وله:
وفوارةٍ ثأرها في السماء ... فليست تقصر عن ثارها
ترد على المزن ما أسبلت ... إلى الأرض من صوب مدرارها
٩١- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين ابن القطاع
فمن شعره قوله من قصيدة يفخر فيها:
نحن بنو الأغلب سدنا الورى ... طرًا ببذل النائل الغمر
والضرب بالبيض رؤوس العدى ... والطعن في اللبات بالسمر
إن فخر الناس علوناهم ... بالبذل والإقدام والصبر
والعزة القمساء والسورة ال ... علياء والسؤدد والفخر
والحسب السامي الذي تاجه ... في هامة الإكليل والغفر
والبيت من "سعد" ومن "خندفٍ" ... أكرم بذاك البيت والنجر!
وقوله يصف الخمر:
ساعفت القهوة بالأنس ... فدع ركوب البازل العنس
ودع بكاء العين في مربع ... قد بليت أطلاله درس
وباكر الراح التي قد مضى ... جرسٌ لها من بعد ما جرس
منها:
لا أدع اللذة في حينها ... قد يصبح المرء فلا يمسي
إن لم أنل منها حياتي فهل ... أنالها في ظلمة المرمس
تعلني بالراح وحشية ... لكنها من فيئة الإنس
فبت أجني ضربًا من جنى ... شفاهها الباردة اللعس
ثم أدارت بيننا قهوة ... أعذب في النفس من النفس
كأنما الأقداح في كفها ... كواكب في دارة الشمس
كم عقلت من ألسن نطق ... وأطلقت من ألسن خرس
٩٢- أبو بكر محمد بن عبد الله المقرئ النحوي
كان من أهل القرآن والتفسير والورع والتعفف. له في النحو فهم صاف، وفي اللغة قسم واف، ابتلي بحب فتى من أبناء قواد صقلية، فهام به، وسلب لبه، وفقد أربه، ولم يزل جسمه ينحل ويضنى، ويذبل ويفنى، وعيل في حبه صبره، إلى أن نفث الدم صدره. وكان يصنع فيه الشعر طول أيامه، ومدة غرامه، إلى أن فارق دنياه، وصار إلى أخراه، من دون ذنب في حبه ارتكبه، ولا عيب في نفسه اكتسبه، أعاضه الله الجنة من شبابه، وغفر له يوم حسابه.
فمن شعره فيه قوله من قصيدة أولها:
هذا خيالك في الجفون يلوح ... لو كان في الجسم المعذب روح
يا سالمًا مما أقاسي في الهوى ... هل يشتفي من قلبي التبريح
غادرتني غرض الردى وتركتني ... لا عضو لي إلا وفيه جروح
لله ما صنعت لواحظ جفنه ... لو بلغت نفسي الردى فتريح
ويقول فيها:
لو عاينت عيناك قذفي من فمي ... كبدي ودمعي مع دمي مسفوح
لرأيت مقتولًا ولم تر مقتلًا ... ولخلت أني من فمي مذبوح
يا ويح أهلي قد جرحت وما دروا ... أني بأسياف الجفون جريح
قل للذي منه علقت منيتي ... أأباح قتلي يا ظلوم مبيح
كبدي على صدري جرت فإلى متى ... أغدو أعذب في الهوى وأروح!
ومن ذلك قوله:
حسبوا دموعي إذ رأوها من دمي ... عن علةٍ حدثت لفرط بكاء
تالله ما هي غير أن بليتي ... من مقلتي أفضت إلى أحشائي
فتقطعت كبدي وغيضت أدمعي ... فجرى إلى عيني فيض دمائي
٩٣- أبو عبد الله محمد بن [عبد الله] العطار الكاتب
له:
لولا عيون جآذر وظباء ... ما راضت الأشواق صعب إبائي
واقتاد قلبي بعد طول تمنع ... نحو الصبابة قائد البرجاء
وصبوت صبوة عاشقٍ ذي غرة ... لعبت بمهجته يد الأهواء
٩٤- أبو عبد الله محمد بن علي ابن الصباغ الكاتب
حسن الترسل والمذاكرة، مليح التمثيل والمحاضرة، وله في ذلك تصانيف أنيقة، ومقامات رشيقة، ونظمه رفيع البنيان، ثابت الأركان، منه قوله:
وليلٍ قطعناه بأخت نهاره ... إلى أن أماط الصبح عنه لثامه
إذا ما أردنا أن نشب لقاصدٍ ... ضرامًا سكبناها فقامت مقامه
ليالي نوفي اللهو منا نصيبه ... ونعطي الصبي مهما أراد احتكامه
ومنه:
ذكراك ما قد فات تعليل ... أبعد شيب الرأس تضليل
تشكو ملال البيض إن امرءًا ... قد زاحم الخمسين مملول
واهًا لذي الشيب لقد راقلت ... به إلى الموت مراسيل
يريد أن يبقى على حاله ... هيهات هاتيك أباطيل
وله:
قومي الذين إذا السنابك أنشأت ... دون السحاب سحائبا من عثير
1 / 32