Agama Manusia
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genre-genre
فالأم الأناضولية الكبرى «سيبيل» قد دخلت روما عام 204ق.م. في احتفال رسمي، عندما ذهب وفد من شيوخ روما وجلب حجرها الأسود من مقر عبادتها الرئيسية في آسيا الصغرى فوضعه في الكابيتول. كما قوبلت الإلهة «إيزيس»، القادمة من مصر مع الفرق الرومانية العائدة، بترحاب بالغ، وأقيمت لها الهياكل في كل مكان. وكان بعض الأباطرة الرومان من المتحمسين لعبادتها كالإمبراطور «كاليغولا». ورغم أن هذه العبادات الأجنبية لم تدخل في صلب دين القوم الروماني، ولم يلحق آلهتها بالبانثيون الرسمي، إلا أنها عاشت بحرية تامة كبقية العبادات الرومانية. كما كان من الإجراءات المعهودة قديما في الحروب، أن يقوم القائد الغالب بتقديم فروض الولاء لآلهة الشعوب المغلوبة في معابدها، وأخبار حملات الملوك الآشوريين مليئة بالإشارات إلى مثل هذه الطقوس ، وكذلك أخبار حملات الإسكندر. نقرأ على سبيل المثال في نص للملك الآشوري شلمنصر الثالث (858-824ق.م.) يصف حملته على مناطق غربي الفرات في سوريا: «ثم غادرت الفرات نحو حلب التي خاف أهلها وخروا عند قدمي، فتلقيت منهم الجزية فضة وذهبا، وقدمت قربانا إلى «هدد» حلب، من حلب توجهت إلى مدن «أرخوليني» ملك حماة ... إلخ.»
3
وقد بقي دين القوم بمثابة رابطة عامة تجمع أهل الثقافة الواحدة، دون أن تكون له الأولوية على العبادات المحلية، إلى أن شهد تاريخ الدين ظاهرة جديدة كل الجدة هي ظاهرة الديانات الشمولية. والدين الشمولي هو في منشئه عبادة كغيرها من العبادات، ولكن هذه العبادة الجديدة الناشئة لا تقنع بوضعها المحدود ضمن الصورة العامة لدين القوم، وإنما تأخذ بفرض نفسها على بقية العبادات في حركة دائبة طموحة هدفها إحلال نفسها دينا للقوم، والاستيلاء على الحياة الدينية للثقافة التي تنتمي إليها، وإلى تعميم تجربتها الروحية على الثقافات الأخرى، متجاوزة في ذلك كل الحواجز السياسية والإقليمية والجغرافية من أي نوع. وتتسم العبادة التي تسير في الطريق إلى رتبة الديانة الشمولية بما يأتي: (1)
تحمل هذه العبادة طابع التجربة الدينية لشخص بعينه، ويكون العنصر الفاعل فيها شخصية إنسانية فذة، تحاول من خلال حركة ثورية شاملة قلب المفاهيم الدينية لعصرها. (2)
يعتقد مؤسس العبادة، التي تطمح إلى الشمول، بامتلاك الحقيقة المطلقة والنهائية من دون بقية العبادات الداني منها والنائي. (3)
ترفض هذه العبادة، سواء في حياة مؤسسها أم بعده، التعايش مع بقية العبادات؛ لأن من يمتلك الحقيقة وحده لا يساوم عليها. وقد يتخذ هذا الرفض شكل الحرب المعلنة، خصوصا إذا أفلحت العبادة في استمالة حاكم أو ملك أو كيان سياسي يتبناها ويحارب خصومها.
وهكذا فإن العبادة التي وطدت العزم على التحول إلى ديانة شمولية، تجد نفسها مجبرة على السير في أحد طريقين، فإما استيعاب بقية العبادات وفرض نفسها دينا للقوم أولا، وللأقوام الأخرى ثانيا، وإما الانقراض والزوال. وهذا الانقراض إما أن يأتي سريعا، وذلك بضربة قوية ومفاجئة من قبل العبادات الأخرى التي اضطرت إلى الدخول في معركة مصير وبقاء لم تخترها، أو أن يأتي بعد فترة من الزمن، عندما تفقد الديانة الشمولية زخمها التبشيري، ولا تفلح في اكتساب كيان سياسي مقتدر يعمل على حمايتها. لقد بقيت البوذية، مثلا، طائفة من الطوائف الهندوسية، حتى أحلها الإمبراطور أشوكا (273-232ق.م.) ديانة لجميع البلاد. وعندما تراجعت في الهند قيض لها كيان سياسي آخر في الصين عمل على نشرها، وإكمال العمل التبشيري المبكر الذي مارسته هناك منذ وفاة البوذا. كما وجدت المسيحية كيانها السياسي في بيزنطة، التي حولها الإمبراطور قسطنطين (280-338م) إلى الدين الجديد. أما الإسلام، فقد تطابق منذ بداياته الأولى مع كيان سياسي هو دولة الرسول في يثرب، ودولة الخلفاء من بعده.
ولسوف أتوقف فيما يأتي عند ظاهرة الديانات الشمولية؛ لأن معظم الناس في العصر الراهن لا يتعرفون على الظاهرة الدينية من حولهم إلا من خلال ديانة شمولية ما.
الفصل الثاني
نماذج من الأديان الشمولية
Halaman tidak diketahui