Kajian Falsafah Barat
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genre-genre
فيورباخ والهيجليون الشبان:
بالرغم من أن موضوع الاغتراب قد تناوله الكتاب والشعراء الرومانسيون مثل روسو (1713-1778م) وجوته (1749-1832م) وشيلر (1759-1805م) إلا أنه لم يصبح مفهوما فلسفيا إلا عند فشته (1762-1814م). فاغتراب الأنا لديه هو خلقها لعالم مجرد لا حياة فيه ولا صراع، ثم عند هيجل خاصة في أعمال الشباب اللاهوتية، حيث كان اغترابا دينيا طبقا للتصورات المسيحية؛ الخطيئة والسقوط والطرد والحرمان.
ولكنه أصبح مفهوما رئيسيا لدى الهيجليين الشبان؛ شتراوس (1808-1874م) وباور (1792-1882م) وفيورباخ (1804-1872م)، وشترنر (1806-1856م) بمعنى اغتراب الشعور أو العقل أولا، ثم عند ماركس وأنجلز بمعنى الاغتراب الاجتماعي، اغتراب العامل عن عمله، وغربة الإنسان عما ينتج في المجتمع الرأسمالي. وهو المعنى الذي كان سائدا في كتابات الليبراليين الألمان وفلاسفة التنوير نتيجة لضياع الشخصية الإنسانية في علاقات الملكية الاجتماعية. فالاغتراب، بصرف النظر عن معانيه القانونية والطبية والنفسية، يتأرجح بين المعنيين الديني والاجتماعي؛ لذلك جعل الهيجليون الشبان نقد الدين مقدمة لنقد المجتمع. والنقد هنا لا يعني الهدم أو التجريح بل يعني بيان الإمكانيات والوظائف التي يقوم بها الذهن البشري في إدراكه للعالم وتصوره له (فالهيجليون كلهم في نهاية الأمر تلاميذ كانط وشارحو فلسفته النقدية).
ويبدو أن البناء الفلسفي الثلاثي الأبدي قد تحكم أيضا في الهيجليين الشبان. فإذا كانت المذاهب الفلسفية ثلاثة؛ المثالية والواقعية والوجودية أو الفكر والواقع والوجود الإنساني، فالموضوعات الفلسفية ثلاثة؛ الله والعالم والإنسان، فقد ظهر هذا البناء في تاريخ الفكر البشري في كل حضارة. فعند اليونان ظهر أفلاطون وأرسطو وسقراط. وفي الفلسفة المسيحية ظهر القديس بونافنتير والقديس توما الأكويني والقديس أوغسطين (بصرف النظر عن الترتيب الزماني). وفي الفلسفة الأوروبية ظهرت المثالية عند العقليين والواقعية عند التجريبيين والوجودية عند الوجوديين. كما ظهر عند الهيجليين الشبان باور، وفيورباخ، وشترنر. فقد ركز باور على الجانب العقلي المثالي والوعي الذاتي كما اتجه فيورباج نحو الطبيعة والواقع العيني ثم لجأ شترنر إلى الوجود الإنساني، الواحد وصفاته. يمثل الهيجليون الشبان أو اليسار الهيجلي وحدة فكرية، ونسقا واحدا، منذ بدايتهم عند شتراوس أو مركزهم عند باور وفيورباخ وشترنر أو نهايتهم عند ماركس وأنجلز.
ويمثل الهيجليون الشبان بالنسبة لنا أهمية خاصة؛ ففي فكرنا العربي المعاصر قفزنا من هيجل إلى ماركس دون المرور بهذه المرحلة الانتقالية التي يمثلها الهيجليون اليساريون، وهي مرحلة التحول من الفكر إلى الواقع، دون نقد الدين كما فعل فيورباخ أو نقد الفكر كما فعل باور أو نقد الأنا كما فعل شترنر، وكأن النقد الاجتماعي عند ماركس وأنجلز ما هو إلا حصيلة مجهود طويل في نقد الأسس النظرية للبناء الاجتماعي في الدين والفكر والشعور. ما زلنا في فكرنا العربي المعاصر متأرجحين بين هيجل وماركس، بين المثالية والواقعية دون الانتقال من أحدهما إلى الآخر على نحو طبيعي. وأغفلنا التاريخ وحركته لغياب البعد التاريخي في وجداننا المعاصر؛ لذلك لم نصبح لا هيجليين ولا ماركسيين، وأصبح الاختيار بينهما عشوائيا صرفا يتم عن طريق المزاج والتربية دون تحليل للواقع المباشر، والتعرف على اللحظة التاريخية التي نمر بها. إن اكتشاف الهيجليين الشبان باور وفيورباخ وشترنر في جيلنا هو في الوقت نفسه اكتشاف للحلقة المفقودة في تطورنا ، وتأصيل لما نحاوله منذ فجر نهضتنا القومية من تقدم ونهضة وازدهار، وكأن مأساتنا كانت في فقد الحلقات المتوسطة التي تربط بين الأطراف المتباعدة من أجل نظرة تكاملية. وهو ما قام به تراثنا القديم بمحاولته الجمع بين رأيي الحكيمين؛ أفلاطون الإلهي وأرسطاطاليس الحكيم.
1
كان فيورباخ بحق، وعلى ما يقول ماركس «قناة النار» كما يدل عليه اشتقاق الاسم «
Feuer, Feurbach = نار،
Bach = قناة» يتطهر من خلالها كل فيلسوف يريد الانتقال من المثالية إلى الواقعية، ولكن للأسف انتقل البعض منا إلى الماركسية دون أن يتطهر في «قناة النار»؛ ومن ثم تحولت الماركسية إما إلى دجماطيقية من داخلها أو عارضتها الدجماطيقية من خارجها ومنعتها من إحداث الأثر التنويري في أذهان الناس. إن المجتمع النامي الناهض الذي ينتقل من القديم إلى الجديد، ومن التسليم إلى التفكير، ومن الموروث إلى النقد في حاجة إلى تنوير أكثر مما هو في حاجة إلى تثوير؛ فالتنوير شرط التثوير، والتثوير بلا تنوير مجرد تغير اجتماعي أو انقلاب في الأوضاع تحدثه السلطة القائمة في المجتمع ويتغير بتغير السلطة؛ فهو تغير اجتماعي يقوم على أساس نظري متخلف، ولا بقاء له إلا ببقاء السلطة الضامنة له؛ وبالتالي يظل خارجيا لا يحدث أثرا فعليا لا يخلقه وعي ولا يخلق هو وعيا.
إن نقد ماركس للهيجليين اليساريين نشأ بعد أن تمثل الوعي الأوروبي كل القيم الليبرالية في القرن الثامن عشر وحدثت الثورة الفرنسية بشعاراتها الثلاث؛ الحرية والإخاء والمساواة. تصور الهيجليون الشبان أن الأيديولوجية يمكن أن تظل العامل الأول لتحقيق الأهداف القومية مثل الوحدة الألمانية، تحرر الأقليات المضطهدة (اليهود)، إعادة بناء المواطن؛ وبالتالي يمثل نقد ماركس للهيجليين اليساريين تقدما بالنسبة لليبرالية وذلك بعبارته المشهورة: «إن الحزب البروليتاري هو الوريث الوحيد للأفكار.» وذلك لأن أفكار الحرية والعدالة والمساواة والوعي الذاتي والفردية لا تحدث بذاتها تغييرا اجتماعيا دون عمل جماعي يحققها بالفعل. فالحزب البروليتاري هو الذي سيربط الجرس في رقبة القط أي أنه هو الذي سيحقق بالفعل هذه الأفكار في الواقع العملي. (أما بالنسبة لنا فإننا لم نتمثل الليبرالية بعد، ولم نتحقق بمثلها، ولم تحدث الأفكار الأثر المرجو في نهضتنا المعاصرة. لم تحدث لدينا ثورة فرنسية قامت على أكتاف المفكرين الأحرار بل قامت ثوراتنا على أيدي الضباط الأحرار فحدث تغير في الهيكل الاجتماعي دون إحداث تغيير مواز في البناء الفوقي، مما أدى إلى انتكاس معظمها؛ ومن ثم فإن نقد ماركس للهيجليين الشبان يصبح غير ذي موضوع بالنسبة لجيلنا الحالي. ويظل الهيجليون الشبان بالنسبة لجيلنا يعبرون عن لحظتنا التاريخية الراهنة في التحديث وإقامة أسس النهضة.)
Halaman tidak diketahui