أما إذا أردت موقد الحرارة في هذا الجانب من شعره قوة وحيوية ومعنى فعليك بقراءة مقصورته التي عارض بها اللغوي الكبير ابن دريد وأنا أعتقد أن الأجدر بأن اعتمد على القارئ في مراجعتها فكل ما بها درر وشرر وبلاغة وفصاحة ولكني سأشير إلى شيء من ذلك معتمدا على أن يكون مصعدا لدخولك إلى أفقها الواسع.
يستهل الشاعر المقصورة بذكريات ربعه وإلفه ثم يعاتب البرق كيف يسقي الأرض ويشعل النار في قلب الإنسان.
سقيت أجراز البلاد فأرتوت ... ... ... وحظ قلبي منك الهاب الجذى
ثم يحاول ان يتخلص من هذا الحب ولكنه يرى أن ضلاله بهوى القوم هدى "ولكن له في المشيب رادعا فيحلل وسائل هذا الربع وسيلة وسيلة، إذ ليس من السهل أن يودع حبيبه إلى الأبد فيستمر على ذلك حتى يوقفك على حكم أصيلة في الحياة" فكن جلدا لا يهزك الدهر والقوي من لا يميل إلى هوى نفسه- ولكي تسلم صفاته التي تكاد أن تكون دستورا للأخلاق الحميدة فهو يعطش ولا يشرب على القذى ولا يقف موقف الذل:
أذود عن حريتي بحقها ... ... ... وأجهد النصر لحر مبتلي
وهو يثابر في طلب العلى لأنه لا يعرف حدا لنهايتها ولا يداجي الممالئ ولا يحابي المتملق لأنه:
مالي وجهان ولا ثلاثة ... ... ... إن لم أكن حلوا أكن مر الجنى
ويتجه إلى النصح فيورد كثيرا من ذلك وينتهي إلى وصف الظالم وتشنيع عمله فيعتقد أن سطوة الظالم للإسلام من حد الظبا ويندد بأولئك الذين يسخطون على الظالم دون أن يقاوموه:
ما تنفع الغيرة في مكمنها ... ... ... والسيف في قرابه لا ينتضي
ومن هنا يدخل نحو الاستنهاض والدعوة للحرية فيذكر بالماضي ويواجه بالواقع الذي يصفنا فيه بقوله:
أذل من وتد الحمار فيهم ... ... ... وقدرنا أقصر من ظفر القطار
فحتى متى نحن نطيعهم ونكون أدنابا لهم وإلى متى يمتد إلينا جورهم وتقضمنا أضراسهم فأين من ينصر الله وأين ذوو الغيرة فقد " اتسع الخرق على راقعه من يشعب الوهي ويرتق الثأي" إن هؤلاء المستعمرين:
تحكموا في ملككم ورزقكم ... ... ... وكبسوا البئر وقطعوا الرشا ضنوا عليكم بغذاء طفلكم ... ... ... وحسوة الماء ونفحة الصبا
Halaman 13