Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim
دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم
Genre-genre
شواهد اهتمام الرسول ﷺ بالدعوة إلى هذا الأساس: (الله لا إله إلا هو)
إذا كان الأمر كذلك فلا غرو أن نرى سيد الأنبياء وخاتمهم ﵌ قد اهتمّ بالتوحيد، وأعطاه الأولوية المطلقة، يقول الله ﷾ مخاطبًا نبيه ﷺ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد:١٩] وهذا هو الأصل الذي أمر أن يعلنه للناس كافة، يقول ﷿: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [الأعراف:١٥٨].
فهذا الأصل لم ينشغل عنه النبي ﵌ أبدًا قبل تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة، بل وبعد ذلك في حال الأمن وفي حال الحرب في الحضر والسفر في المسجد والسوق، فدعا إليه أقاربه وعامة الناس، ومن أحبوه ومن أبغضوه من جميع أصناف الناس، وسواء المشركين أو المنافقين، أو اليهود والنصارى، كان ﷺ يدعوهم إليه بكل وسيلة من المشافهة والمكاتبة، ومنهم من أرسل إليهم رسلًا، فالسيرة الدعوية في المرحلة المكّية والمدنية مليئة بالشواهد الدالّة على ذلك.
روى الإمام أحمد عن رجل من بني مالك بن كنانة، وهذا الرجل من الصحابة، وإذا لم نعرف اسم الصحابي الذي روى الحديث، كأن يقول الراوي: عن رجل من أصحاب رسول الله ﷺ، فإن هذا لا يؤثر في صحة الحديث على الإطلاق؛ لأن الصحابة جميعهم عدول، ﵃.
فقد روى الإمام أحمد بسنده عن رجل من بني مالك بن كنانة قال: (رأيت رسول الله ﷺ بسوق ذي المجاز يتخلّلها) يتخللها: يمشي خلال تجمّعات الناس في سوق ذي المجاز، (يقول: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا.
وأبو جهل يحثي عليه التراب، ويقول: لا يُغوينّكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزى، وما يلتفت إليه رسول الله ﵌ قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وروى الإمام الحاكم عن ربيعة بن عباد الدؤلي قال: (رأيت رسول الله ﷺ بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: يا أيها الناس! إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا.
ووراءه رجل يقول: يا أيها الناس! إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم.
فسألتُ عن هذا الرجل، فقيل: أبو لهب).
ففي الحديث الأول كان أبو جهل هو الذي يحثي عليه التراب، أما في هذه المرّة فكان أبو لهب.
وروى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره: (لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله ﷺ ل أبي طالب: يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملّة عبد المطلب؟! فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال: أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب.
وأبى أن يقول: لا إله إلا الله).
وروى البخاري عن معاذ ﵁ قال: (كنت ردف النبي ﷺ على حمار يقال له: عفير، فقال يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله: ألاّ يعذب من لا يشرك به شيئًا).
وروى البخاري عن جابر ﵁ قال: (كنا مع النبي ﷺ بذات الرقاع) يعني: في غزوة ذات الرقاع، (فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي ﷺ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي ﷺ معلق بالشجرة، فاخترطه) أي: أن هذا المشرك أخذ السيف، (فقال له) يعني: قال المشرك للرسول ﵊: (أتخافني؟ فقال له: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله)، وفي رواية للإسماعيلي: (فسقط السيف من يده) أي: سقط السيف من يد هذا المشرك، (فأخذ رسول الله ﷺ السيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ).
فتأمل كيف أن الرجل لم يُجب على السؤال، أما النبي ﷺ لما قال له الرجل: من يمنعك مني؟ قال: الله.
أما المشرك فلا مولى له، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد:١١]، وذلك هو الذي يرجّح كفّة أهل الإسلام في صراعهم مع أهل الباطل، وهو أن الله معهم، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:١٩]، فمن كان الله معه فلن يغلبه أحد.
فإذًا: إلى من يلجأ الكفار والظالمون والذين يعيثون في الأرض فسادًا؟! لو سُئلوا فلن يجدوا جوابًا، أما المؤمن فهو يعرف جيدًا من الذي يلجأ إليه.
وتكملة الحديث: (فأخذ رسول الله ﷺ السيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ، قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أعاهدك على ألاّ أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلّى سبيله، فأتى أصحابه -أي: الرجل- فقال: جئتكم من عند خير الناس).
كذلك دعا رسول الله ﷺ قيصر ملك الروم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك، فقد جاء في نصّ كتابه الكريم إلى هرقل، كما جاء في البخاري عن ابن عباس ﵄: (من محمد عبد الله ورسوله ﷺ إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتّبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِمْ تَسْلَم يؤتِك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين؟ -وهُمْ: الأكارين أو الفالحين جمع أريس- ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:٦٤]).
وهذه الآية يستدل بها بعض السّاسة كما فعل السادات في بعض المناسبات أو المؤتمرات المتعلقة بالتنفيذية، فكان يتلو الآية في سياق أننا شيء واحد، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:٦٤] بحيث يوهم أن المسلمين واليهود والصنارى وغيرهم شيء واحد، وأنهم كلهم يدعو إلى عبادة الله، بطريقته، فهذا يقول: إن الله هو المسيح! واليهود يقولون على الله الكذب! وينسبون إليه من الصفات ما يتنزه سبحانه عنه! والمسلمون كذلك يدعون إلى عبادة الله، وهذا كلام باطل، فإن معنى (كلمةٍ سواء) هي: دين الإسلام فقط لا غير، فقوله: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ [آل عمران:٦٤] يعني: ادخلوا في دين الله، «أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ» فإذا أكملت الآية: «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
كذلك أمر رسول الله ﷺ معاذًا ﵁ حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعو الناس إليه هو: توحيد الله ﵎.
فقد روى البخاري عن ابن عباس ﵄ قال: (لما بعث النبي ﷺ معاذًا إلى نحو أهل اليمن قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحّدوا الله تعالى).
إذًا: التوحيد له الأولية المطلقة، ثم قال ﷺ: (فإذا عرفوا ذلك، فأخبِرْهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم) إلى آخر الحديث.
وفي رواية: (فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ﵌.
إذًا: أول ما بُدئت به آية الكرسي هو أفضل الكلام على الإطلاق، كما قال النبي ﷺ: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
فأفضل الذكر على الإطلاق -أي: بعد القرآن الكريم- هو أن تقول: لا إله إلا الله، فالله ﷿ هو المتفرد بالإلوهية والعبودية لجميع الخلائق دون سواه، وهذا هو الأمر المهمّ الذي ابتعث الله له جميع الأنبياء والمرسلين بمن فيهم خاتمهم وقائدهم محمد ﵌.
3 / 10