Dr. Ragheb El-Sergany's Lessons
دروس الدكتور راغب السرجاني
Genre-genre
وفاة قطز
تبقى في القصة مفاجأة هامة، فإن قطز لم يبق في كرسي الحكم إلا أحد عشر شهرًا وسبعة عشر يومًا فقط، ولم يكمل السنة، مات قطز بعد انتصاره في عين جالوت بخمسين يومًا فقط، ولكن سبحان الله! قيمة الرجال لا تقاس بطول العمر ولا بكثرة المال ولا بأبهة السلطان، إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغير من وجه التاريخ ومن جغرافية العالم، وهي في ذات الوقت تثقل في ميزان الله عز جل.
يظن كثير من الناس أن زمن المعجزات قد انتهى، ولكن أخطئوا، فإن الله ﷿ قد ترك بين أيدينا معجزة لا تنتهي ولا تندثر، تلك هي كتاب الله ﷿ القرآن، ومن أعظم معجزات القرآن صناعة الرجال، فالقرآن هو الذي بث هذه الروح في الرجال من أمثال قطز وصلاح الدين ويوسف بن تاشفين وخالد بن الوليد وغيرهم من قادة المسلمين.
والكتاب القرآن ما زال في أيدينا وسيبقى إلى يوم القيامة، فهو معين الأمة الذي لا ينضب، وسيخلق الله ﷿ للأمة دائمًا رجالًا في كل زمن يجددون لها الدين، ويبعثون في نفوس أبنائها الأمل، ويقودونها إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة، ويحققون وعد الله ﷿ الذي سطره في كتابه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور:٥٥].
وبعد إخواني في الله! انتهت قصة التتار، وانتهت قصة عين جالوت، ومات جنكيز خان وهولاكو لعنهما الله، وكذلك مات قطز والظاهر بيبرس رحمهما الله، ومات الجند الظالمون، ومات الجند المؤمنون، ومرت الأعوام والأعوام، والقرون والقرون، ولكن الذي بقي ولم ينته هو الدرس والعبرة، الذي بقي هو كلام رسول الله ﷺ: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)، الذي بقي هو السنة الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [آل عمران:١٦٠].
والله أسأل أن يجعل لنا في التاريخ عبرة.
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر:٤٤].
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
7 / 24