وأما الأصل الثالث: وهو أن الإمام شرط في القيام بالجهاد، وفي حصول المقصود به، وهو نكاية العدو، فالذي يدل على ذلك أنا نعلم ضرورة من جهة العادة أنه لو خرج معسكر عظيم لقتال عدو، وليس عليهم أمير يرجعون إلى أمره في تهيئة القتال وكيفيته وترتيب مواقعه، بل كل واحد منهم يعمل برأيه في ذلك، يقاتل حيث شاء، ويتقدم ويتأخر حيث يرى رأيه، ولا ناظم لأمرهم في ذلك، فإن العقلاء يحكمون عليه بالإخلال بالشرط الذي يتم به مطلوبهم من نكاية العدو ودفع مضرته، وأنهم عرضوا أنفسهم للكسيرة وعدوهم للظفر بهم، على ما يعلم في العادة من حال المعسكر الذي هذا حاله، ولا يدفع ذلك إلا معاند، وإذا ثبت ذلك في الخروج على العدو، وجب مثله في التحرز من سطوته وهجومه، فإن قوما لو كان لهم عدو طالب لنكايتهم في كل وقت، لا يأمنون هجومه عليهم واستئصال شأفتهم، ولم ينظروا في إقامة رجل منهم كامل العقل والرأي، ليتجرد للنظر فيما يدفع به ضرر خصمهم، ويحصل به التحرز من نكايته، لا تشغله خويصة نفسه عن تدبير ذلك النظر فيه، بل تركوا أمرهم شتى، ينظر كل واحد منهم فيما يخص نفسه، ويعود عليه وعلى عائلته منفعته، ودفع مضرة ذلك العدو عن نفسه فقط، فإن العقلاء يحكمون عليهم بالإخلال بما يجب عليهم من دفع مضرة عدوهم عنهم، وأنهم بإخلالهم بذلك في حكم من لا يدفع الضرر عن نفسه، ووجوب دفع الضرر عن النفس معلوم ضرورة، فعلم بذلك أن نصب الرئيس شرط في مجاهدة العدو، مطلوبا كان أو طالبا، ولا شك أن الكفار والفساق منبسطون في الأرض على مرور الليالي والأيام، وأن التكليف بمجاهدتهم مستمر، وهو لا يستقيم ويتم المقصود إلا بما ذكرنا من نصب الرئيس، لما علمنا ضرورة من جهة العادة، فلزم القضاء بوجوب نصبه، إذ مالا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه.
وأما الأصل الرابع: وهو أنه ممكن للأمة، فذلك معلوم ضرورة.
وأما الأصل الخامس: وهو أنه يثبت بذلك وجوب الإمامة، فلأن مالا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه بلا شك، فصح وثبت ما رمناه من وجوب الإمامة على الأمة قطعا، وبطل قول المخالف، وهذا البرهان قطعي واضح الأركان، إذ بعض أركانه معلوم ضرورة، وبعضها بدلالة قطعية لا مدخل للتشكيك فيها، فهذا جملة ما يدل على وجوب نصب الإمام قطعا.
وأما ما يدل على سائر الفروع فسيساق إليك إن شاء الله تعالى.
ثم قال مولانا أبقاه الله تعالى مشنعا مستدركا: فانظر إلى هذه الأدلة التي وسمت بكونها يقينية، وانظر إلى تركهم إيراد أدلة على سائر أطراف مسائل الإمامة وتفاصيلها.
أقول: صحة تسميتهم لها يقينية ينبني على اندفاع ما ورد عليها من المطاعن، وقد أوردنا في دفعها ما يشفي ويكفي بحمد الله تعالى، إلا الدليل الثاني، فإنا لا ننازع في ضعفه وقوة ما ورد عليه، وأما استدراك مولانا عليهم بأنهم تركوا إيراد أدلة على سائر أطراف مسائل الإمامة، فهو غير مسلم، إذ لم يهملوا ذلك، بل قد أوردوا من الأدلة على ذلك مالا يخفى.
Halaman 270