130

Kajian Tentang Muqaddimah Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genre-genre

إن تعبير «فلسفة التاريخ» هذا لم يستحدث إلا في القرن الثامن عشر، غير أن «التفلسف في التاريخ» قد بدأ فعلا قبل ابتكار هذا التعبير بمدة طويلة.

ونستطيع أن نقول إن البذور الأولى لفلسفة التاريخ قد ظهرت في الكتب الباحثة عن «السياسة المدنية»؛ لأن كل نظرية سياسية تستند بطبيعتها - ضمنا أو صراحة - إلى نظرية في طبائع الأمم والدول، وفي شروط تقدمها وكيفية تطورها. (3)

إن تعبير «فلسفة التاريخ» انتشر كثيرا في مؤلفات النصف الأول من القرن التاسع عشر، غير أن استعماله أخذ يقل منذ النصف الثاني من القرن المذكور.

وأما أسباب ذلك فتعود إلى تطور معنى العلم، ومفهوم الفلسفة بوجه عام.

إن البحث عن الأسباب والقوانين العامة لم يكن من خصائص الفلسفة وحدها، بل هو من الغايات التي ترمي إليها، وتنزع نحوها جميع العلوم التي تبحث في الحادثات، طبيعية كانت أم تاريخية واجتماعية. وحينما يتحرى المؤرخون الأسباب والقوانين في الوقائع التاريخية يكونون قد قاموا بعمل علمي بحت، فلا محل لتسمية الأبحاث التي يقومون بها في هذا السبيل باسم الفلسفة، نظرا للمعاني المفهومة من كلمتي العلم والفلسفة في عصرنا الحاضر.

ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد أن مباحث «الفيزياء» نفسها كانت تسمى قبل بضعة قرون باسم «الفلسفة الطبيعية»، ومعظم كتب الفيزياء التي نشرت في إنجلترا حافظت على هذا العنوان حتى القرن التاسع عشر، غير أن عناوين مثل هذه الكتب تجردت بعد ذلك من كلمة الفلسفة بوجه عام، وتركت محلها إلى اسم «علم الفيزياء»، أو «الفيزياء» على وجه الإطلاق.

فكان من الطبيعي أن يتطور تعبير «فلسفة التاريخ» أيضا على هذا المنوال؛ إذ إن المباحث التي نحن بصددها تعد من عناصر البحث العلمي في كل «تاريخ»، فيجب أن تعتبر من مواضيع «علم التاريخ».

في الواقع إن الفلسفة لم تنقطع عن التأمل في الوقائع والحادثات الطبيعية والتاريخية، فهي لا تزال تتناول التاريخ أيضا بالنظر والتمحيص، غير أن النظر الفلسفي يمتاز عن البحث العلمي الاعتيادي بالإقدام على أوسع التركيبات، وبالبحث عن أشمل القوانين وأعمق الأسباب.

ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد أن «أشمل القوانين وأعمق الأسباب» في تطور الأمم لا يمكن أن تكتشف بدرس الوقائع التاريخية وحدها، بل إن اكتشاف مثل هذه القوانين الشاملة والأسباب العميقة يتطلب ملاحظة أحوال الأمم الحاضرة مثل ملاحظة الأمم البائدة، ودرس الحادثات الاجتماعية الحالية مثل درس الحادثات الماضية، ومن البديهي أن هذه الأبحاث تتعدى حدود «التاريخ» البحت، وتدخل في نطاق الاجتماعيات العامة، فتكون حينئذ من مواضيع «الفلسفة الاجتماعية»، أو «علم الاجتماع» بوجه عام.

ولهذه الأسباب صارت المؤلفات المتعلقة بفلسفة التاريخ تقل شيئا فشيئا تاركة محلها للمؤلفات التي تحمل عنوان «علم التاريخ»، أو «أصول التاريخ» من جهة، وللأبحاث التي تدخل في نطاق علم الاجتماع، أو الفلسفة الاجتماعية من جهة أخرى. (4)

Halaman tidak diketahui