Agama, Wahyu, dan Islam

Mustafa Abdul Razak d. 1366 AH
52

Agama, Wahyu, dan Islam

الدين والوحي والإسلام

Genre-genre

أما العالم العالي عند الصوفية الذي يفيض منه الوحي والإلهام فهو أمران: لوح محفوظ؛ كتب الله فيه على الوجه الذي أراده ما كان وما يكون، وملائكة هم أجسام من نور ذوو نفوس كريمة لها على باقي اللوح اطلاع، وهي أيضا ألواح خطت فيها صنوف من العلم الإلهي، وما الوحي إلا أن يتلقى النبي من الملك شرائع إلهية، مع شهود الملك وسماع خطابه؛ إذ لا يجمع بين شهود الملك وسماع خطابه إلا الأنبياء، وأما الولي فإن سمع صوتا فإنه لا يرى صاحبه، وإن رأى الملك فإنه لا يسمع له كلاما، كما في كتاب الكبريت الأحمر.

والناظر فيما بين مذهب الفلاسفة والصوفية من تخالف يحس بأن منشأه أن الأولين أخذوا يفسرون النصوص الدينية بما يوافق ما استقر عندهم من نظام الكون وترتيب العوالم سفليها وعلويها، فهم يجعلون الملائكة التي وردت في لسان الشرع عبارة عن العقول المجردة والنفوس الفلكية التي أثبتتها فلسفتهم، ويؤولون النصوص تأويلا يتفق مع أغراضهم.

والصوفية يعتمدون أولا على النصوص الدينية، ويحاولون مبلغ جهدهم أن يشرحوا مبهمها، ويوفقوا بين ظواهر التضارب بينها، مضطرين إلى الركون إلى منازع الفلسفة، وإلى ما يسمونه ذوقا تقصر عنه العبارة ويدركه العارفون، فهم أقل إمعانا في التأويل وهم أقل وضوحا. (4) مذهب ابن خلدون في الوحي

يقول ابن خلدون في «المقدمة »: إن الذي يذكره في تفسير حقيقة النبوة جار على ما شرحه كثير من المحققين.

ولا شك أن الذي أدلى به في أمر النبوة والوحي متأثر بمذاهب الفلاسفة والصوفية، ولكن فيه من الطرافة وجدة التوجيه ما يجعله مذهبا جديدا.

العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة عجيبة من الترتيب وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان واستحالة بعض الموجودات إلى بعض. فعالم العناصر متدرج من الأرض إلى الماء ثم إلى الهواء ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض، وكل واحد منها مستعد إلى أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا وهابطا، ويستحيل بعض الأوقات، والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهو ألطف من الكل على طبقات اتصل بعضها ببعض.

وعالم التكوين يبتدئ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج. فآخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات، وآخر أفق النبات متصل بأول أفق الحيوان. ومعنى الاتصال في هذه الكائنات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب أن يصير أول الأفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهت في التدريج إلى الإنسان صاحب الفكر والروية.

ثم إنا نجد في العوالم - على اختلافها - آثارا متنوعة تشهد كلها بأن لها مؤثرا مباينا للأجسام؛ فهو روحاني ويتصل بالكائنات؛ لوجوب اتصاله بهذه العوالم في وجودها، وذلك هو النفس المدركة المحركة، ولا بد فوقها من وجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة ويتصل بها أيضا ويكون بذاته إدراكا صرفا وتعقلا محضا، وهو عالم الملائكة.

فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملكية لتصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات في لمحة من اللمحات، وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل، وهؤلاء هم الأنبياء، فطروا على الانسلاخ من البشرية جسمانيتها وروحانيتها إلى الملائكة من الأفق الأعلى، ليصيروا في لمحة من اللمحات ملائكة بالفعل، ويحصل لهم شهود الملأ الأعلى في أفقهم وسماع الكلام النفساني والخطاب الإلهي في تلك اللمحة، فإذا توجهوا وانسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك الملأ الأعلى ما يتلقونه عاجوا به على المدارك البشرية منزلا في قواها لحكمة التبليغ للعباد، فتارة يسمع النبي دويا كأنه رمز من الكلام، وتارة يتمثل له الملك رجلا فيكلمه ويعي ما يقوله، والتلقي من الملك والرجوع إلى المدارك البشرية وفهمه ما ألقى عليه كله كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر؛ لأنه ليس في زمان؛ بل كلها تقع جميعا، فيظهر كأنها سريعة، ولذلك سميت وحيا؛ لأن الوحي في اللغة: الإسراع.

وترتيب العوالم كلها على درجات منتظمة الحلقات، متصلة ذواتها وقواها بعضها ببعض بحيث يكون آخر كل أفق منها مستعدا استعدادا قريبا لأن يصير أولا للأفق الذي بعده، هو نظر طريف من أنظار ابن خلدون. وتفسير الوحي بأنه مفارقة البشرية إلى أفق الملائكة والملأ الأعلى، وتلقي الكلام الإلهي النفسي كما تتلقاه الملائكة، ثم الرجوع إلى المدارك البشرية التي تمثل ذلك الطور الروحاني بصور وأصوات، وتعليل الشدة التي يعانيها النبي عند التنزيل وما يحدث له من الغيبة والغطيط بأن مفارقة البشرية والانسلاخ عنها إلى أفق آخر شيء عسير خصوصا في بادئ الأمر - كل ذلك منزع من منازع ابن خلدون الجديدة.

Halaman tidak diketahui