المدن منها مدينة «سلوقية»، فإنه جدد بناءها فسميت بعد حين «أرداشير».
مات هذا الفاتح والدولة الساسانية التي أسسها في دورة التأسيس، ولم يفتح بعد العراق - بعد محو البرتيين والتغلب على مملكتهم - غير بلاد ما بين النهرين التي أعلن الحرب من أجلها على الروم في عهد القيصر ألكسندر سويروس، وأخذ منه جميع تلك البلاد، ثم وسع خلفاؤه الملك بفتوحات جديدة، حتى صارت هذه الدولة من أعظم دول الأرض في تلك الأزمنة.
وتولى بعد أردشير الأول ابنه شابور الأول (241-272م) الذي أدخل القسم الأعظم من جزيرة العرب تحت حماية الفرس، وبنى في «العراق» مدينة «تكريت» التي صارت بعد حين مركزا للبعاقبة النصارى، وظهر في أيامه ماني المشهور الذي ادعى النبوة في بلاد فارس، وشابور هذا هو الذي أسر ملك الروم والريانوس قيصر وأرسله أسيرا إلى «بابل»، بعد حروب شديدة استمرت أعواما بين الدولتين، ولكنه اندحر أخيرا أمام أذينة الثاني العربي ملك «تدمر» الخاضع لسيادة الرومانيين، حتى استرد منه باسم الرومانيين جميع بلاد الجزيرة، وظل يطارده حتى دخل «العراق» وحاصر مدينة «سلوقية» سنة 261م، ثم رجع بمن معه من جيوش العرب والروم؛ لاختلال حدث في المملكة الرومانية.
وتولى بعده ابنه هرمزد - هرمز - الأول سنة 272م، ثم بهرام الأول سنة 273م، وهو الذي قتل ماني وسعى في محو مذهبه من بلاد فارس، وأعلن الحرب على الروم، فانخذل أمامهم فطاردوه إلى «العراق» واستولوا على مدينتي «سلوقية» و«أكتسيفون»، ثم رجعوا إلى ما بين النهرين. وخلفه بهرام الثاني سنة 276م، ثم بهرام الثالث سنة 293م، فلم يملك غير أربعة أشهر، فتولى في السنة نفسها نرسي بن بهرام الثاني، وهو الذي حفر في العراق بنواحي الكوفة نهر النرس الذي يأخذ من الفرات،
1
وفي أيامه جعل نهر «الخابور» حدا فاصلا بين العراق والروم، أو بين المملكة الفارسية والمملكة الرومانية، وتولى بعده هرمزد الثاني (سنة 302-309م)، وفي كل هذه المدة لم يحدث في العراق اضطراب أو اختلال داخلي. (1) شابور الثاني والعرب العراقيون
تولى شابور الثاني بعد هرمزد الثاني سنة 309م، ولصغر سنه نصب الفرس وصيا عليه ليتولى شئون المملكة، فساءت الأحوال بادئ بدء وكثرت الاضطرابات في المملكة حتى طمع العرب فيها، وجاء منهم - زيادة على من في العراق منهم - عدة قبائل من البحرين وغيرها وعبروا خليج «فارس» وأخذوا يشنون الغارات على الأطراف، وأغارت قبيلة «إياد» على سواد «العراق» ونهبت وغنمت، وظل العرب أعواما - وخصوصا إياد - معادين للفرس والفرس لا يقاتلونهم. فلما بلغ شابور السادسة عشر وتسلم زمام المملكة بدأ بأعدائه القريبين منه، وهم العرب الذين في العراق، فتعمد أذاهم وإخراجهم من بلاده، وخصوصا قبيلة إياد التي قال فيه شاعرها:
على رغم سابور بن سابور أصبحت
قباب إياد حولها الخيل والنعم
فتمكن من الفتك بالعرب، فقتل من «إياد» ومن «تميم» عددا كبيرا، وشتتت جيوشه شمل العرب، ففر بعضهم إلى «الروم» وبعضهم إلى «البحرين» وغيرها، فطارد سابور من في «البحرين »، فقطع الخليج الفارسي وفتك في «البحرين» و«اليمامة» ببني تميم، ثم سار إلى «الأحساء» و«القطيف» وفتك بالعرب الذين هناك، ثم عاد وحمل على ديار بكر وربيعة فيما بين مملكة «الفرس» و«الروم»، وفتك بهم، وكان ينزع أكتاف رؤساء العرب الذين يظفر بهم فسموه «ذا الأكتاف»، ولم يكتف سابور بما أنزله بالعرب من الفتك العظيم في أكثر الجهات، بل إنه أصدر بعد تلك الحادثة أمرا بعدم دخول العرب في عاصمته بغير إذن منه، ومن دخلها بغير إذن يقتل، وبنى مدينة «الهفة» في طرف السواد في أنحاء «البطيحة» في «العراق»، وأسكن فيها من أسره من إياد، ونهى الفرس عن مخالطتهم،
Halaman tidak diketahui
2
فأراد العرب الذي فروا إلى «الروم» أن ينتقموا منه، فاتفقوا مع الروم في عهد الملك قسطنطين الأكبر وزحفوا معهم على الجزيرة، فاتسع الخرق على الفرس وجرت بين سابور وبين الروم عدة وقائع، انهزم في آخرها الفرس، فطاردهم الروم والعرب حتى استولوا على «أكتسيفون» وغنموا ما فيها، فاضطر الملك الفارسي إلى تأليف جيش جديد فتمكن من استرداد «أكتسيفون»، وظل يقاتل المهاجمين حتى أخرجهم من «العراق» وطاردهم فحالفه النصر حتى اضطر الروم إلى مصالحته وإرجاع مدينة «نصيبين» له، ولما تولى عرش الروم يوليانوس حمل على الفرس سنة 363م، وعبر نهر دجلة وتوغل في البلاد حتى اقترب من «أكتسيفون» فلقيته جيوش شابور، وبعد معارك هائلة انكسرت الجيوش الرومانية وقتل ملكها.
ولم يكن اضطهاد شابور قاصرا على عرب البادية، بل شمل سكان المدن منهم، وهم النصارى الذين كانوا منتشرين في المدن العراقية، فإنه قتل كثيرا منهم، وأصدر أمرا بمضاعفة الجزية السنوية التي عليهم، وذلك سنة 339م، وأردفه بأمر آخر بعد سنة قضى بهدم الكنائس ثم قتل جماعة من الأساقفة، والذي حمله على ذلك انتشار الدين المسيحي في عهده في «العراق» انتشارا هائلا بين الحضر والبدو من العرب، وتحزب النصارى وتحسبهم لقياصرة الروم الذين من مذهبهم، لا سيما في عهد القيصر قسطنطين الكبير؛ ولذلك بلغ الاضطهاد أشده في أيامه، وهو أول من اضطهد النصارى من الملوك الساسانيين، وهو الذي بنى مدينة «آلوس» الواقعة في جزيرة صغيرة في وسط «الفرات» شرقي «حديثة»، وجعلها مسلحة تحفظ ما قرب من البادية، وهو الذي حفر خندقا في «برية الكوفة»، أي من «هيت» إلى «كاظمة» مما يلي موقع «البصرة» يشق طف البادية،
3
وينفذ إلى البحر، وجعل عليه القلاع والحصون ونظمه بالمسالح؛ ليكون ذلك مانعا لأهل البادية من السواد، أي ليمنع هجمات العرب،
4
وهو جدد بناء مدينة «الأنبار» التي كانت على «الفرات» في غربي موقع «بغداد» بينهما عشرة فراسخ، وهو الذي قرض دولة الضجاعمة العربية التضاعية، واستولى على مدينتها الحضر التي يسميها اليونان «أترا»، ويسميها بعضهم «حطار» الواقعة في الجزيرة في الجنوب الشرقي من «سنجار»، وهو الذي بنى القصر المشهور في مدينة «أكتسيفون»، وجعله دار الملك، وأنفق على بنائه أموالا طائلة.
5
وتولى بعده أخوه أردشير الثاني سنة 379م، ثم خلع سنة 383م وأجلس مكانه شابور الثالث، ثم بهرام الرابع سنة 388م، وفي أيامه أغار الهونيون على «أرمينيا» سنة 396م، ثم على ما بين النهرين وسورية، واستولوا على بلاد كثيرة، ثم حملوا على العراق حتى اقتربوا من «أكتسيفون»، فحمل عليهم بهرام هذا، وبعد عدة معارك انخذل الهونيون وتمزق جمعهم واسترد منهم بهرام السبايا الذين سبوهم من بلاد الروم، وكانوا نحو الثمانية عشر ألف نسمة، فأعاد بعضهم إلى بلادهم وأسكن بعضهم «العراق»، وذلك سنة 399م.
ثم تولى يزد جرد الأول الملقب بالأثيم سنة 399م، وكان يحب العرب ويكرمهم، وكان لملك «الحيرة» النعمان الأول عنده منزلة رفيعة، حتى إنه لما مرض ابنه بهرام أعطاه وهو طفل للنعمان ليربيه في الحيرة لطيب هوائها وعذوبة مائها، فرباه النعمان أحسن تربية وعلمه الكتابة والحكمة والرمي والفروسية وكل ما يلزم للملوك، وبنى له قصرا فخما وبقي عنده حتى مات أبوه. وفي عهده اضطهد الفرس النصارى، فاتخذ الروم ذلك الاضطهاد ذريعة للحرب، فتظاهروا بنصرة أبناء مذهبهم وأشهروا الحرب على الفرس، وبعد عدة وقائع اتفق الفريقان على الصلح، وأرسل ملك الروم أركاديوس وفدا إلى «العراق»، فنزل الوفد في البلاط الملوكي ب «أكتسيفون» فتم الصلح على شروط رضياها، من جملتها : رفع الاضطهاد عن النصارى الذين في المملكة الفارسية، وعقد يزد جرد معاهدة صلح لمائة سنة، وأزال الاضطهاد عن النصارى، وأذن لهم بتجديد الكنائس التي خربت في الاضطهادات، وأطلق لهم الحرية التامة.
Halaman tidak diketahui
وخلفه ابنه بهرام الخامس أو بهرام جور سنة 420م، وهو الذي رباه النعمان الأول ملك الحيرة وساعده على لبس التاج؛ لأن الفرس اختلفوا فيمن يملكون عليهم من أولاد يزدجرد الأول الذين ثارت بينهم الفتن عند موت أبيهم، فاستنجد بهرام بالنعمان، فجهز لنصرته جيشا كبيرا من العرب، وسار به إلى «أكتسيفون» وأجلس بهرام على كرسي المملكة، ومن أجل ذلك أحب هذا الملك العرب حبا جما، ورفع منزلة ملك الحيرة على سائر رجال دولته، فاعتلى شأن العرب في عهده.
وتولى بعده يزدجرد الثاني سنة 438م، ثم هرمزد الثالث سنة 457م، فنازعه أخوه الأكبر بيروزا أو فيروز على الملك واستنصر بالهياطلة،
6
فأمده ملكها بثلاثين ألف مقاتل، فحارب أخاه حتى استولى على العرش بعد أن قتل أخاه سنة 460م، فلما كانت سنة 484م قتل هذا الملك في حربه مع الروم، فخلفه بلاش باني مدينة «ساباط» بالقرب من «أكتسيفون»، فنازعه أخوه قباذ على الملك، ولكنه مات في أثناء ذلك، فصفى الجو لقباذ وجلس على العرش سنة 488م، وفي أيامه ظهر مزدك الشيوعي ونشر الشيوعية في بلاد فارس، وتبعه الملك قباذ وساعده على نشر مذهبه في المملكة الفارسية حتى كادت تسري الشيوعية إلى العراق، وأمر قباذ جميع الولاة والحكام والموظفين في خدمة الحكومة باتباع هذا المذهب، فاتبعه فريق منهم طوعا وآخرون كرها، وأبى اتباعه جماعة كبيرة منهم المنذر الثالث ملك «الحيرة»، فعزله قباذ وولى على «الحيرة» كندة الحارث بن عمرو عدو المنذر، فلما زاد تعصب قباذ للشيوعية اتفق عظماء الفرس على خلعه، فخلعوه وحبسوه سنة 499م، وأجلسوا مكانه أخاه زماسب - جامسب.
وبعد قليل فر قباذ من الحبس بمساعدة أخته، وسار ملتجئا بالهياطلة والبرابرة، وهناك استنجد بملكهم، فجهز له جيشا كبيرا وانضم إليه أتباع مزدك، فزحف قباذ على أخيه، وبعد حروب قهره وعاد إلى العرش ثانية سنة 498م، فلما عاد قباذ ورأى الفرس قد غضبوا عليه بسبب اتباعه لمذهب مزدك الشيوعي، تركه وتظاهر بالمجوسية، وهو الذي جعل الخراج بالمساحة في «العراق»، بعد أن كان أسلافه يأخذون الخراج بالمقاصمة، فضرب قباذ على الجريب الواحد من الأرض درهما وقفيزا، مهما يكن حاله من الخصب أو الجدب؛
7
فبلغت جباية «العراق» في أيامه مائة وخمسين مليون درهم في السنة، حيث كانت بلاد «العراق» حينذاك زاهية بالبساتين والحدائق والمزارع العظيمة والأنهار، خصوصا وأن هذا الملك كان قد نشط التجارة والزراعة، وحفر عدة أنهار في «العراق».
وتولى بعد قباذ ابنه كسرى أنو شروان العادل سنة 531م، فأصلح أمور الدولة ونظم جيوشها وعدل الشرائع التي وضعها أردشير الأول،
8
فزهت في أيامه المملكة الفارسية، وتقدم «العراق» نحو المدنية والعمران حتى أصبح حافلا بالعلماء من أهل البلاد الأصليين والفرس وغيرهم، ونبغ فيه جماعة من النصارى في الطب والفلسفة، وزادت ثروة أبناء الرافدين وسعدوا برقي بلادهم، فبلغت جباية «العراق» في عهده مائتين وسبعة وثمانين مليون درهم؛ لأن هذا الملك بذل جهده في إنماء ثروة البلاد، واجتهد كثيرا في تنشيط التجارة وتوسيع أمور الري والمعارف، ونشر العدل وبث الأمن، ورغب الناس في العلوم فانتشرت في أيامه الفلسفة اليونانية والعلوم المختلفة، وهو الذي حفر نهر «الفاطول» فوق «سامرا» المعروف ب «القاطول النكسروي»، الذي كان يأخذ من «دجلة» في الجانب الشرقي ويصب في «النهروان»، وحفر نهر «دن» بقرب «أكتسيفون»، وحفر غير هذا عدة أنهار وترع في «العراق»، وبنى مدينة بالقرب من «أكتسيفون» وهي مدينة «نطيخوسرو» أي أنطاكية الجديدة لأنها كانت على شكل أنطاكية الروم، فسمتها العرب «رومية المدائن»، وسماها الكلدان «ماحوزا حدثا»، أي القلعة الجديدة، وزاد في القصر الملوكي الذي أسسه شابور ذو الأكتاف ب «أكتسيفون» وأكثر من زخرفته، وأعاد المنذر الثالث ملك «الحيرة» إلى ملكه، وقتل مزدك وكثيرا من أتباعه، واجتهد في محو الشيوعية حتى أزالها من مملكته، وعدل قانون الجزية أي أنقصها عما كانت عليه أيام أسلافه ترفيها لرعاياه، واستثنى منها أهل البادية وهم عرب «العراق»، أي إن هذه الجزية أو الضريبة السنوية على أهل المدن فقط. ولما جاء الإسلام أراد عمر أن يجعلها على العرب أولا ثم عفى عنهم، فأصدر أمرا عاما ألزم به الرعية الجزية ما عدا العظماء وأهل البيوتات والجند والهرابذة والكتاب ومن بخدمة الملك، كل إنسان على قدره، فجعلها اثني عشر درهما، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم، وعفى عمن كان عمره دون العشرين أو فوق الخمسين، وأمر أن يوضع عمن أصابت غلته جائحة - أضرار - بقدر حائجته، وبجمع الجباية في كل أربعة أشهر مرة واحدة، وبهذا التعديل خفف عن رعاياه، وفي أيامه غزت قبيلة إياد القوافل فحمل عليهم أنو شروان، وكانوا قرب مكان «الكوفة» ففتك بهم وطردهم من «العراق»، فهاجروا إلى الجزيرة، وعلى إثر ذلك جدد سور مدينة «آلوس»، ووضع فيها جنودا لصد هجمات القبائل العربية التي كانت تغير على ما قرب من السواد إلى البادية.
Halaman tidak diketahui
وجلس على سرير المملكة بعده هرمزد الرابع سنة 579م، ثم خلع على إثر فتنة قامت بينه وبين القائد العام بهرام، الذي انحازت إليه الجيوش كلها فأجلس الفرس على العرش ابنه أبرويز سنة 590م - كسرى برويز أو كسرى الثاني - حسما للنزاع وتسكينا للفتن والاضطرابات، فازداد القائد عتوا وطمع في العرش، فدارت رحى الحرب بينه وبين الملك أبرويز، وبعد عدة وقائع جرت بالنهروان في العراق، انتصر بهرام واستولى على «أكتسيفون» واغتصب العرش وأعلن نفسه ملكا، أما أبرويز فإنه فر بعد انكساره إلى «القسطنطينية» مستنجدا بالإمبراطور موريس «موريقي»، فأكرم وفادته وزوجه بابنته، ثم جهز له جيشا عرمرما وأمده بالأموال، فسار أبرويز بالجيش حتى اقترب من العراق فلاقاه بهرام، وبعد معارك هائلة دامت مدة انتصر أبرويز انتصارا باهرا، ومزق جيوش بهرام، وظل يطارده إلى «أذربيجان»، وهناك انتصر عليه انتصارا نهائيا، ففر بهرام إلى بلاد الترك، وعاد أبرويز إلى عرش الملك ودخل «أكتسيفون» باحتفال عظيم، بعد أن دامت الحروب بينه وبين بهرام أربع سنوات.
وعلى إثر هذا الفوز تنازل أبرويز للروم عن مدينتي «دارا» و«ميافارقين» اللتين أخذهما أبوه هرمزد منهم، وأرسل إلى الإمبراطور موريس هدايا نفيسة، وأجزل العطاء والصلات إلى قواد الروم الذين جاءوا لنصرته، وفرق الأموال في العساكر الرومية، فعادوا إلى مقرهم، وعقد أبرويز معاهدة الصلح مع الروم، وأصبحت الدولتان في وفاق ووداد، خصوصا وأن أبرويز أضحى صهر موريس، ولكنه ألغى تلك المعاهدة وأشهر الحرب على الروم سنة 602م، عندما خلعوا الإمبراطور موريس وقتلوه وأجلسوا مكانه «فوقا» على أثر فتنة أهلية حدثت في مملكتهم، فحمل عليهم أبرويز بجيوشه سنة 604م؛ أخذا بثار حميه مورس، ودامت الحروب بين الأمتين أعواما. وبعد أن توغل الفرس في مملكة الروم واستولوا على أكثر ممتلكاتها ومستعمراتها، وكادوا يفتحون «القسطنطينية» ويقضون على تلك المملكة، انعكس الأمر عندما تولى هراقليوس عرش الروم، وأخذوا يستردون من الفرس مدينة بعد أخرى، وظل الفرس يتقهقرون والروم يتقدمون حتى اقترب هراقليوس بجيوشه من «نينوي»، وهناك دارت رحى حرب طاحنة دارت بها الدائرة على الفرس، واستولى الروم على «نينوي» سنة 627م، ثم على «كركوك»، ثم تقدموا نحو «العراق» حتى وصلوا «الزاب الأكبر»، وهناك حدثت حرب أخرى دموية، فانكسر الفرس فيها أيضا، وأخذ الروم يتقدمون والفرس يفرون حتى وصل هراقليوس إلى الدسكرة،
9
ثم تقدم إلى «النهروان» فاختل أمر الفرس واضطربت أحوالهم، فاجتمع كبراؤهم فخلعوا أبرويز وولوا مكانه ابنه شيرويه، وذلك سنة 628م.
ففاوض الملك الجديد الروم في الصلح فأجابوه، وتم عقد الصلح بينه وبين هراقليوس على ما يرضي الروم، فعادوا إلى بلادهم، وعلى أثر ذلك قتل الملك شيرويه أباه أبرويز.
وأبرويز هذا هو الذي قتل النعمان الثالث ملك الحيرة سنة 616م، وولى بدله على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي، وهو الذي أرسل إليه صاحب الشريعة الإسلامية
صلى الله عليه وسلم
كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام مع عبد الله بن حذافة السهمي سنة 628م الموافقة لسنة 6ه، فلما حضر عبد الله أمام أبرويز سلمه الكتاب وهذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس.»
فقرأه أبرويز فلما انتهى منه مزقه وأساء إلى حامله، وكتب إلى عامله ب «اليمن» يأمره أن يغزو المدينة ويأتيه برسول الله أسيرا، وعاد عبد الله إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
Halaman tidak diketahui
وأخبره بما فعل أبرويز، فقال: «اللهم مزق ملكه كما مزق كتابي.» فلما خلع أبرويز كتب ابنه شيرويه إلى عامله ب «اليمن» ينهاه عن مقاتلة رسول الله.
وفي عهد أبرويز حدثت المعركة الشهيرة بوقعة «ذي قار» بين الفرس والعرب التي انتصر فيها العرب انتصارا باهرا على الفرس.
ولم يملك شيرويه غير بضعة أشهر فقتل وخلفه أردشير الثالث سنة 629م، ملكه الفرس وهو طفل فجعلوا له نائبا ليقوم بأمره، وهو رئيس أصحاب المدائن - رئيس الوزراء - المدعو جسنس، فتسلم هذا زمام الأمور، ولكن الاضطرابات الداخلية كانت تزداد يوما فيوما في الوقت الذي حمل المسلمون فيه على «العراق» بقيادة خالد بن الوليد، فاختلت شئون المملكة واختلفت كلمة رجال الدولة حتى آل ذلك إلى حدوث فتنة بين رئيس القواد وبين نائب الملك، كان النصر في آخرها لرئيس القواد، فحمل بجيوشه على «أكتسيفون» وحاصرها ونصب عليها المجانيق، ثم احتلها عنوة وقتل أردشير الملك ونائبه وجماعة من رجال الدولة، واغتصب العرش ونادى بنفسه ملكا سنة 630م، ولكنه لم يلبث أكثر من أربعين يوما حتى وثبت عليه جماعة من الفرس وقتلوه، وعلى أثر ذلك اتفق رجال الدولة على تمليك بوران بنت كسرى أبرويز في السنة نفسها، فلم تملك هذه غير ستة عشر شهرا فاحتال عليها رئيس القواد بيروز وخنقها سنة 631م، فاشتد الشقاق والخلاف بين رجال الحكومة وعظمت الاضطرابات في المملكة الفارسية، وانقسم الفرس إلى ثلاثة أقسام، فبايع أهل «أكتسيفون» آزرميد وخت بنت كسرى أبرويز، وبايع أهل «خراسان» صبيا من أولاد الملوك اسمه ميهر خوسرو، وبايع أهل «اصطخر»
10
يزدجرد بن شهريار، ثم قتلت آزرميد وخت، قتلها رستم حاكم خراسان بعد أن حمل عليها بجيشه، ودخل «أكتسيفون» حربا عقب عدة معارك، ثم قتل ميهر خوسرو أيضا فسادت الفوضى في البلاد واختل النظام، والذي زاد الدولة اضطرابا وزعزع أركانها توغل العرب المسلمين في العراق، الذين جاءوا للفتح منذ أيام أردشير الثالث، أي سنة 629م بقيادة خالد بن الوليد في عهد الخليفة الأول أبي بكر.
ثم اتفق أهل «أكتسيفون» على تمليك حشنشده ابن عم أبرويز سنة 632م، فقتل هذا بعد شهر من تمليكه، وولوا مكانه فيروز بن مهران من نسل أنو شروان، فقتل بعد بضعة أيام وملك بدله سابور بن شهريزان، وكان طفلا فقام بأمره أحد كبار رجال الدولة اسمه فرخ زاد خسرو بن البنذوان، ولم يمض ثلاثة أشهر حتى قتل الملك ونائبه، وزاد أمر الدولة اديارا بسبب تلك الفتن المستمرة وطمع بها أعداؤها، فلما أدرك الفرس خطورة موقفهم اجتمعوا على تمليك يزدجرد الثالث ابن شهريار الذي أجلسه على العرش أهل «اصطخر»، فاستقدموه منها إلى «أكتسيفون»، وأجمعوا كلمتهم عليه، فحضر «أكتسيفون» سنة 632م فدانت له الفرس. (2) انقراض الدولة الساسانية
جلس يزدجرد الثالث على عرش المملكة الفارسية في الوقت الذي كانت فيه الدولة قد ضعفت من توالي الفتن الداخلية، وزادها ضعفا توغل العرب المسلمين في العراق وحروبهم الشديدة مع الفرس منذ أيام أردشير الثالث وأيام الخليفة الأول أبي بكر الصديق، فكان هذا الملك يبذل جهده في إخماد الثورات الداخلية القائمة بين قومه من جهة، ويصد هجمات العرب الذين جاءوا للفتح من جهة أخرى، حتى ارتبك عليه الأمر، ولكنه كان مع كل ذلك جلدا لا يظهر الضعف ولا يتظاهر بالعجز أمام العرب، وظل يجهز الجيوش لقتالهم، فانتصروا عليه في أكثر الوقائع وفي الأخير أصلوه حربا حامية في وقعة «القادسية» الشهيرة سنة 636م، ثم أجبروه على الهزيمة من «العراق» إلى بلاد «فارس» سنة 637م، بعد حروب عديدة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وقامت دولة الإسلام في «العراق» وانقرضت منه دولة «الفرس» التي حكمته 410 سنوات (226-637م). (3) تتمة لما تقدم
كان معظم سكان «العراق» في عهد الدولة الساسانية من بقايا الأراميين الأصليين - وهم الكلدان والسريان - والقبائل العربية التي منها إياد وربيعة وغيرهما، وعرب المناذرة سكان «الحيرة» وما يتبعها ، ويتخلل تلك الجموع شتات من الفرس والأكراد وغيرهم من أمم أخرى، وكان الجميع في عيش رغيد وحرية تامة، بسبب عدم تعرض هؤلاء الملوك بشرائع أهل البلاد وآدابهم وعاداتهم، وإبقائهم القوانين على ما كانت عليه قبلا، غير أنهم بدءوا باضطهاد النصارى العراقيين منذ تنصر القياصرة ملوك «رومية» بعد أن كانوا وثنيين، أي منذ أيام القيصر قسطنطين الكبير، بسبب ميل النصارى إلى القياصرة أبناء مذهبهم والتجسس لهم، خصوصا عندما كانت تقوم الحرب بين الفرس والروم، فيتجسس النصارى لأبناء دينهم، حتى إن بعض الملوك قتلوا كثيرا من رؤساء النصارى وهدموا أكثر كنائسهم، ولم يكن ذلك وحده سببا لاضطهادهم، بل إن انتشار الدين المسيحي بين عرب «العراق» من بدو وحضر، وازدياد أتباعه عاما فعاما خوف الفرس من القضاء على دينهم الزردشتي الذي اتخذوه دينا رسميا لدولتهم واجتهدوا بتقويته، خصوصا وأن الدين المسيحي كان قد صار أخيرا دينا رسميا لدولة الروم المجاورة لهم، وصار الروم ينتصرون للنصارى الذين تحت حكم الفرس، حتى إنهم كانوا يتخذون اضطهادهم في بعض الأحيان ذريعة للحرب مع الفرس، ومع ذلك كله فقد كان أهل العراق في عهد هذه الدولة سعداء بالنسبة إلى الأمم الأخرى الراضخة لحكم الأجنبي في ذلك العهد.
أما حالة «العراق» من الوجهة الاقتصادية فكانت حسنة جدا؛ لاعتناء هؤلاء الملوك بالري واهتمامهم بتوسيع نطاق الزراعة وتنشيط التجارة ورقيها، ومن أجل ذلك كان «العراق» في عهدهم غنيا جدا، وقد بلغت ثروته حينذاك مبلغا عظيما بفضل الزراعة والتجارة والصناعة، واشتغل أبناء الرافدين في أيامهم بالتجارة برا وبحرا، وتبادلوا بها مع أهل الأقطار البعيدة ك «مصر» و«سورية» و«الهند» و«فارس» وغيرها، بل إن زراعة العراق كانت في عهدهم أرقى زراعة في العالم؛ بفضل ما حفروه من الترع والأنهار،
11
Halaman tidak diketahui
وأصبحت جباية هذا القطر عظيمة خصوصا في عهد أردشير الأول ودارا الأول وقباذ وأنو شروان،
12
ولم يكن اهتمام هؤلاء الملوك قاصرا على رقي التجارة وإنماء الزراعة فحسب، بل إن أكثرهم اهتموا بنشر العلوم أيضا، فأنشئوا في العراق المدارس والمراصد والبيمارستانات، وخدموا المدنية القديمة بأنظمتهم ومؤسساتهم.
أما جباية خراج «العراق» فكانت في عهدهم بالتعديل؛ أي إنهم كانوا يأخذون خراج الأراضي بالمقاسمة، فلما تولى قباذ بن فيروز جعل الخراج بالمساحة، فضرب على الجريب الواحد درهما وقفيزا مهما يكن حاله من الخصب أو الجدب، أما الجزية فعلى ما يروى أنها لم تكن عندهم قبل أنو شروان بن قباذ، وأنه هو الذي وضعها حينما عدل قوانين دولته، وكان قد أصدر قانونا بإلزام الناس الجزية ما خلا العظماء وأهل البيوتات والجند والمرازبة والكتاب ومن في خدمة الملك، كل إنسان على قدره، فجعلها اثني عشر درهما، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم.
وكانوا قد جعلوا في كل مدينة ديوانا خاصا بالخراج تدون فيه أعماله ودخله وخرجه، وله كتاب وجباة وعمال من أهل البلاد، وعلى كل مدينة حاكم يسوسها ويدير دفة إدارتها ويرأس جندها، وقد أطلقوا على الولاة الكبار اسم «الموهباط» من الفارسية «مه آباد»، وعلى الذي يتولى الحدود «مرزبانا» - أي حافظ الحدود - وعلى العمال الذين هم أحط منزلة اسم «الرد»، وكانوا لا يولون الولاية إلا لقائد محنك يعهدون إليه الحرب والإدارة؛ أي القيادة والولاية.
وكان هؤلاء الملوك يقيمون أيام الشتاء في مدينة «أكتسيفون المدائن» التي صارت في آخر أيامهم أعظم مدينة، ويقضون المواسم الثلاثة الباقية في مدينة «اصطخر» ب «فارس»، ثم صاروا أخيرا يقضون أكثر أيامهم في «أكتسيفون»، وقد سموا ب «الأكاسرة» منذ أيام كسرى أنو شروان بن قباذ، ومعنى «كسرى»: واسع الملك، وجمعه «أكاسرة»، وعاشت هذه الدولة 425 سنة (226-651م)، وقام فيها 28 ملكا أولهم أردشير بن بابك، وآخرهم يزدجرد الثالث الذي قتل سنة 651م الموافقة لسنة 31ه في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وبقتله انقرضت هذه الدولة ومحيت من عالم الوجود على يد العرب المسلمين، بعد أن كانت من أكبر دول العالم، وتشتمل على بلاد «إيران» و«الديلم» و«جورجان»، وبلاد «بابل» - العراق - وبلاد «آشور» التي في ضمنها «كردستان»، وبلاد الجزيرة - بين النهرين، وجزائر خليج «فارس»، وقسم من بلاد العرب منها بلاد «اليمن».
ولم يكن سبب انقراض هذه الدولة العظيمة المجد المترامية الأطراف غير الانقسامات التي حدثت فيها، والثورات الأهلية المتوالية، والفتن المستمرة بين الأسرة المالكة تارة وبين رجال الدولة أخرى، والحروب التي كانت تقوم بينهم وبين الروم في أزمان مختلفة، أهمها الحروب التي استعرت نارها في عهد أبرويز حتى تمكن الضعف منها فتمكن العرب المسلمون من محوها، واستولوا على جميع بلادها بالتدريج، فإنهم قرضوا دولتهم من «العراق» سنة 637م، الموافقة لسنة 16ه، ثم قرضوها من بلاد فارس سنة 651م الموافقة لسنة 31ه، وأصبحت هذه الدولة منذ ذاك في خبر كان.
ولم تقم بعد الدولة الساسانية دولة للفرس في «العراق» أعواما طوالا، بل انتقل الحكم في هذا القطر بعد انقراضهم إلى الخلفاء الراشدين، ثم إلى بني أمية، ثم إلى بني العباس، حتى إذا ما ضعف شأن الخلافة العباسية في بغداد في الوقت الذي قامت فيه دولة فارسية في بلاد «فارس» على يد بني بويه، طمع هؤلاء فحملوا على «بغداد» وأسسوا فيها دولة فارسية في سنة 334ه الموافقة لسنة 945م، ثم تلتها الدولة الصفوية بعد حين من الدهر، ثم الدولة الزندية في العهد العثماني، وسنذكر ذلك في محله.
الدولة البويهية الفارسية في العراق
أو الدولة الفارسية الخامسة في العراق 334-447ه/945-1055م (1) بدء دولة بني بويه
Halaman tidak diketahui