Kajian Falsafah Barat
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genre-genre
2
وفي تراثنا القديم قامت الدولة الأموية في بدايتها أيضا باضطهاد المعارضة، ولما كانت الدولة والمعارضة على حد سواء تقومان على أسس فكرية، فقد أفرزت كل منهما الفكر الذي يؤيدها. فخرج الفكر السني لتأييد الدولة، وخرج الفكر الشيعي لمعارضة الدولة. كما نشأت فرق المعارضة من داخل أهل السنة مثل المعتزلة والخوارج للمقاومة من الداخل وبنفس السلاح النظري، واعتمدت الدولة على سلطة الفقهاء لتبرير سلطتها ولحمايتها من هجمات المعارضة حتى أصبح الفقهاء يكونون السلطة في تراثنا القديم منذ المعتزلة الأوائل: معبد الجهني، وغيلان الدمشقي، وعمرو بن عبيد، حتى آخر الفلاسفة: ابن رشد، وإحراق كتبه في ميدان قرطبة. فهم - الفقهاء - الذين كانت لهم القوامة على الفكر، يصيغون العقائد، ويميزون بين الصحيح منها والباطل، يتمثلون الصحيح، ويتهمون المعارضة بالكفر والزندقة، يدفعهم في ذلك حرصهم على تراث الأمة ودينها، ومقاومتهم للغزو الثقافي الخارجي في أحسن الأحوال أو تدعيمهم للنظام القائم وتنصيبهم فقهاء السلطان، يأخذون الثمن، ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا في أسوأ الأحوال. في كلتا الحالتين، وضعوا النقل، باعتباره سلطة الدولة وسلطة الدين، في مواجهة العقل باعتباره آلة الكفر وسلاح المعارضة، والأنا في مواجهة الغير، والداخل في مواجهة الخارج، تقوقعا على الذات، وحماية النفس، وكانت النتيجة أن ساد تيار واحد هو تيار الأشاعرة في كل العلوم الدينية: علم أصول الدين وعلم أصول الفقه بل وفي علوم الحكمة وعلوم التصوف، واضطهدت جميع الفرق الأخرى فذبح الجعد بن درهم بعد صلاة الجمعة، وصلب الحلاج، وقتل السهروردي، وصدرت الفتاوى بتحريم الفكر والنظر وأشهرها فتاوى ابن صلاح في تحريم الاشتغال بالمنطق والفلسفة.
ولكن تحيا الفلسفة بمقاومة العقل للسلطة وبتمسكها بحرية الفكر، وبحقها في البحث والنظر وطلب الحجة والبرهان. تحيا الفلسفة بحرية الفكر وبالإعلاء من شأن العقل واعتباره هو السلطان الأوحد على كل شيء. العقل هو وسيلة التحليل، وإدراك الواقع، وفهم الظواهر، والحوار مع الآخرين، وقبول الحقائق والبرهنة عليها، والدفاع عنها، ويشهد التاريخ على ذلك. فالفلسفة اليونانية - هذا الإبداع الذي لا مثيل له في الفكر البشري - قد قامت بفضل العقل، واستعماله وتوجهه نحو الطبيعة كما هو الحال عند الطبائعيين الأوائل وأرسطو، أو نحو المثال كما هو الحال عند سقراط والمدارس الأخلاقية بعد أرسطو في حرية تامة دون إرهاب أو طغيان. بل إن سقراط قد انتصر في نهاية الأمر على قضاته وعلى ممثلي الشعب في أثينا، وبقي في التاريخ رائدا من رواد حرية الفكر، والحوار مع التلاميذ والمناقشة العامة في الأسواق. فحرية الفكر هي الباقية ضد التسلط، وأحرار الفكر هم المساهمون في تقدم البشر وحركة التاريخ ضد حكم الطغاة.
كما حييت الفلسفة على يد الهراطقة وإن لم يظهر ذلك على السطح نظرا لطغيان آباء الكنيسة الأوائل. بل ساهموا في تكوين العقيدة المسيحية في قلوب الناس وفي روح التاريخ أكثر مما ساهمت صياغات الكنيسة النظرية التي بقيت في ثنايا الكتب وفي ملخصات العقائد كمهنة في المعاهد الدينية. وبقيت تتخمر حتى عادت للظهور من جديد لدى الموحدين
Unitarians
والعقليين وأصحاب مذهب التقوى
ودعاة الحرية، وما جان بول سارتر إلا بلاجيوس من جديد. كما حييت الفلسفة على يد الفلاسفة العقليين في العصر الوسيط وفي مقدمتهم أبيلار الذي جعل عصر النهضة ممكنا بعد التأكيد على سلطة العقل في مواجهة سلطة الموروث القديم. ولقد حييت الفلسفة بالفعل في عصر النهضة عندما انتقل الفكر من السلطة إلى العقل، ومن التقاليد إلى التحرر، ومن الكتاب إلى الطبيعة، ومن «قال أرسطو» إلى برهان العقل؛ وبالتالي يمثل عصر النهضة عصرا فلسفيا بالأصالة لأنه تتمثل فيه الثورة على القدماء من أجل اكتشاف الطبيعة والثقة بالمعرفة الإنسانية. واستمرت الفلسفة في حياتها بتأكيد العقل لذاته في القرن السابع عشر وسيادة العقلانية كتيار أساسي في الحياة العامة. ثم بلغت قمة إحساسها بالحياة وبفورة الشباب في القرن الثامن عشر على يد المفكرين الأحرار الذين أنهوا بقايا السلطتين الدينية والسياسية من أجل «شنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس» كما يقول فولتير، وكان آخر انتصارات العقل والعلم ضد السلطة نظرية التطور في القرن الماضي بفضل دارون، وأصبح دفاع السلطة الدينية عن نفسها ضد العقل والعلم مجرد شهادة للتاريخ على المحافظة على الموروث القديم . وفي تراثنا القديم تصدى أوائل المعتزلة للسلطة الأموية وضد نظريات الجبر التي أفرزتها. وظلوا يحملون لواء الفكر الحر على مدى قرنين من الزمان حتى أصيبوا بمحنة الاضطهاد. كما قاوم أئمة آل البيت بعقائدهم، وقاوم الخوارج أيضا بنظرياتهم وكونوا دولهم التي عاش البعض منها حتى الآن، وما زلنا نحن منذ فجر النهضة الحديثة نجاهد من أجل الفكر ننجح مرة ونتعثر مرات.
3
إن موت الفلسفة وحياتها دورتان مستمرتان تتحركان بعلاقة الفلسفة بالسلطة، ففي نفس الوقت الذي تموت فيه الفلسفة ظاهريا في المجتمعات التسلطية يتحول الفكر من الصوت المكتوم في النفس عند الفرد إلى الفعل الجماعي السري عند الجماعة. وينقلب من فكر المضطهدين إلى فكر المناهضين. ولا تلبث اتجاهات المعارضة والأحزاب السرية حتى تنقض على السلطة سواء في انفجارات شعبية أو في انقلابات عسكرية، فيتحول المجتمع كله من مجتمع تسلط إلى مجتمع حرية. وقد لا يمنع ذلك من أن تمارس السلطة الجديدة بعض أساليب القمع ضد حلفاء الأمس الذين دخلوا جميعا في البداية على قدم المساواة في جبهة وطنية واحدة ضد التسلط والقهر، فتستأثر بالسلطة بمفردها. وهنا تنشأ جماعات سرية أخرى لمناهضة السلطة الجديدة. وهكذا تحمل السلطة مقومات فنائها، وكأن الحرية الفكرية إذا ما تحولت إلى سلطة سياسية حافظت على السلطة أكثر مما تحافظ على نفسها وبالتالي تتحول إلى نقيضها.
رابعا: الفلسفة والمذهب
Halaman tidak diketahui