Durra Gharra
الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء
Penerbit
مكتبة نزار مصطفى الباز
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
Politik Islam dan Kehakiman
اعْلَم أَن مِثَال المملكة كمثال خيمة، والوزير الْكَامِل كمثال عَمُود الْخَيْمَة، وَمِثَال أطناب الْخَيْمَة كمثال الْأُمَرَاء تَحت يَد الْملك، سَوَاء كَانَ صَغِيرا أَو كَبِيرا، وَمِثَال الأجناد كمثال الْحلق الَّتِي تتصل بأذيال الْخَيْمَة، وَفِي الْحَقِيقَة أوتاد الْخَيْمَة الَّتِي لَا قوام للخيمة إِلَّا بهَا، مثل الْعدْل للمملكة، كَمَا لَا تَسْتَقِر الْخَيْمَة فِي الأَرْض إِلَّا بالأوتاد، كَذَلِك لَا تَسْتَقِر المملكة إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَإِن كثرت الأجناد وَالْأَمْوَال.
وَلما كَانَ الْوَزير للْملك مثل العمود للخيمة، كَمَا يَنْبَغِي للعمود أَربع خِصَال: أَحدهَا: أَن يكون مُسْتَقِيمًا. وَالثَّانِي: أَن يكون عَالِيا. وَالثَّالِث: أَن يكون ثَابتا. وَالرَّابِع: أَن يكون متحملا.
يَنْبَغِي للوزير أَيْضا أَن يكون لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال: أول حَاله: أَن يكون بَينه وَبَين الله تَعَالَى. وَثَانِي حَاله: أَن يكون بَينه وَبَين السُّلْطَان. وثالث حَاله: أَن يكون بَينه وَبَين الأجناد والرعايا. فَفِي كل حَال من هَذِه الْأَحْوَال الثَّلَاثَة يَنْبَغِي للوزير أَن يعْمل الْخِصَال الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة مناسبا لذَلِك الْحَال.
أول حَال الْوَزير وَهُوَ أَن يكون بَينه وَبَين الله تَعَالَى:
فِي الْخصْلَة الأولى - وَهِي الاسْتقَامَة - هِيَ أَن يكون كَمَا أَمر الله - تَعَالَى - لنَبيه ﵇: ﴿فاستقم كَمَا أمرت﴾ ﴿هود ١١٢﴾ يَعْنِي: لَا تخرج عَن جادة طَريقَة الشَّرِيعَة، لِأَن طَريقَة الشَّرِيعَة هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ﴾ (الْأَنْعَام ١٥٣) . يَعْنِي راعو فِي جَمِيع أوقاتكم جَانب الْحق، وَإِن تركْتُم جَانب الْخلق فَلَا ضَرَر عَلَيْكُم، لِأَن من كَانَ لله كَانَ الله لَهُ.
وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الثَّانِيَة وَهِي الْعُلُوّ: فَيَنْبَغِي للوزير أَن تكون همته عالية وَنَفسه عزيزة عَمَّا فِي أَيدي النَّاس من زخارف الدُّنْيَا والجاه وَالْمَال، فَلَا يغتر الْوَزير بِمَال الدُّنْيَا.
نُكْتَة: يَنْبَغِي للعاقل أَن يتَصَوَّر أَن زخارف الدُّنْيَا بِمَنْزِلَة الزَّاد وَالرَّاحِلَة للْحَاج وَمُدَّة الْعُمر بِمَنْزِلَة أشهر الْحَج، وَوقت الْأَجَل بِمَنْزِلَة يَوْم وَقْفَة عَرَفَة،
1 / 217