وأما ما ذكرت بسلامتك أن الأغلب على الإمام التسهيل في الجهات اليمنية وعدم التعويل عليها، وأنه لانهمه له فيها فذلك غير صحيح، عند من ينظر بعين التحقيق، ويوفي النظر حقه، ويسلك طريق الإنصاف، ولأن المعلوم من حاله عليه السلام أنه لا يزال كل سنة منذ دعا يجهز المخارج من الشام إلى اليمن، بنفسه الكريمة، بل قد يخرج مخرجين في السنة، حتى لقد وصل بلاد آنس، وأما سائر بلاد اليمن، فقد غلب عليها الظلمة، ولا يتصور له عليه السلام افتتاحها إلا بناصر ومعين، وكثرة مجاهدين، وكذلك الحصون والقلاع، في جميع الأقطار والأصقاع، لا يتهيأ افتتاحها إلا بذلك، ونحن وأنت وغيرنا وغيرك نعرف من أنفسنا ومن غيرنا، أن الواحد لا يقف معه عليه السلام في محطة على مكان قدر شهر، وإنما أكثر الناس يشير ولا يغير، ويعترض ولا يفوض، فكيف يقوم بذلك وحده؟! ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول أمره وقلة ناصره خرج من بيته إلى المدينة، ورد من الحديبية والهدي معكوفا، وصالح سهيل(1) ابن عمرو، وشرط عليه سهيل التخلية بينه وبين من أسلم، فلم يفرغوا من رقم الصحيفة إلا وقد وصل أبو جندل ابن سهيل يرفل في الحديد، ويصيح بالإسلام، فقام إليه سهيل وجره ورده حتى وجد صلى الله عليه وآله وسلم الناصر، وافتتح مكة عنوة ودخل الناس في دين الله أفواجا، وعلي عليه السلام سكن اثنتان وعشرون سنة أيام الخلفاء الثلاثة حتى وجد الناصر، والحسن عليه السلام صالح معاوية لعنه الله لما خذله أصحابه، والقاسم عليه السلام لزم جبل الرس، لما عدم الناصر، والمرتضى عزل نفسه عن الإمامة لما عرف من الناس اتباع الدنيا، وغير هؤلاء وغيرهم من أئمة الهدى، ومن بهم الاقتداء، فكيف يفعل الإمام عليه السلام في افتتاح البلاد وقد طوى الناس بساط الجهاد، وكثر أهل البغي والفساد، مع ذاك فلو يقوم بنفسه ويجند الجنود، ولا يحصل له الغرض المقصود، لقال كثير من الناس هو قليل تدبير -كما قالوا يوم الصعيد- فلا تنهضوا للجهاد، ولا تسكتوا عن الاعتراض، بل هذا دأبهم وفعالهم لا غير، ولم يبق من اعتراضهم إلا قولهم، لو كان الإمام افتتح بغداد وكوفان، ومصر وخراسان، وسائر القرى والبلدان.
Halaman 449