Agama Manusia
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genre-genre
2
لقد لعبت الهياكل وطقوسها منذ قديم الأزمان الدور المركزي في ديانة الشنتو، ونظرا لعلاقتها اليومية بحياة الناس لم يشعر اليابانيون بالحاجة الماسة إلى صياغة إيمانهم وفق نظام أيديولوجي، فكان هذا الإيمان ينتقل من جيل إلى آخر عن طريق الإحساس بالطقس وممارسته ، وتلمس ما ينقله إلى المشاركين فيه من قيم روحية وجمالية. فالياباني يبدأ اكتسابه للإيمان التقليدي منذ الزيارة الأولى للهيكل محمولا على ظهر أمه، حيث يدلف إلى تلك الغابة الساحرة بأشجارها العملاقة المعمرة، ويحس بجمال الطبيعة وجلالها الآسر قبل أن يدخل الهيكل ويراقب ما يجري هناك ، مكونا انطباعاته الأولى عن إيمان قومه. وفي مراحل نموه التالية وتدرجه نحو الفتوة، فإن الفتى لا يلقن أية مبادئ أو أصول تتعلق بدينه، بل يترك للتجربة المباشرة مع فكرة القدسي التي يتلمسها من خلال المشاركة بالطقوس والأعياد في الهياكل. إن ممارسة العبادة في الهياكل لتتصل اتصالا وثيقا بتقدير الجمال، بذلك الإحساس الصوفي بسحر الطبيعة، الذي ينقل الإنسان من المستوى الدنيوي إلى المستوى القدسي الأعلى، ويجعل من حياته حالة خبرة واتصال دائم بالكامي.
3
على أن هذا المفهوم للكامي ليس الوحيد الذي تدور حوله ديانة الشنتو، فإلى جانبه هناك عدد يقدر بالمئات من الكائنات الإلهية التي تتراوح في أهميتها من الآلهة السماوية العليا إلى تلك الآلهة الصغرى التي تقيم في الهياكل الثانوية المنعزلة، وغالبا ما تجري الإشارة إلى هؤلاء جميعا تحت اسم كامي، وينظر إليهم كمجموعة متماسكة متناغمة واحدة.
4
وإلى جانب العبادة التي يوجهها اليابانيون إلى هذه الآلهة، فإنهم يعبدون أيضا كل مظهر من مظاهر الطبيعة يمكن أن يشف لهم عن روح مقدسة تسكنه، فهم يعبدون الشمس والقمر والنجوم والبرق والصاعقة والأنهار والينابيع والصخور والأشجار. يضاف إلى ذلك أن بعض الرجال والنساء ممن أدوا خدمات جلى للمجتمع، يمكن أن يؤلهوا وتقدم لهم فروض العبادة في الهياكل، ومثلهم الأسلاف المؤلهون الذين يتخذون مكانة مقدسة رفيعة في العبادة الشنتوية. كما يعتبر الإمبراطور ابنا للسماء؛ لأنه من سلالة الحفيد المباشر للشمس عند أعتاب التاريخ الياباني، وقد عبد عبر العصور كواحد من الآلهة العظام.
5
كل هذا يجعل الشنتو في عين ناظرها لأول وهلة مزيجا من الخرافات التي لا تنتظم في بنية منطقية معقولة، يساعد على ذلك أن أهل الديانة لم يعنوا بصياغة معتقداتها ضمن أيديولوجيا دينية نهائية، ولم يصبوا أفكارها بلغة فلسفية تخاطب العقل والمنطق، بل تركوها على فطرتها التي نشأت عليها، عندما كان إنسان العصر الحجري يحس ويشعر ويستجيب، أكثر مما يفكر ويعقلن ويرمي شبكة المنطق يؤطر بها كونا يتأبى على التثبيت والتأطير. يروي الميثولوجي ومؤرخ الدين المعروف جوزيف كامبل، الحوار الآتي الذي سمعه في مؤتمر دولي لعلوم الدين في اليابان، بين أحد أعضاء الوفد الأمريكي وهو أستاذ في الفلسفة الاجتماعية، وكاهن شنتو. قال الأمريكي للكاهن بعد إنهاء جولة قام بها المؤتمرون على هياكل الشنتو: «لقد رأينا هياكلكم واطلعنا على طقوسكم، ولكني لم أفهم شيئا عن لاهوتكم ولا عن أيديولوجيتكم الدينية.» فأطرق الكاهن مليا ثم هز رأسه قائلا: «أعتقد بأننا لا نملك لاهوتا ولا أيديولوجيا دينية ... إننا نرقص.»
6
ومع ذلك، فإن للشنتو منطقا داخليا متماسكا قد لا يتيسر للكثير من الأديان الأخرى، وكل ما يبدو على السطح شتاتا لا يجمعه رابط إنما تنتظمه نظرة عميقة ثاقبة للوجود، تنشأ عن مواجهة وجودية بين الإنسان والعالم لتربط بينهما في كون موحد، يتخلل فيه عالم اللاهوت عالم الناسوت الآخر، وبطريقة لا يمكن فصل واحدهما عن الثاني أو وضع حدود مميزة بينهما. فالكون رغم انقسامه شطرين أمام التجربة الحدسية المباشرة للإنسان، ورغم معاينته كمقدس آنا وكدنيوي آنا آخر، إلا أنه في حقيقة الأمر متصل وواحد؛ مقدس في وجهه الأول، ودنيوي في وجهه الثاني، وليس الوجهان إلا تبديين متناوبين للمطلق الأزلي.
Halaman tidak diketahui