لقد كان أبيقور أكبر معلم للبشر بدرسه أوفق الشروط للسعادة؛ فقد رأى أحسن من كل إنسان أن هذه السعادة لا علاقة لها بالمال والشهرة والمركز الاجتماعي. ولا ريب أن سقراط لم يجهل هذه الحقائق، وكذلك الرواقيون أتباع زينون، ولكن أبيقور خلع عليها حلة خضراء من سحر لسانه، وقوة بيانه؛ حتى أصبح المرجع فيها لكل من قال حكمة في العالم، ومن الغريب أنها لم تدرك كما يجب، ولم يكن عدد الذين استفادوا منها أكثر مما هو.
كلا لم يكن أدب أبيقور ليجعل من الناس قطيعا من الخنازير كما ادعى أعداؤه، ولو أن الإنسانية عملت بما علم لحققت المثل الأعلى، وكان لها مجتمع سلمي يبحث فيه كل فرد عن سعادته في الحياة البسيطة، والاعتدال والرضى بملذات الفكر واحترام الآخرين، فلم نصل إلى ما نحن عليه من فتنة مال، وخيبة آمال.
تيمور الأعرج
دين البطش
كان تيمور لنك من أعظم ملوك المغول شأنا، وأوسعهم سلطانا، وأشدهم طغيانا، يمت بنسب بعيد إلى جنكيز خان - على ما يقال - وبينهما مائة وسبعون عاما؛ فقد ظهر جنكيز في منتصف القرن الثاني عشر، وظهر تيمور في أوائل القرن الرابع عشر. وتخلل العهدين ظهور هولاكو الذي اشتهر بتخريب بغداد وقتل المستعصم واضعا السيف في دار السلام أربعين يوما، محرقا دورها، نابشا قبورها، بانيا بكتب العلماء مجبولة بالطين إصطبلات خيوله، وجاعلا منها جسورا على نهر دجلة للعبور عليها.
جاء في دائرة المعارف عن القرماني: كان تيمور رجلا ذا قامة شاهقة، كأنه من بقايا العمالقة، عظيم الجبهة والرأس، شديد القوة والبأس، أبيض اللون إلى احمرار، عظيم الأطراف، عريض الأكتاف، مستكمل البنية، مسترسل اللحية، أعرج اليمينين، وعيناه كشمعتين، جهير الصوت، لا يهاب الموت. وكان من أبهته وعظمته أن ملوك الأطراف وسلاطين الأكناف إذا قدموا عليه وتوجهوا بالهدايا إليه كانوا يجلسون على أعتاب العبودية والخدمة نحوا من ممد البصر من سرادقاته، وإذا أراد منهم واحدا أرسل أحد خدمه ينادي باسمه فينهض في الحال.
وقد اختلفت الأقوال في نشأته، وكثرت حولها الأساطير؛ فقيل: إنه لما ولد كانت كفاه مملوءتين دما، فقال بعضهم: يكون شرطيا، وقال بعضهم: ينشأ لصا، وقال بعضهم: قصابا سفاكا، وقيل مثل ذلك في جنكيز خان. والسبب في تسميته بالأعرج أنه سرق في بعض الليالي غنمة فشعر به الراعي فضربه بسهمين، أصاب بأحدهما فخذه وبالآخر كتفه؛ فأبطل كلتيهما فازداد كبرا على فقره، ولؤما على شره.
وكان جده حاكما على كرش فاغتصبت منه وعمر تيمور ثلاث سنوات، فقضى طفولته في الفاقة والحرمان. ولما بلغ أشده جمع من البادية والصحراء والغاب رجالا أقسموا له اليمين أن يساعدوه على استرجاع ملكه. وكان هو ورفاقه يسرقون ما وراء النهر، فشعر بهم السلطان حسين، صاحب هراة، وظفر بهم فضربهم، وأمر بصلب تيمور. وكان للسلطان ولد يقال له: غياث الدين، فشفع فيه واستوهبه من أبيه، فقال له أبوه: هذا مادة فساد، وإن بقي ليهلكن العباد، فقال غياث الدين: وما عسى أن يصدر من نصف آدمي وقد أصيب بالدواهي؟
فوهبه له، فقربه منه وزوجه شقيقته، ثم إنه غاضبها بعض الأيام فقتلها، فلم يبق له إلا الخروج والتمرد، إلى أن كان من أمره ما كان، حتى استصفى ممالك ما وراء النهر، واسترق العباد، وصافى المغول، وتزوج بنت ملكهم قمر الدين، ثم ظفر بغياث الدين فقتله، ووضع السيف في أهل سجستان، واستخلص ممالك العجم، ثم زحف إلى الهند فاقتحم دلهي، وأسر مائة ألف من السكان، وأحرق البيوت والهياكل ثم انتقل إلى الشام والعراق فاكتسحها، وبلغ بلاد أرمينيا وملك بني عثمان، وكانت له تلك الوقائع المشهورة.
واتخذ سمرقند قاعدة لملكه، وبنى فيها الجوامع وجملها بالحدائق الغناء، وأحاطها بالأسوار، ولقب نفسه الخان الأكبر مرددا قول أحد شعرائه: «يجب أن لا يكون على الأرض سوى سيد واحد، كما أنه لا يوجد في السماء غير إله واحد.»
Halaman tidak diketahui