ثم يمضي ابن دحلان في هرائه هذا فيقول في الصفحة ذاتها: "وليس لقائل أن يقول: إنما استسقى -أي عمر- بالعباس؛ لأنه حي، والنبي ﷺ قد مات، وأن الاستسقاء بغير الحي لا يجوز.. لأنا نقول: إن هذا الوهم باطل ومردود بأدلة كثيرة منها: توسل الصحابة بالنبي ﷺ بعد وفاته، كما تقدم في القصة التي رواها عثمان بن حنيف في الحاجة التي كانت للرجل الأعمى، وكما في حديث بلال بن الحارث، وكما في توسل آدم بالنبي ﷺ قبل وجوده.. فكيف لا يعتقد في صحته -أي التوسل- بعد وفاته؟ أما القصة التي رواها عثمان بن حنيف، فهي -كما يقول ابن دحلان-: " أن رجلا ضريرا أتى النبي ﷺ فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت، وهو خير، قال: فادعه.. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد، نبي الرحمة.. يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى، اللهم شفعه في، فدعا، فأبصر " ١ وفي هذا الخبر الذي يسوقه ابن دحلان، ليقيم منه شاهدا على التوسل بالنبي ﷺ في هذا الخبر أكثر من تناقض، يدل على أنه مكذوب: فأولا: أن الرجل عدل عما هو خير وأفضل، حين طلب الدعاء، ولم يرض بالصبر الذي قيل إن النبي ﷺ أشار به عليه وهو قوله: إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت وهو خير. فلو أن الرجل كان على إيمان ويثق بالله وعلى صلاح وتقوى لرضي بالصبر الذي دعاه إليه ﷺ، فكيف يكون هذا الرجل أهلا لأن يتقبل الله دعاءه والله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ ٢.وهذا دليل على أن الحديث مكذوب على رسول الله ﷺ.