ليته ينفعل، أو حتى يغضب في سبيل أن يبوح بمكنونه: لا ضرر في ذلك! - لكنه ضار بلا شك! - لا تصدقي ما يقال!
ولم يمهلها لتتكلم فقال باسما: مللت التسكع في الخارج، وأنا سعيد، هكذا بين زوجتي وابنتي! - لكنك تبقى معنا لتشرب ! - بل أستكمل هنائي بشيء من الشراب؛ ليبعث الراحة في القلب!
يحاول أن يبدو طبيعيا، ولكنها تراه بقلبها لا بعينيها، وقلبها كرماد في مهب الريح. - وماذا يتعب قلبك؟ - لعلها متاعب العمل، وأنا لا أسمح لها بأن تفسد جلستنا الطيبة!
هكذا الأسئلة والأجوبة كل مرة. ويبقى لها العذاب الصامت الذي يجد عبثا في البحث عن مبرر لوجوده. وتلوح في عينيه نظرة غريبة يرمق بها لولو. نظرة تذوب حنانا ورقة، نظرة تقبل وتعانق وتسفح الدمع. فكيف لا ترتعد رعبا؟! - ألا يحسن بك أن تنام في الوقت الذي اعتدت أن تنام فيه؟ - لماذا ننام؟
ضحكت ضحكة فاترة، وحدجته بنظرة ارتياب: أنت ولا شك تسخر مني. - معاذ الله! - الحق أنك تعذبني. - لا سامحني الله إن فعلت!
وربتت خده برقة: كل شيء على ما يرام؟ - نعم. - لا شيء يضايقك؟! - مطلقا.
ثم قال برجاء: لا تقلقي نفسك بلا سبب، أؤكد لك أنه لا يوجد في حياتنا ما يدعو إلى القلق، ها أنا أجلس سعيدا في أسرتي الصغيرة، أشرب أحيانا، وأحيانا أقرأ، ماذا يقلق في ذلك؟!
لم تكن القراءة هواية له. كان يلقي نظرة عجلى على الجريدة، وتقرأ هي صفحة، ثم تتركها فتتلقاها لولو، ثم لا تتركها إلا كومة من مزق. لكنه يقرأ الآن كتبا، وأي كتب؟ على حافة العالم. الحاسة السادسة. عالم الأرواح. - أتحلم بأن تكون شيخ طريقة؟! - هل عندك فكرة عن هذه الأشياء؟ - حسب ما وجدته في الدين. - هذا صحيح. - فلماذا تقرأ هذا كله؟ - حب استطلاع وتسلية.
حاولت كثيرا أن تقنع نفسها بأن كل شيء طبيعي، وأن أوهامها هي غير الطبيعية، لكنها كانت كمن يتجاهل إنذارات دمل خفي. - خبرني كيف حال صحتك؟ - عال! - والعمل؟! لا تخف عني شيئا؛ فأنا شريكة حياتك. - ليس في الإمكان خير مما كان! - كيف أعرف سرك؟!
وربت على خدها وقبلها، كما كان يفعل في الليالي السعيدة الخالية. ما أشد الفرق بين الحالين. إنه يمثل ولكنه لا يستطيع أن يخفي أنه يمثل. - لا جديد طرأ عليك؟ - عدا شيء من الارهاق! - ما رأيك في السفر، ولو لأسبوع؟ - فكرة وجيهة ولكن لا داعي للعجلة كما تتوهمين.
Halaman tidak diketahui