Agama Manusia
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genre-genre
7
وجاك كوفان في كتابه ديانات العصر الحجري الحديث،
8
الذي استمد مادته من وثائق مواقع العصر النيولويني في سوريا، إضافة إلى عمل ب. م. غوف التوثيقي الهام، والذي اقتصر على منطقة وادي الرافدين، وعنوانه رموز إنسان ما قبل التاريخ في وادي الرافدين.
9
ومع التقدير الكبير لهذه الأعمال البارزة، ولغيرها مما لم أشر إليه هنا، فإنني سوف أطرح في الفصل المقبل، وبكل حذر علمي، نظرية جديدة في معتقدات العصر الحجري القديم والحديث، وذلك في أولى الخطوات لتحديد ملامح الحد الأدنى الاعتقادي لدين الإنسان العاقل، ثم أنتقل في الفصول الآتية من هذا القسم للبحث عن الحد الأدنى الاعتقادي (الذي وجدناه لدى إنسان العصر الحجري) في معتقدات الشعوب البدائية، ثم في المعتقدات الدينية للحضارات الكبرى. ومشروعية مثل هذه المقارنات تقوم على أن الدين هو ظاهرة ثقافية لا تخضع لمعايير التطور، شأنه في ذلك شأن الفن؛ فكما هو حال الإبداع الفني الذي لا يمكن وضعه على سلم تطوري يرتقي من الأدنى إلى الأعلى، بل تنتظم إبداعاته جنبا إلى جنب في متحف يتسع ليشمل العالم المسكون، كذلك هو دين الإنسان الذي لا ينقسم إلى أديان دنيا وأديان عليا، بل يطالعنا، أنى بحثنا عنه، بتنوع وغنى يعكسان تنوع وغنى الثقافات المختلفة وخصوصيتها.
الفصل الثاني
عتبة الدين، اللاهوت والناسوت في معتقد الباليوليت
إذا كان ثمة وجود لديانة بدائية صافية لم تتأثر بغيرها، بل خضعت لديناميات نموها الداخلية الخاصة بها، فإن هذه الديانة هي حصرا ديانة العصر الحجري القديم (= الباليوليتي). من هنا، فإن أية حفريات معرفية في طبقات الدين تستهدف الوصول إلى قاعه الأساسي، يجب أن تهبط أولا إلى هذا المستوى البدئي لدين الإنسان العاقل. إن سبر معتقدات إنسان عصور ما قبل التاريخ لن تكون أبدا بالمهمة السهلة، ولكنها، على أية حال، مهمة لا بد من القيام بها. والصعوبة هنا تنشأ من كون الباحث في ديانات العصر الحجري لا يمتلك الأدوات والوسائل التي تعين، في العادة، زملاءه في حقل الأنتروبولوجيا الاجتماعية أو في حقل تاريخ الأديان؛ فهو لا يستطيع القيام بزيارات ميدانية للجماعات التي يعمل على دراستها للاطلاع المباشر على موضوعات بحثه كما يفعل الأنتروبولوجي الاجتماعي، كما أنه لا يمتلك الوثائق الكتابية التي يعتمد عليها مؤرخ الأديان بشكل أساسي، بل إنه مضطر إلى الاعتماد على الشواهد المادية الصامتة، مثل الأعمال التشكيلية من منحوتات ورسوم جدارية، وبقايا الدفن، وتشكيلات يدوية لا تنبئ عن قيم استعمالية واضحة. فهو مضطر، والحالة هذه، إلى إعادة بناء الوسط الفكري لجماعات بادت منذ عشرات ألوف السنين، انطلاقا من مادة صماء، وتبدو لأول وهلة أبعد ما تكون عن الترابط وعن أداء معنى محدد وواضح. ولكن الحال في الواقع ليس على هذه الدرجة من السوء وتثبيط الهمة، فهذه المادة التي تبدو صماء للنظرة الأولى، إنما تحمل لنا رسالة على درجة لا بأس بها من الأهمية والوضوح.
يرى جاك كوفان في كتابه «المستقرات الأولى الزراعية في سوريا وفلسطين»، أن إنسان ما قبل التاريخ كان يعبر عن أعلى فعالياته الفكرية من خلال فنونه التشكيلية التي تستمد مادتها وتصوراتها من العالم المحيط به، غير أنه عندما ينسخ وفق اختيار دقيق، وينتقي من بين خيارات لا حصر لها، فالصورة والحالة هذه هي انطباع رمزي، ونسخة خيالية عن الواقع، تحمل طابعا اجتهاديا ورؤيا منقحة لهذه الوقائع. ويمكن أن نلحق أيضا بهذه الأعمال التشكيلية عمليات الترتيب المقصود لموضوعات طبيعية، مثل رءوس الثيران وعظام الحيوانات والهياكل العظمية في القبور، وذلك عندما لا يكون لهذه الترتيبات دلالات استعمالية بل تجريدية رمزية. من هنا فإن الدراسة المدققة لهذه المخلفات القليلة والهامة، إنما تزودنا بمقترب علمي يعيننا على إنشاء العالم المادي المحيط بإنسان ما قبل التاريخ، ورؤيته لذلك المحيط وبأفكاره عنه.»
Halaman tidak diketahui