Air Mata Bilyatcu
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Genre-genre
جلس يتأمل وقد عكست صورة القمر هالات فضية على صفحة الماء، وفي لحظة التجليات التي تصيب العقل الواعي راحت عيناه تبصر وتراجع حياته صورة صورة ومن زمن إلى زمن. جاب دروب الدنيا، جلس تلميذا للمعرفة، صديقا للمنطق، أخا غير شقيق للفلسفة، وابنا بارا لتعاليم الدين، وراح يتطلع كيف تداركته رحمة الله في كل حياته، وأنه لولا العناية الإلهية التي كانت تدركه دائما في الوقت العصيب لكان من الهالكين، تمتم بكلمات الحمد والثناء لرب العباد.
ولكن، وآه من قسوتها تلك الكلمة؛ لأنها تقول إنه يفتقد شيئا جوهريا وكبيرا، يشعر بالوحدة الشديدة، بالفشل التام برغم النجاح الظاهري، إحساس دائم بالوقوف على حافة الهاوية برغم الأصدقاء والأسرة والأبناء، من أجل هذا كان يأتي هنا، يبحر كثيرا كمن يبحث عن شيء لا يعرفه، ابتسم، بل يعرفه جيدا ولكنه غير موجود، فهو كمن يبحث عن حلم مستحيل.
أسند رأسه إلى جذع الشجرة التي يستند إليها، رفع عينيه للسماء، ليلة صافية مرصعة بالنجوم يضيئها القمر في تمامه، وراحت عيناه وعقله يبحران ويوغلان في أعماق السماء، الآن إحساس جارف يدفعه نحو بوابة أغلقها منذ زمن بعيد تراءت له في عمق السماء، تحمله خطواته بتثاقل مليء بالرهبة والقلق والتردد، تمتد يده المرتجفة بين اندفاع رغبة المواجهة مع النفس وبين الإشفاق عليها، تحمل المفتاح الذي يحمل أرقامه السرية والتي لا يعرفها إلا هو.
يدور المفتاح، وينفتح الباب محدثا هذا الصرير المنعش الذي يحمل بين طياته ذكرى زمن مضى لم يعبر فيه هذه البوابة، وعلى عتبة الباب بدت له غاباته بكل أشجارها العالية كالحصون وزهورها العجيبة ذات الجمال الأخاذ، وذاك العبير الذي ليس له مثيل، وأشواكها التي تنمو أحراش تحرس أخطر مناطق غاباته حيث الترانيم المقدسة، درة القيم، وتنهار مقاومته تماما، يسرع الخطى في حلم سرمدي أخاذ متلمسا طريقه بين كل هذا الجمال وكل هذه الرهبة الموحشة للوحدة والصمت.
وكأن الأرض أحست خطاه وتعرف من ولماذا يأتي القادم من الباب السحري، ومع لحظة المعاناة والمناجاة والخلوة في الأعماق تبدأ الجراح في الانفتاح التدريجي ويبدأ قلبه في النزف، نزف مليء بآلام ومتعة الحقيقة لأنه الألم الذي يبحث ويضيء وينقل القيم بصراع الشر الكامن في نفوسنا وعذوبة النقاء الذي يحرك أوتار القلب في تناغم قيثارة الأحلام ، ويتساءل في لحظة التجلي كيف يحمل قلبي كل هذه الوحدة وكل هذا الحزن؟
ويصبح الجرح غائرا، أليما، وتتساقط قطرات دمه على أرض الغابة، تنمو أزهارا بارعة الحسن، وأشواكا تدمي القلب، كان يسير مأخوذا بلحظة المناجاة مغمض العينين في حلم عجيب يبحث عن بحيراته التي ملأتها دموعه منذ زمن بعيد ويسأل في لحظة الإلهام المتحلية، أين تكمن معاناتي؟
أبحث عنها في كل مكان، وحيدا عاري القدمين أسير بحثا عنها.
وتنفلت منه مشاعره في غفلة الزمان والمكان، تمرح، تجري في غاباته غير عائبة بكل ما يصيبها، برغم وحدتها لا زالت تقاوم وتملك القدرة على الفرح والانتصار.
تمتم تمتمات التجلي عن الدنقلي:
1 «أعطني القدرة حتى أبتسم، عندما ينغرس الجرح في صدر المرح.» «أعطني القدرة حتى لا أموت، منهك قلبي من الطرق على كل أبواب الحقيقة.»
Halaman tidak diketahui