Kajian Falsafah Barat
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genre-genre
رابعا: الحكمة الشعرية
وتعبير «الحكمة الشعرية» هو أكثر التعبيرات استعمالا عند فيكو، وعنوان الكتاب الثاني وهو أطول الكتب في أقسام كتاب «العلم الجديد»؛ وبالتالي يكون الكتاب الأول عن «إقامة المبادئ» مجرد تمهيد له، ويكون الكتاب الثالث عن «اكتشاف هوميروس الحقيقي» تكملة له، والرابع والخامس عن مسار الشعوب في دورتها الأولى ثم الثانية عندما تنهض من جديد مجرد تطبيق للحكمة الشعرية مرة ثانية في دورات الحضارات المتتابعة؛ فقد بدأت البشرية بالشعر، فكان شعراؤها هم حكماؤها وعلماؤها ومشرعوها، لم يكن هوميروس والتراجيديون اليونان مجرد شعراء أو أدباء فقط بل كانوا أصحاب معرفة ودين وأخلاق وسلوك وإرشادات للحياة العملية، بل كانوا أيضا واضعي قوانين. فكل مدينة يونانية أسسها إما مشرع أو بطل. لم يخلق الشعراء العالم كما خلقه الله ولكنهم خلقوه بالخيال، واللفظ اليوناني
مشتق من فعل
أي يفعل أو يخلق؛ فالشعر يمثل بدايات الفن والعلم والميتافيزيقا والمنطق والأخلاق والاقتصاد والطبيعة والكونيات والفلك والتواريخ والجغرافيا. يقول فيكو إنه في هذا الكتاب الثاني سيبين كيف استطاع مؤسسو الإنسانية الأولى بالاعتماد على اللاهوت الطبيعي (الميتافيزيقا) تخيل الآلهة، وبالنطق اختراع اللغات، وبالأخلاق حلق الأبطال، وبالاقتصاد إقامة الأسر، وبالسياسة المدن، وبالطبيعة بدايات الأشياء وكأنها إلهية، وبفيزيقا الإنسان خلقوا أنفسهم، وبالكونيات تصوروا لأنفسهم عالما مملوءا بالآلهة، وبالفلك نقلوا الكواكب والأفلاك من الأرض إلى السماء، وبالتواريخ أعطوا أوقاتا للبدايات، وبالجغرافيا استطاع اليونان وصف العالم كله ابتداء من اليونان. فكل مظاهر الحضارة من اختراع الإنسان، والبشرية خالقة لذاتها على ما يقول فيورباخ فيما بعد. وإن العلم ذاته الذي يزهو به الناس على أنه صورة للطبيعة هو أيضا من اختراع الإنسان، وإن بيكون كان نبي العلم في العصر الثاني للبشرية، ومشروعه الضخم «الإصلاح العظيم» لم ينشر منه إلا «تقدم العلم» و«الأورجانون الجديد»، أكبر إنجاز للقرن السابع عشر. وعلى منواله صاغ فيكو «العلم الجديد» في القرن الثامن عشر، ولكن الفرق أن بيكون أراد العلم الآن في صورته الكاملة وفيكو أراد وصف نشأته وتطوره واكتماله، فالعلم يبدأ حيث يبدأ موضوعه.
والحكمة موجودة لدى كل الشعوب في أساطيرها وقصصها؛ فكل قصص الشعوب لها بدايات أسطورية. وكان الشعر هو لغة التعبير عن هذه الحكمة. فأول الحكماء عند اليونان هم الشعراء اللاهوتيون. ثم بعد ذلك قدم اليونان أنفسهم من خلال الفلسفة، ولكن المصريين قدموا أنفسهم من خلال اللاهوت الطبيعي (الميتافيزيقا). وكل شيء يولد يكشف عن البدايات، والبدايات لدى الشعوب ولدى من من خلالهم تخلد الشعوب ذواتها أي الشعراء وهم الحكماء والعلماء.
ويشترك اليونان والمصريون في خمسة أشياء؛ احترام الدين فقد تأسست الشعوب الوثنية بأساطير حول الدين، اعتبار النظام المدني مستمدا من حكمة تفوق قدرة الإنسان، بحث الفلاسفة عن أشياء مدعاة للتأمل والتفلسف، إيجاد وسائل التعبير عن فلسفاتهم في الألفاظ والتعبيرات التي تركها الشعراء لهم، وأخيرا التأكيد على هذه التأملات في الحكمة والدين. وهذه الأشياء الخمسة تؤكد أهمية الحكمة الإلهية كما تؤكد أهمية التفلسف. ولما كانت الفلسفة تأملات في الشعر وكان الشعر تأملات في الدين كان الشعر هو القاسم المشترك بين الفلسفة والدين. كما يدل على أن البشرية بدأت بالدين ثم بالفلسفة، وهذا كله تشمله الحكمة، ولما كان العقل لا يتفلسف إلا بعد حصول شيء في الحس كما هو الحال عند أرسطو من القدماء وعند هوسرل أيضا والمدرسة الحسية من المحدثين، كانت الفلسفة تالية للشعر وللدين.
والحكمة أم العلوم. وهي ملكة يصدر عنها كل إبداعات البشر من علوم وفنون تصنع الإنسانية، فالإنسان ذهن وروح، عقل وإرادة، وكلاهما واجهتان للحكمة، وعن طريق العقل تسيطر الحكمة على الإرادة لصالح الإنسان. ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا في نظم فإن الحكمة أيضا هي التي تنظم علاقة الإنسان بالله. وأفضل النظم ما كان حقا لخير الإنسانية، وهي النظم الدينية التي توجه النظم العلمانية عن طريق الحكمة. الحكمة بلغة هوميروس هي معرفة الخير والشر أو التنبؤ بالمستقبل؛ لذلك يعتبر الشعراء اللاهوتيون هم الذين أسسوا الحكمة القديمة؛ لذلك سموا «أساتذة الحكمة»، بعد ذلك أعطيت الحكمة للناس وشاعت بينهم فظهرت عند الحكماء السبعة ثم عند الفضلاء من الناس لإدارة فن الحكم. وفي كل الحالات يظل معنى الحكمة هو معرفة الأشياء الطبيعية الإلهية أي الميتافيزيقا، معرفة ذهن الإنسان في الله، فالله مصدر الحقيقة ومشرع الخير. الميتافيزيقا إذن علم يهدف إلى تحقيق صالح البشرية التي تقوم على الإيمان الشامل بالعناية الإلهية.
ولا يفرق فيكو في ذلك بين الدين الوثني ودين العبرانيين والمسيحيين على الرغم من وضعه للدينين على مستويين مختلفين. فإذا كانت ربات الفنون
Muses
هي التي أسست الدين الوثني فإن الله هو الذي أسس الدين الحقيقي للعبرانيين وللمسيحيين الذين يسمون الحكمة العلم بالأشياء الأبدية التي يوحيها الله. هناك إذن ثلاثة أنواع من اللاهوت؛ اللاهوت الشعري وهو الشعر المدني لدى الشعوب الوثنية، واللاهوت الطبيعي عند الميتافيزيقيين، ثم اللاهوت المسيحي وهو خليط بين الاثنين بالإضافة إلى اللاهوت الموحى به. وقد ظهرت العناية الإلهية في الأنواع الثلاثة كقاسم مشترك لقيادة البشرية وتوجيهها وكما هو الحال أيضا عند هردر ولسنج. وذلك لأن فيكو يقسم البشرية إلى نوعين؛ الوثنيون وهم العمالقة من جنس حام ويافث وسام الذين رفضوا دين نوح أبيهم المشترك وعاشوا على الطبيعة بعد الطوفان وانقسموا إلى نبلاء مستغلين وعبيد يفلحون الأرض، والعبرانيون الذين قبلوا دين نوح واحتفظوا بوضعهم الأول، وهو الوضع الإنساني الأخير الذي عادت إليه بعد ذلك سلالة العمالقة.
Halaman tidak diketahui