ازداد عبد العظيم اطمئنانا بهذا الكلام، فهو رجل لا خبرة له تذكر في هذه الشئون فضلا عن كسله المكتسب من الروتين الحكومي الذي غرق فيه زهرة عمره. وتذكر في ارتياح أن بعض النقود المتوفرة في البريد تفي بالنفقات جميعا، حتى مع إدخال المبالغات المرتقبة من ناحية الحاج مصطفى في الحساب! وهو رجل (الحاج) لن يضيره تأجيل الحساب، حتى تتم إجراءات إثبات الوراثة المعقدة. واستقر الصمت مليا، فالتمسوا فيه شيئا من الاستجمام. واتجهت الأنظار صوب الراقدة، كأنما تسألها عن متى يشرعون في العمل، بعد أن تم الاتفاق على كل شيء. واشتد الإحساس بالبرد، فلذلك تقرفصت القريبة العجوز ابتغاء الدفء، والتصقت بها ابنتها. وإذا بالعجوز تخرق الصمت قائلة، كأنما تخاطب ابنتها: والله لك قسمة يا درية في ميراث كبير على آخر الزمن.
واشتعل انتباه عبد العظيم وأخته بعنف. وعكست عيناهما حنقا كالوهج، على حين هز الحاج رأسه فيما يشبه الأسف. وتساءلت تفيدة بحدة: من أين عرفت هذا؟
فقالت العجوز بعناد: هي خالة أمي، وكل شيء في الورق!
ولم تقنع العجوز بالكلام، فقامت إلى النافذة المطلة على الطريق، ففتحتها غير مبالية بالهواء البارد الذي اندفع إلى الداخل كالسياط، ثم نادت بصوت مرتفع: يا شيخ عويس .. يا شيخ عويس ...
وفتحت نافذة في البيت المواجه لهم عن وجه كهل متلفع بعباءة، مغطى الرأس بطاقية صوفية. نظر إليها وهو يتساءل: مالك يا ست نفيسة؟!
فقالت وهي تحبك الملاءة حول جسدها النحيل؛ خوفا من البرد: ربنا يكرمك، لا تؤاخذني، لكني في حاجة إلى رأيك، إذا ماتت واحدة بلا ذرية ألا ترثها بنت بنت أختها؟
فدهش الرجل وقال: وهل هذه المسائل مما يحل من النوافذ؟ تعالي إلى المكتب، أو شرفي البيت.
فقالت بتوسل: وحياتك وحياة أولادك إلا ما أخبرتني.
فتساءل الرجل: هل الست نظيرة لا سمح الله ... ؟!
وأشار بيده إشارة تعرب عن الانتهاء، لكنها قالت: كلا يا سيدنا الشيخ، ولكني أحب أن أعرف رأيك.
Halaman tidak diketahui