قال رحمه الله تعالى: فإن قيل: الباغي كما يعظم بغيه، فقد يعظم اعتقاده في الإمام أنه غير إمام، واعتقاده في الباغي أنه إمام، وهذا يوجب أن يكون غير الباغي بمثابته، قيل له: إذا أفردت اعتقاد الباغي عن بغيه، وخروجه عن الإمام حتى لا يبقى إلا الجهل بإمامته واعتقاد إمامة غيره فلا دلالة عندنا على كونه فسقا بمجرده، وإنما نعلم أن الباغي فاسق، ويجوز أن يكون وجه العظم اجتماع ذنوب لو انفرد كل واحد منها لم يكن فسقا، هذا كله كلام البستي رحمه الله، وهو من أهل التحقيق والنظر في أكثر موارده ومصادره.
قلت: وليس لأحد أن يستدل على فسق من نفى أو توقف في غير مهلة النظر، بأن يقول: إن للإمام حرب من هذه حاله ومقاتلته على عدم تسليم الحقوق، وجواز الحرب والمقاتلة متفرع على ثبوت الفسق، لأنا نقول: إنه ليس له محاربتهم حتى يدعوهم إلى طاعته فيتغلبوا أو ينتصبوا لحربه، وحين انتصابهم لحربه ينضم إلى ذلك الاعتقاد ما أوجب الفسق فيحكم به حينئذ.
ومثل هذا يقال في حق الصحابة مع علي عليه السلام فإنا إذا حكمنا بصحة إيمانهم لم يكن له عليه السلام حربهم حتى يدعوهم إلى الطاعة فينتصبوا لحربه، وحينئذ يجوز له مقاتلتهم.
نعم: وليس لمن لم يقطع بالتفسيق أن يعتقد في المفسق أنه صدر عنه التفسيق لا عن دليل، لأنه يجوز أن يظهر لبعض الناس من أدلة الشرع مالا يظهر للبعض الآخر، فنسأل الله تعالى المادة بالهداية إلى القول الفصل المرضي عنده.
Halaman 280