وعقب صلاة العشاء زار الشيخ عبد ربه إمامان من زملاء الدراسة، يدعى أحدهما خالد والآخر مبارك. جلسا إلى جانبه متجهمين، وأخبراه بأن بعض الأئمة قد فصلوا من وظائفهم لامتناعهم عن الاشتراك في الحملة المدبرة. وقال خالد متذمرا: لم تخلق دور العبادة للمهاترات السياسية وتأييد الطغاة!
فشعر عبد ربه بأن حديث صاحبه ينكأ جرحه، وتساءل: أتريد أن تتضور جوعا؟
فساد صمت ثقيل. وأبى الشيخ أن يعلن هزيمته، فتظاهر بأنه سيعمل عن اقتناع؛ ليحافظ على كرامته أمامهما، فقال: ما يظنه البعض مهاترات قد يكون هو الحق بعينه ...
ودهش خالد لانقلاب الشيخ فزهد في المناقشة، أما مبارك فقال باندفاع مأثور عنه: سنقتل مبدأ إسلاميا، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فغضب عبد ربه عليه كما يغضب ضميره الذي يعذبه، وقال: بل سنحيي مبدأ إسلاميا هو الدعوة إلى طاعة الله ورسوله وأولي الأمر.
فتساءل مبارك في استنكار شديد: أهؤلاء من تعدهم أولي الأمر؟!
فتحداه عبد ربه متسائلا: خبرني هل تمتنع عن إلقاء الخطبة؟
قام مبارك متسخطا ثم غادر المكان، وما لبث أن غادره خالد. ولعنهما الشيخ كما يلعن نفسه الثائرة.
وقبيل منتصف الليل امتلأ حوش البيت السابع إلى اليمين بالسكارى. جلسوا على مقاعد خشبية متحلقين دائرة من الأرض الرملية، سلط عليها ضوء كلوب، وانسابت في جنباتها نبوية وهي ترقص في قميص نوم وردي، وتلعب في يمناها نبوتا مكتسيا بخيط حلزوني مرصع بالورد. وصفقت الأكف على الواحدة. وتصاعدت من الأفواه المخمورة تأوهات بهيمية. واندس البرمجية في الأركان يتربصون، على حين لبد شلضم في بئر السلم مركز العينين على مدخل البيت .. وإذا بحسان يدخل مصفف الشعر متألق الثغر، فالتهمته نظرات شلضم النارية. وقف حسان ينظر إلى نبوية، حتى انتبهت إليه فحيته بابتسامة عريضة، وحركة لعوب من بطنها الراقص وغمزة عين.
عند ذاك تسلطن حسان، فمضى إلى مقعد خال وجلس. وغلى الدم في عروق شلضم حتى تقلصت أطرافه، ثم أطلق صفيرا خفيفا. وفي الحال اشتبك اثنان من أعوانه في معركة مفتعلة. وتداخل الآخرون فاشتدت المعركة وترامت، حتى قام السكارى مذهولين، وأخذوا يتدافعون نحو الباب. وطار مقعد نحو الفانوس فهشمه، فانقض الظلام على المكان كالكابوس، واختلط الصراخ بوقع الأقدام، وارتفع الصوات. وفي غمار الزوبعة الدائرة في الظلمة شق الضجيج صراخ امرأة، وما لبث أن أعقبتها على الأثر تأوهات رجل من الأعماق، وسرعان ما خلا الحوش الراكد تحت مثار الغبار إلا من جثتين مطروحتين في الظلمة الصامتة.
Halaman tidak diketahui