Kajian Falsafah Barat
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genre-genre
خامسا: المراحل الثلاث لتطور
البشرية
مهمة «العلم الجديد» دراسة التاريخ في الزمان ومعرفة تطور الشعوب والأمم. فكل أمة تنهض وتتطور وتنضج ثم تنهار وتسقط. ويجعل فيكو هذه المراحل كلها في ثلاث هي عصور كل شعب وأعمار كل أمة؛ عصر الآلهة، وعصر الأبطال، وعصر البشر. ولا يفرد فيكو قسما خاصا من العلم الجديد لعرض هذا القانون بل يذكره في «فكرة الكتاب» ثم يطبقه في الكتابين الرابع والخامس. والحقيقة أن هذا القانون ليس من اكتشافات فيكو بل هو من وضع المصريين كما يصرح فيكو نفسه بذلك عشرات المرات، واستعمله المصريون لشرح تاريخ العالم قبلهم إذ كانوا يمثلون قمة الحضارة البشرية، ويدلل فيكو في البداية على صدق هذا القانون بوصفه لتطور أربعة أشياء؛ نظم الحكم واللغات والطبائع والقوانين. ففي عصر الآلهة يعيش الناس في ظل حكومة إلهية تضع كل شيء تحت رعايتها ووصايتها، وهي أقدم النظم في التاريخ القديم. وفي عصر الأبطال تسود الأرستقراطية بدعوى تفوق النبلاء الطبيعي على الدهماء. وفي عصر البشر يصبح البشر جميعا متساوين في الطبيعة، وتقوم نظم سياسية شعبية وملكيات وحكومات إنسانية.
وفي مقابل هذه الحكومات الثلاث هناك لغات ثلاث تكون هي لغة العلم؛ أولا: لغة عصر الأسر عندما بدأت الشعوب الأولى تدخل الإنسانية، وهي لغة صامتة، مجرد علامات وأشياء طبيعية لها صلة بالأفكار والرغبات التي يراد التعبير عنها. ثانيا: اللغة الصوتية بواسطة شعارات الأبطال ومشابهاتهم ومقارناتهم وصورهم واستعاراتهم في عصر الأبطال. ثالثا: اللغة الإنسانية وهي لغة اتفاقية بين الشعب في عصر النظم الشعبية والملكية يتحدث بها الخاصة والعامة، النخبة والدهماء. وهي اللغات الثلاث التي تحدث بها المصريون؛ اللغة الهيروغليفية، لغة الدين والسحر؛ واللغة الرمزية لغة الأبطال؛ ولغة الرسائل أو الدهماء في الحياة اليومية. وهي نفس اللغات الموجودة عند الكلدانيين والجرمان وكل الشعوب القديمة. وقد عاشت اللغة الهيروغليفية مدة طويلة نظرا لإحاطة مصر بالأعداء والغرباء مما دعا المصريين إلى التمسك بلغتهم دفاعا عن النفس، وإحساسا بالعزة والفخر، وتمسكا بالاستقلال، وحرصا على الكرامة الوطنية، وكما هو الحال أيضا في الصين بالنسبة للغة الصينية. اللغة الإلهية تكون عن طريق الحركات الساكنة أو الاحتفالات ثم تكون بطولية بالسلاح والحرب وأخيرا لغوية بالحروف وهو ما تستعمله جميع الشعوب اليوم. والحروف أيضا تبدأ هيروغليفية ثم تصبح بطولية عن طريق الخيال لكي تصبح في النهاية إنسانية شعبية عن طريق الكلمات.
ويكشف تطور اللغة والحروف عن تطور الطبيعة البشرية ذاتها وأن اللغة تمثل بدايات التعبير عند الشعراء، فتبدأ الطبيعة خيالية ثم بطولية ثم إنسانية عاقلة متواضعة تعترف بقوانين الشعور والعقل والواجب والأخلاق.
ويقابل ذلك ثلاثة قوانين: اللاهوت الصوفي عندما كانت الآلهة تقود الشعوب، وكان حكامها الشعراء اللاهوتيون الذين عبروا في أشعارهم عن النبوءات والمعجزات. والقانون البطولي الذي يقوم على المساواة المدنية أو أسباب الدولة. فقد ظن الأبطال أن عليهم تقنين سلوك البشر والتفرقة بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن، وهو ما يظهر في مجموع الوصايا والقوانين. وأخيرا القانون القائم على المساواة الطبيعية في نظم الحكم الحرة حيث يكون القانون عاما وشاملا. فالقانون الطبيعي يكون إلهيا أولا ثم بطوليا ثانيا يعتمد على قانون القوة تحت سلطة الدين، وإنسانيا ثالثا يعتمد على العقل.
وعرض فيكو للعادات والفقه والسلطة والعقل والأحكام وعصور التاريخ ذاتها مبينا المراحل الثلاث في كل إبداع إنساني. فالعادات تبدأ دينية ثم تصبح بطولية وتنتهي بأن لكل إنسان إحساسا بالواجب طبقا لحسه المدني الطبيعي. وإن الفقه يبدأ إلهيا في اللاهوت الصوفي أي علم الكلام الإلهي لفهم الأسرار الإلهية، ثم يصبح فقها بطوليا كما هو الحال في الحكمة. وينتهي أخيرا إلى فقه إنساني يأخذ الحقائق من الواقع نفسه، ويصاغ القانون طبقا لمقتضيات المساواة ونظام الحكم الشعبي الحر حتى ولو كان ملكيا لأن الملكية نظام إنساني. والسلطة تبدأ معتمدة على العناية الإلهية وتقوم على الملكية الخاصة ثم تصبح بطولية تقوم على القانون وأخيرا إنسانية تقوم على الثقة في ذوي الخبرات وعلى الحكمة والحيطة في الأمور العملية والحكمة الرفيعة في الأمور السامية. والعقل ذاته يبدأ إلهيا ثم يصبح عقل الدولة ثم يصير في النهاية العقل الطبيعي. والأحكام التي تصدرها تكون أولا إلهية طبيعية ثم تصبح أحكاما عادية وأخيرا تصير إنسانية طبقا لمقتضيات الواقع وإلزامات الضمير، والمساواة بين البشر في النافع بالإضافة إلى التواضع الطبيعي وحسن النية.
ويدلل فيكو على المراحل الثلاث بمزيد من البراهين المستمدة من التطور الزماني والسياسي؛ فالعصور نفسها تبدأ إلهية تحت حكم الدين ثم حكم المدن وأخيرا يظهر الإنسان الطبيعي بتواضعه وعقله والقانون الطبيعي. وتطور النظم الأرستقراطية ذاتها من حراسة الحدود إلى حراسة النظم والمؤسسات إلى حراسة القوانين. كما تتطور النظم الدستورية من الأثقل إلى الأخف فيتم تخفيف العقوبات، وتمحي الحروب تدريجيا ويعم السلام بين الشعوب. فالتطور يسير نحو الإنسانية. والحقيقة أن المراحل الثلاث كلها تعبر عن ثلاثة معاني للإنسان، الإنسان الإلهي والإنسان البطولي والإنسان الإنساني. الإنسان يعني الإلهية أو البطولية أو الإنسانية. فقد يكون البطل والإنسان في مقابل الله، وقد يكون الإنسان في مقابل الله والبطل. الإنسان هو ما يصبحه الإنسان في المرحلة الثالثة.
ولكن لكل شعب أكثر من دورة وهو ما يسميه فيكو المسار الثاني للشعوب ويعرض له في الكتاب الخامس. فالإنسانية بين مد وجزر. تكون الدورة الأولى طبيعية، وتكون الدورة الثانية تاريخا. الدورة الأولى حكم والثانية نقض وإبرام! فالمسار الأول ليس له الكلمة الأخيرة لأن تاريخ العالم له الكلمة الأخيرة؛ فتاريخ العالم هو الحكم النهائي والقضاء أخيرا كما هو الحال في عبارة هيجل المشهورة
Welt Geschichte ist Weltgericht . فالمرحلة الأخيرة عند كل شعب لا تدوم إذ لا يلبث الفناء أن يدب إليها، فالترف وحب المال وسيادة الأنانية كل ذلك يسبب ظهور الطبقات الاجتماعية وإفساد النظم السياسية، ولا يقوى المجتمع حينئذ أمام الغزوات الخارجية فينهزم ويعود إلى حالة التوحش والبربرية، ولكنه لا يبدأ من حيث انتهى بل يستفيد من تجاربه السابقة، ويبدأ من نقطة أكثر تقدما من النقطة الأولى التي بدأ منها أولا؛ وبالتالي يكون التقدم عند فيكو دائريا ومستقيما في آن واحد، وهو التصور الحلزوني لتقدم التاريخ، أي التصور الدائري الصاعد إلى أعلى يجمع بين الدائرة والخط، وتعود كل المؤسسات والنظم والعادات والتقاليد واللغات والقوانين تأخذ دوراتها الثلاث من جديد، ولكن هذه المرة تكون المرحلة الإلهية أقصر من الدورة الأولى، وتكون المرحلة البطولية أطول من الدورة الأولى ، وتكون المرحلة الإنسانية أطول بكثير من المرحلة الأولى. ولا يتساءل فيكو: وبعد الدورات الثالثة والرابعة والخامسة ... إلخ هل يمكن أن تتقلص المرحلة الإلهية إلى الصفر، والمرحلة البطولية إلى أصغر مدة ممكنة وتمتد المرحلة الإنسانية كل الوقت؟ أو هل يمكن أن تتقلص المرحلتان الإلهية والبطولية وأن تعيش الإنسانية مرحلة الإنسانية إلى نهاية الزمان؟ يبدو أن المراحل الثلاث ضرورية وحتمية وأنها في كل دورة تبقى في النوع، ويكون الخلاف فقط في طول المدة أو قصرها.
Halaman tidak diketahui