وبعض الضّالّين المُضِلِّين الذين أدركُوا أنّك (إذا أردْتَ قَتْلَ حقيقةٍ فإيّاكَ أنْ تُنْكِرَها، ولكنْ شَوِّهْها)، فأخذوا يُضلِّلون أبناءَنا ويُلَبِّسون عليهم؛ ويَلْوُون أعناقَ النُّصوص مُستغلِّين جهلَ أبناء المسلمين بأسرارِ لغةِ قُرآنهم!
وقد أدرَكَ عُلماؤنا أهميّة علم البلاغة في فهم القرآنِ والسُّنّة، فقال أبو هلال العسكريّ (ت ٣٩٥ هـ) في كتاب الصِّناعتين: «اعلمْ أنّ أحقَّ العُلوم بالتَّعلُّم، وأَولاها بالتَّحفُّظ- بعد المعرفة بالله جلَّ ثناؤُه- علمُ البلاغة الذي به يُعرَفُ إعجازُ كتاب الله تعالى ...، وقد عَلِمْنا أنّ الإنسانَ إذا أغفل علمَ البلاغة، وأَخلَّ بمعرفة الفصاحة لم يقعْ عِلمُه بإعجاز القرآن». وقال السَّكّاكيُّ (ت ٦٢٦ هـ) في كتابِه مفتاح العلوم؛ في أثناءِ كلامِه على عِلْمَي المعاني والبيان: «فالويلُ كُلُّ الويلِ لمَنْ تعاطى التَّفسيرَ وهو فيهما راجِلٌ»، وكانَ ابنُ جِنِّيّ (ت ٣٩٢ هـ) قد أفردَ في كتابِه الخصائص بابًا حشَدَ فيه الأمثلةَ التي تُؤكِّدُ أنَّ الجهلَ بأساليبِ البلاغة من مجازٍ وكنايةٍ وتشبيهٍ وغيرِ ذلك يُفضي إلى الخطأ في الاعتقاد؛ وقال: «أكثر مَن ضَلَّ مِن أهلِ الشّريعةِ عن القَصْدِ فيها، وحادَ عن الطّريقةِ المُثلى إليها؛ فإنَّما استهواه واستخفَّ حِلْمَه ضَعْفُه في هذه اللُّغةِ الكريمةِ الشّريفةِ».
ومن هُنا انبعثَ اهتمامُ عُلمائنا المسلمين من عَرَبٍ وعَجَمٍ بعلم البلاغة، فحَرَصُوا على تعلُّمِه وتعليمِه، حتّى تَشَعَّبَتْ مسالِكُ التَّصنيفِ في هذا العلمِ؛ فألفينا فيه الكُتبَ النَّظريّة كـ (مفتاح العلوم) لأبي يعقوب السَّكّاكيّ (ت ٦٢٦ هـ)، و(تلخيص المفتاح) للخطيب القَزوينيّ (ت ٧٣٩ هـ). والكتُبَ النَّظريّة بلمسةٍ أدبيّة ونقديّة كـ (أسرار البلاغة) و(دلائل الإعجاز) لعبد القاهرِ الجُرجانيّ (ت ٤٧١ هـ)، والدِّراساتِ النَّقديّةَ على أُسُسٍ بلاغيّة كـ (المَثَل السَّائر في أدب الكاتب والشّاعر) لضياء الدّين ابن الأثير (ت ٦٣٧ هـ)، ومُصنَّفاتِ البلاغة التَّطبيقيَّة كتفسير (الكشّاف) للعلّامة الزَّمخشريّ (ت ٥٣٨ هـ) وهو تاجُ التَّفاسير البلاغيّة، ورسائلَ الإعجاز القرآنيّ كـ (إعجاز القرآن) لأبي
1 / 14