بيع النقد بالنقد دينًا
من المداينات التي لا تجوز: بيع النقد بالنقد وأحدهما غائب، فهذا من الربا، وهو أكثر وأخطر ما يحدث في الدراهم وما قام مقامها مما يكون أثمانًا للسلع، فهذه النقود بيع بعضها ببعض يسمى صرفًا، فالصرف هو: بيع نقد بنقد، ويشترط فيه التقابض قبل التفرق.
ذكر أن أحد التابعين جاء إلى طلحة وقال: اصرف لي هذه النقود من الدنانير، فتفاوضا واتفقا على أن قيمتها من الدراهم -الفضة- كذا وكذا، ثم قال: انتظر حتى يأتيني خادمي أو جاريتي آخر النهار، وسمع ذلك عمر ﵁ فقال: كلا والله! لا تفترقان حتى تتقابضا أو تعطيه دنانيره، يعني: أن هذا الصرف -وهو بيع الدراهم بالدنانير- لا يصح حتى يكون هناك تقابض، ومعلوم أن الناس الآن يتعاملون بالأوراق النقدية، والأوراق قامت مقام الفضة، واعتبرت نقدًا؛ فنزلت منزلتها، فلأجل ذلك إذا بيع نقد بنقد فلا بد من التقابض قبل التفرق، فإذا بيعت دراهم المملكة السعودية بجنيه استرليني فلا بد من التقابض قبل التفرق.
إذا كان الجنيه -مثلًا- يساوي خمسمائة، فتفاوضا واتفقا على أن يصرف له هذا الجنيه بخمسمائة، فإنه يدفعها له نقدًا، فإن لم يجد إلا بعضها لم يصح التفرق وبينهما شيء، وقد دل على ذلك حديث ابن عمر ﵄ قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي ﷺ فقال: (لا بأس ما لم تفترقا وبينكما شيء) أي: إذا صرف أحدهما بالآخر فلا يفترقا وبينهما شيء.
وكذلك أيضًا بيع الذهب بدراهم أو ما يقوم مقامها، والذهب والفضة العلة فيهما الوزن أو الثمنية، فإذا قيل: العلة الوزن فإن الذهب الذي هو مصوغ وفي العادة أنه يوزن، والدراهم التي هي من الفضة والأصل أنها موزونة، فلا يجوز أن تباع الدراهم بالذهب دينًا، إذا اشتريت ذهبًا فلا بد أن تنقد البائع الثمن، أو تأخذه كأمانة للتجربة، فإذا وجدت الثمن أديته وقلت: هذا ثمن الذهب الذي أخذته منك عارية أو للتجربة، ولا تتفقان على الثمن إلا عند إحضار القيمة.
ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس في المداينة: أن رجلًا يشتري الذهب بدين، وهذا غلط، سواء كان الذهب مما يسمى (بالغوائش) التي في الذراع وهي الأسورة، أو الخواتيم في الأصابع أو قلائد الرقبة، والواجب ألا يشتري الذهب إلا بثمن حال، ولا يشترى بدين، وأحيانًا لا يكون معك الثمن كله، فلك أن تقترض من إنسان حتى تسلم ثمن هذا الذهب في مجلس العقد، وأجاز بعض العلماء أن تأخذه كأمانة ثم إذا حصلت على الثمن أتيت به، وحينئذ تحددان الثمن، فيكون البيع بنقد، مثال ذلك: إذا كان الذهب الذي أخذته قيمته في ذلك الوقت يساوي أربعين ألفًا، ولما لم يكن عندك أخذته كأمانة لتقيسه، ولما أتيت بالثمن بعد يومين أو بعد ثلاثة وجدت الثمن قد ارتفع، فهذا الذهب الذي أخذته بالأمس كانت قيمته أربعين، والآن يساوي خمسين، فإنه يطالبك بقيمته وقت الوفاء، وهكذا لو انخفض، أما شراؤه بدين فهذا لا يجوز لما ذكرنا من أن العلماء جعلوا العلة هي الوزن في هذا المذهب ومذهب أبي حنيفة.
5 / 9