Kajian Falsafah Islam
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Genre-genre
هذا الوضع هو الذي دعانا، في حقيقة الأمر، إلى التفكير في علاقة الفلسفة بالموقف الحضاري لجيل محدد هو جيلنا. فنحن لا نتحدث عن أزمة كل العصور، فهذه لا وجود لها، أو عن الفلسفة العامة، فهذه أيضا لا وجود لها. هناك أبنية ذهنية ونفسية واجتماعية تظهر في كل عصر ولا يمكن تعميمها إلا بقدر عموم النفس الإنسانية وإطلاق العقل البشري. وهو في الحقيقة عموم لا يأتي إلا بعد خصوص، وعالم أذهان لا وجود له في الأعيان.
مما لا شك فيه أن الفلسفة في جامعاتنا وفي حياتنا العامة في أزمة. وجوهر هذه الأزمة أننا بعد أن أنشأنا جامعاتنا الحديثة منذ أكثر من نصف قرن - وجامعاتنا القديمة موجودة منذ أكثر من ألف عام - فإننا لا نستطيع القول بأن لدينا فلاسفة أو أننا أخرجنا فلسفة. وفي الحياة العامة بدأنا حركة الترجمة منذ أكثر من قرن ونصف منذ رجوع الطهطاوي، وتأسيس ديوان الحكمة الثاني؛ أعني مدرسة الألسن، ونحن حتى الآن ما زلنا نترجم، ونشكو من قلة الترجمات، بل إن مشروعنا القومي المتمثل حتى الآن في خطط دور النشر وبرامج وزارات الثقافة يتلخص في معظمه في مزيد من الترجمات. وحتى الآن لم تفعل هذه الترجمات فعلها، ولم تنتج عنها إبداعات، وكأن الترجمة غاية لا وسيلة، وكأن التحصيل هدف في ذاته. إننا ننتج، على أحسن تقدير، مؤلفات تعرض لمذاهب الآخرين اعتمادا على نصوص أصلية أو على دراسات ثانوية، فأصبحت الفلسفة لدينا تجميعا لأقوال، وعرضا لمذاهب، وشروحا على نصوص كما نفعل مع المتون القديمة، وكأننا استبدلنا متنا بمتن، والمحدثين بالقدماء، فإذا ما تحمس الكاتب والتزم فإنه يدافع عن المذهب المعروض ويهاجم خصومه في معركة ليس طرفا فيها، كاشفا بذلك عن موقفنا الحضاري الحالي الذي يتلخص في الخطابة والجدل، وليس في القياس والبرهان، في منطق الظن وليس في منطق اليقين. لقد تحول المفكرون لدينا إلى وكلاء حضاريين ممثلين لمذاهب غريبة في معظمها عن بيئتنا؛ نظرا لريادة الغرب وغزوه الثقافي وانتشاره خارج حدوده، على عكس الشرق الذي لم نجد له بيننا ممثلين لفلسفاته في الهند أو الصين كما كان الحال عند مفكرينا الأوائل مثل البيروني وغيره. وهذا واضح من وضع الفلسفة الشرقية في جامعاتنا وكيف أنها لا تعطى إلا في أضيق الحدود، واعتمادا على مؤلف شهير كتب استكمالا لتاريخ الفلسفة في الغرب.
1
وقد يبدو ما في هذا البحث مكررا لما هو موجود سلفا سواء في كتب أو بحوث، ولكن الإصرار على ضرورة المشروع الحضاري القومي هو رسالة لا بد من تبليغها في كل لقاء مع مفكرين يهمهم الأمر.
2
ثانيا: الموقف الحضاري وأبعاده الثلاثة
موقفنا الحضاري اليوم ذو أبعاد ثلاثة تعبر عن ضرورته، ولا حيلة لأحد فيها، ولا يمكن تغييرها ولا يمكن إغفالها، وإلا كانت الفلسفة بغير موضوع وبغير وطن؛ الأول: هو موقفنا من التراث القديم؛ وذلك لأننا مجتمع تراثي ما زال وعيه القومي مفتوحا على القدماء، وما زال القدماء يمثلون بالنسبة له سلطة يستشهد بها إذا ما نقصه الوعي النظري أو تحليل الظواهر. وما زالت تصوراتنا للعالم وموجهاتنا للسلوك مستمدة من التراث، لم تقم بيننا وبينه قطيعة، ولم تنشأ حركة نقد للتراث تضع تاريخنا الحديث في مرحلة جديدة. والثاني: موقفنا من التراث الغربي الذي بدأ يكون أحد الروافد الأساسية لوعينا القومي، وأحد مصادر المعرفة المباشرة لثقافتنا العلمية والوطنية . وقد كان الآخر باستمرار حاضرا في موقفنا الحضاري منذ قدماء اليونان حتى محدثي الغرب. لم تحدث بيننا وبينه قطيعة إلا في الحركة السلفية، ولم تقم حركة نقد له إلا في أقل الحدود وبمنهج الخطابة أو الجدل، دون منهج النقد ومنطق البرهان.
والثالث: موقفنا من الواقع الذي نعيش فيه والذي نحتويه في شعورنا عن وعي أو عن لا وعي. وقد يكون هو الباعث على المعرفة، والموجه للاختيار. وقد يكون أحيانا هو المصدر الوحيد للمعرفة بالإدراك الحسي المباشر أو التنظير العقلي المباشر؛ وذلك أن الموقفين الأولين موقفان حضاريان بالمعنى الحرفي للكلمة، أي إنهما يتعاملان مع ثقافات مدونة في الغالب، ويغلب عليهما منهج النقل بصرف النظر عن مصدره: النقل من القدماء أو النقل عن المحدثين. في حين أن الموقف الثالث وحده هو الذي يتعامل مع مادة المعرفة «الخام» دون إدراك مسبق أو تنظير جاهز سواء من القدماء أو من المحدثين. وعادة ما يكون هذا الموقف الحضاري المثلث الأبعاد غير متوازن، ويكون حضور أبعاده فيه غير متكافئ؛ فقد يتركز أساسا على الموقف من التراث القديم ومن هنا تنشأ ثقافتنا الدينية وحركاتنا السلفية وتعليمنا التقليدي ونظمنا المحافظة؛ اقتناعا وإيمانا، أو نفاقا وتعمية عما يدور في الواقع بالفعل. وقد يرتكز على الموقف من التراث الغربي، ومنه تنشأ ثقافتنا العلمية العلمانية وحركاتنا الإصلاحية والتحديثية وتعليمنا العصري ونظمنا الحديثة؛ اقتناعا وإيمانا، أو دفاعا عن مصالح الحكام. وقد يرتكز الموقف الحضاري على البعد الثالث، أي الواقع ذاته، ومنه تنشأ ثقافتنا الشعبية وحركات التغير الاجتماعي، ومنه خرجت ثوراتنا الأخيرة. هذا الاتزان المفقود في الموقف الحضاري هو الذي يسبب فقدان وحدة الشخصية ويجعلنا نعيش في «فصام نكد» فتتضارب الثقافات ومناهج التعليم والمذاهب السياسية، ويقضى على الوحدة الوطنية في الممارسة، وعلى الشخصية القومية في النظر. وقد تتداخل هذه الأبعاد الثلاثة فيما بينها دون هذا الفصل الافتراضي المجرد؛ فقد يكون للوعي الفردي موقف إيجابي من التراث القديم يسبب موقفا آخر سلبيا من التراث الغربي، وقد يكون هناك موقف إيجابي من التراث الغربي يسبب موقفا آخر سلبيا من التراث القديم. وعادة ما يكون هذان الموقفان المتعارضان سلبيين بالنسبة للواقع؛ لأن المدخل الحضاري يكون بديلا عن الواقع المعيش، وكأن المعركة في الكتب وليست بين الناس. أما الذي يأخذ موقفا إيجابيا واعيا من الواقع فإنه يكون في العادة إيجابيا في موقفيه الحضاريين الأولين منتقيا ما يفيده منهما، فالأولوية للمصلحة على الكتاب، وللناس على الثقافة، وللحياة على الحضارة.
ثالثا: أزمة الموقف الحضاري
تتجلى أزمة الموقف الحضاري في موقفنا من كل بعد فيه، سواء كان التراث القديم، أو التراث الغربي، أو الواقع المعيش للناس. (1)
Halaman tidak diketahui