226

Dr. Ragheb El-Sergany's Lessons

دروس الدكتور راغب السرجاني

Genre-genre

الحج يذكر الأمة بيوم القيامة
إذًا: تعالوا نفكر في منافع الحج الرئيسية.
الحقيقة أنا أعتقد أن أهم منفعة في الحج هي أنه يذكر الأمة كلها ليس الحجاج فقط بيوم القيامة، فالشبه كبير جدًا بين الحج وبين يوم القيامة، فالحج يمر بأكثر من موقف يذكر بيوم القيامة، فإن الحاج يعود فيحكي لكل الناس هذه المواقف، فيتذكر الناس جميعًا يوم القيامة، ولن تجد أحدًا في الأمة كلها لا يعرف حاجًا أو أكثر حجوا وعادوا يحكون عن حجهم، وربنا ﷾ ألقى محبة الحج في قلوب كل المسلمين، فتجد معظم المسلمين عندهم حرص شديد على أن يحجوا، وعندهم حرص شديد على أن يودعوا الحجاج وهم ذاهبون للحج، وعندهم حرص شديد على أن يستقبلوا الحجاج ويزوروهم ويسمعوا منهم، ويكون فعلًا موسم الحج موسم تذكير بمنافع الحج للأمة كلها وليس فقط للحجاج.
فمن أهم المنافع كما قلنا تذكير الأمة بيوم القيامة، قبل أن نقول: ما هو وجه الشبه بين الحج وبين يوم القيامة؟ لا بد أن نقول: إن معظم الفساد والمعاصي والضلال الذي يحصل في الأرض؛ يحصل لأن الناس نسوا أن هناك يومًا اسمه يوم القيامة، أو أن هناك يومًا اسمه يوم الحساب، سيحاسب فيه كل واحد على كل عمل عمله في الدنيا، منذ أول لحظة من لحظات التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [ص:٢٦]، لماذا ما هو سبب الضلال؟ ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص:٢٦]، فنسيان يوم الحساب كارثة ومصيبة، ولو أن الناس تذكروه لحلوا كل مشاكل الأرض؛ لذلك فإن الرسول ﷺ من أول يوم نادى فيه بدعوته في مكة ذكر بهذا اليوم قال: (والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبدًا، أو نار أبدًا).
فبالله عليك لو كنت تتذكر يوم الحساب فعلًا هل سيصير حالك هو حالك المعهود، أم أنك ستعيد النظر في ألف موقف مر بك؟ فالحج صدمة صدمة كبيرة تفيق الأمة كلها بسببه، وتوقظها من النوم وتذكرها بالذي نسيته كثيرًا، فلو أن واحدًا تذكر أنه سيحاسب هل سيرتشي؟ هل سيظلم؟ هي سيسرق؟ هل سيختلس؟ هل سيعق والديه؟ هي سيتعدى على حقوق زوجته أو أولاده أو جيرانه أو أصحابه أو حتى الناس الذين لا يعرفهم؟ لا أعتقد أنه سيفعل ذلك إذا كان عنده يقين بيوم الحساب، فصلاح الأرض في تذكر يوم الحساب.
الحج تذكرة علنية واضحة صريحة قوية لكل المسلمين أن هناك يومًا سنرجع فيه إلى الله، وكأن الحج يقول: استيقظ يا مسلم! استيقظ يا مؤمن! لا توجد لحظة في حياتك إلا وهي تسجل: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية:٢٩].
كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ سبحان الله! من أول يوم فكرت فيه أن تحج والحج يذكرك بيوم الحساب: أولًا: كل مسلم يريد الحج يجمع النقود على النقود حتى يجمع نقود الحج، ويتحرى الحلال في كل ما يجمع، ثم يذهب يتفق على الحج فيدفع عشرة آلاف مثلًا، أو خمسة عشر ألفًا مثلًا، أو عشرين ألفًا أو أكثر، فالعملة كما ترون مستمرة في الزيادة، والموقف يتأزم.
فالحاج يدفع كل ذلك وهو راض سعيد، وينفق كل هذه النفقة في سبيل الله، وقد لا يستطيع جمع هذا المبلغ إلا بمشقة بالغة ينفقه وهو سعيد؛ لأنه سيؤدي فريضة الله ﷾، وسيهاجر إلى الله ﷾، وسيرجع إلى الله ﷾، وانتبه للكلمة التي يقولها الحاج من ساعة خروجه للحج إلى حين عودته، يقول: لبيك اللهم لبيك.
أي: راجع إليك يا ربنا! ذاهب إليك يا ربنا! وكذلك فإن الذي سيذهب للحج يبدأ في استرضاء كل الناس الذين يعرفهم، وكان بينه وبينهم خلاف أو نزاع، فيقول: يا ترى هل هناك أحد أخطأت في حقه فأعتذر له؟ يا ترى هل هناك حق عندي لأحد فأرجعه إلى أصحابه؟ يا ترى هل هناك ديون علي فأسددها قبل أن أحج؟ فالحاج يا إخواني! كأنه يستعد تمامًا ليوم الحساب، يجمع زوجته وأولاده ويوصيهم ويذكرهم ويعلمهم، فيقول: وأنا لست موجودًا اعملوا كذا كذا، ولو حصل كذا اعملوا كذا، فيتصرف وكأنه لن يعود، وحين يذهب للحج يخرج الناس ليودعوه أفواجًا كبيرة، فيتذكر الناس جميعًا أن هناك يومًا سيخرج الناس لتوديعه لكن من غير عودة، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران:١٨٥]، فيتذكر الحاج أو الحاجة كل هذا الكلام، ويتذكر الذين يودعونه أيضًا هذا الكلام، بل إن ملابس الحج بالنسبة للرجال تذكر الناس جميعًا بيوم القيامة؛ فلباس الحج يكون فيه عري نسبي للرجال، فأنت تكشف كتفك في الحج؛ لكي يذكرك بالعري الكامل يوم القيامة؛ ولكي تتذكر الصورة التي ستكون عليها يوم الحساب.
روى البخاري ومسلم عن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلًا، قلت: يا رسول الله! النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال ﷺ: يا عائش

10 / 7