Kajian Tentang Muqaddimah Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genre-genre
وبعد ذلك يبدي ابن خلدون بعض الملاحظات عن الذين يشوقون السلطان إلى سلوك مثل هذه المسالك: «وربما يحمل السلطان على ذلك من يداخله من هذه الأصناف - أعني التجار والفلاحين - لما هي صناعته التي نشأ عليها، فيحمل السلطان على ذلك، ويضرب معه بسهم لنفسه؛ ليحصل على غرضه من المال سريعا، ولا سيما مع ما يحصل له من التجارة بلا مغرم ولا مكس. فإنها أجدر بنمو الأموال، وأسرع في تثميره، ولا يفهم ما يدخل على السلطان من الضرر بنقص جبايته» (ص283).
هذا ويعود مؤلف المقدمة إلى هذه القضية في فصل آخر، هو الفصل الذي يقرر فيه «أن الظلم مؤذن بخراب العمران» (ص286-290).
يستعرض ابن خلدون في هذا الفصل الأضرار التي تنجم من العدوان على أموال الناس، وبعد التبسط في شرح هذه الأضرار، يقول: «وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران والدولة؛ التسلط على الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان، ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان، على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع» (ص289).
إن ذلك يسبب قعود التجار عن العمل: «فيتثاقل الوارد من الآفاق لشراء البضائع وبيعها من أجل ذلك؛ فتكسد الأسواق، ويبطل معاش الرعايا، وتنقص جباية السلطان وتفسد، ويئول ذلك إلى تلاشي الدولة، وفساد عمران المدينة، ويتطرق هذا الخلل على التدريج، ولا يشعر به» (ص290).
يلاحظ من كل ذلك أن ابن خلدون درس هذه الحادثات الاجتماعية الاقتصادية دراسة مفصلة دقيقة، كمن يدرس مرضا من الأمراض، فيبحث عن أسباب تولده، ويسرد التحولات التي تطرأ على البدن من جرائه، ويتتبع أعراض المرض وسيره وأدواره، ويفعل كل ذلك بنظر شامل متشوف مدقق ومتعمق.
حينما يقارن الباحث ما كتبه ابن خلدون في هذا الصدد بما كتبه مونتسكيو الشهير؛ يضطر إلى التسليم بأن الأول تفوق على الثاني - في بحث هذه القضية الاقتصادية الاجتماعية - تفوقا بارزا، مع أنه أتى قبله بمدة طويلة تناهز أربعة قرون . (6)
وهناك بحث اقتصادي اجتماعي آخر تشترك فيه مقدمة ابن خلدون مع روح القوانين، وهو بحث «علاقة ظلم الدولة وأحوالها بعدد النفوس».
فقد خصص مونتسكيو لهذه القضية فصلا من تأليفه، كما أن ابن خلدون تطرق إلى هذه المسألة في عدة فصول من مقدمته.
لقد عنون مونتسكيو الفصل الحادي عشر من الكتاب الثالث والعشرين من روح القوانين بعنوان: «قساوة الحكومة»، وقال فيه ما يلي: «إن الأشخاص الذين لا يملكون شيئا على الإطلاق - كالشحاذين - يكونون كثيري الأولاد؛ ذلك لأنهم يكونون في حالة الأقوام الناشئة. فمن السهل لكل أب منهم أن يعطي مهنته لولده، حتى إن الولد قد يكون آلة تساعد الوالد في مهنته منذ ولادته. إن هؤلاء يتكاثرون في البلاد الغنية والجاهلة؛ إذ لا أعباء اجتماعية عليهم، وهم أنفسهم أعباء على المجتمع.» «وأما الأشخاص الذين لا يكونون فقراء إلا لأنهم يعيشون في كنف دولة قاسية مستبدة، والذين يعتبرون حقولهم واسطة للضريبة أكثر مما تكون واسطة للمعيشة، إن هؤلاء يكونون قليلي الأولاد؛ وذلك لأنهم لا يملكون ما يقتاتون به، فكيف يستطيعون أن يفكروا في اقتسام أرزاقهم مع أولادهم؟ كما أنهم لا يستطيعون أن يعالجوا أنفسهم من الأمراض التي تنتابهم، فكيف يمكنهم أن يفكروا في توليد وتنشئة مخلوقات تكون في حالة مرض دائم هي الطفولة؟» «وأما القول بأنه كلما كانت الرعية فقيرة، كانت العائلات كثيرة الأفراد، وبأنه كلما كانت الضرائب فادحة، كان الناس يعملون ما يساعدهم على تأديتها، إن القول بذلك إنما يتأتى من التجوز في الكلام، أو من العجز عن التفكير. إن هذين القولين لمن السفسطات التي خربت الممالك، والتي ستظل تخربها على الدوام.» «إن قساوة الحكومة قد توصل الأمر إلى درجة إتلاف العواطف الطبيعية بعواطف طبيعية مثلها؛ أما كانت النساء الأمريكيات (يقصد نساء أهل أمريكا الأصليين) تقبل على إسقاط أجنتهن؛ لكيلا يتركن أولادهن تحت رحمة أسياد ظلمة؟»
هذا ما كتبه مونتسكيو في روح القوانين حول هذه المسألة.
Halaman tidak diketahui