Doroos Al-Sheikh Hassan Abu Al-Ashbal
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
Genre-genre
تفسير قوله تعالى: (لله ما في السماوات وما في الأرض)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
آيات من كتاب الله ﷿ قد سمعناها في الركعة الأولى من صلاة المغرب، وهي الآيات الأخيرة من سورة البقرة، ومطلع هذه الآيات فيها إثبات الملك لله ﷿، يقول المولى ﷿: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [البقرة:٢٨٤] وكأن أصل السياق ما في السماوات وما في الأرض لله، ولكن الله ﷿ قدم شبه الجملة من الجار والمجرور، ثم أتى بأصل الجملة بعد ذلك ليدل على الحق، فقال: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [البقرة:٢٨٤]، ولم يقل: ما في السماوات وما في الأرض لله؛ ليدل على أن المالك الحقيقي هو الله ﷿، فإذا كان الله هو المالك الحقيقي للسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن فهو المستحق للعبادة وحده.
أما ملكية الخلق لما بين أيديهم فهي ملكية ناقصة، وأصل الملك أن يكون تامًا، فالملك التام لله ﷿ يتصرف في ملكه حيث شاء، ﴿لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد:٤١]، ﴿فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس:١٠٧]، أما المخلوق فهو مقيد الحرية، إذ ليست مطلقة في إنفاق المال، فلا يتصرف إلا بإرادة المولى ﷿، أو في أبواب قد أمره الله ﷿ بها، فلا يكون بعد هذا القيد أو هذه القيود حرًا.
والمالك الحقيقي حر في أن يتصرف فيما يملك، وأنت لست حرًا بل أنت عبد لله ﷿، كما أن الله ﵎ استخلفك وجعلك قائمًا على بعض ملكه ﷾، وقيد بقيود، وشرط عليك شروطًا لا تتعداها، فإن تعديتها فقد أعد لك عذابًا إليمًا.
وهذا السياق الموجود في الآية دل على أن المالك الحقيقي هو الله ﷿، استفدنا ذلك من الحصر الذي قدم فيه المولى ﷿ الجار والمجرور، وهو قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [البقرة:٢٨٤].
وهذا كقوله تباك وتعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥]، ولم يقل: نعبد إياك، ونستعين إياك فهذا السياق ليس فيه نوع من الحصر، فيجوز أن يكون المعنى: نعبد إياك وغيرك، ونستعين بك وبغيرك، أما معنى سياق الآية: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة:٥] أي: لا معبود بحق إلا أنت، وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] أي: لا يستعان بأحد إلا بك، فالاستعانة كلها لله ﷿ وبالله ﷿، كما أن العبادة لا تصرف إلا لله ﷿، فمن صرف شيئًا مما يجب صرفه لله ﷿ كان مشركًا بالله ﷿ في الشيء الذي صرفه لغيره ﷾.
ولذلك قال الله ﷿: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:٢٢]، ولم يقل: ورزقكم في السماء وما توعدون، ولكنه قدم الجار والمجرور في قوله: ﴿وَفِي السَّمَاءِ﴾ [الذاريات:٢٢]، لينفي أي شبهة تطرأ على ذهنك أن الرزق في الأرض؛ لأن هذا الرزق في خزائنه ﵎، وخزائنه في يده في السماء إن شاء أمسك وإن شاء منع.
فالسياق الذي في أول الآية: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [البقرة:٢٨٤]، فيه دليل على أن السماوات السبع والأرضين السبع ملك لله ﷿ بما فيها ومن فيها.
8 / 2