ويتبادل الرجال الثلاثة النظرات، وبودهم أن يتبادلوا الابتسامات، ولكن يمنعهم من ذلك ما يعلمون من سرعة غضب إصطفيان وسورة جهله، فيكتمون ضحكهم حتى يخرج، ويهبط إصطفيان السلم، وقد هيأ في خاطره جملة واحدة يقولها للفتاة وهي: «كيف تجرئين على المجيء إلى منزلي، وتهزئيني عند إخواني، وتجعلينني ضحكة في أعينهم؟»
والواقع أن قدوم الفتاة كدر صفوه ونغص عيشه، وهذا الشعور؛ شعور الاستياء والغضب، قد أفعم قلبه وطرد كل شعور آخر.
في هذه اللحظة كانت إيزابلا واقفة وسط غرفة الاستقبال تحت مصباحها المرتج تراقب إصطفيان وهو يهبط السلم إليها في سرعة وخفة، والدنيا تميد بها وتترجح، وهي من نشوة الهيام تدور وتترنح.
ماذا في شخص هذا الفتى قد تيم قلبها ولاع مهجتها؟ وجهه المليح! وأفتن من ذلك لروحها، وأسحر للبها جيده الأغيد واستدارة كتفيه ورشاقة قده، وكأن كل ما قسمه الله لها في هذه الحياة من اللذة والنعيم والسعادة منحصر في هذا القد الأهيف، والقوام المرهف.
تندفع إيزابلا لاستقباله خطوة واحدة، لكنها كوثبة الليث الضيغم، وطمحة السيل المفعم، وكأنما بها مس أو خبال من غلواء الوجد وحميا الصبابة، وتمد نحوه يدا مضطربة ملتهبة، فيرى إصطفيان أنه ليس من آداب اللياقة أن تبقى الفتاة في غرفة الاستقبال، فيقبض على يدها بيمينه، ويتلمس علبة الثقاب بيساره.
وقال لها بلهجة الأنفة والكبرياء التي كانت منه عنوان السخط المكتوم ، ودليل الارتباك والحيرة: «هلم معي إلى غرفة الخوان من فضلك؟»
ثم يدير أكرة الباب وقلبه يخفق اهتياجا؛ إذ يرى نفسه في حضرة الفتاة بالفعل فيفتح الباب.
ثم يقدح عودا من الثقاب ويرفعه في يده، ويستند بظهره إلى الباب ليدعها تمر قبله.
وبينما تلج الباب يكاد شخصاهما يتماسان ثانية من الزمن، فإذا عروقه تلتهب وتحتدم، ولكنه يستجمع جأشه ويتماسك ويستعصم، وهذا عنده رأس الحكمة، ومبدأ الحياة الأقوم، وأساس كل شيء.
بعد ذلك يتبعها إلى داخل حجرة الخوان فيشعل مصباحها، ثم يعود إلى الباب فيغلقه ويتقدم إليها.
Halaman tidak diketahui