Agama Manusia
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genre-genre
2
على ما يشبه الأخلاق الدينية، وذلك في مؤسسة ال «تابو» التي يمكن أن تشكل نقطة اتصال بين الأخلاق الاجتماعية والأخلاق الدينية، ونستطيع أن نتبين فيه الأخلاق الدينية بشكلها الجنيني. يتشكل التابو في المجتمعات التقليدية من عدد من التحريمات المتصلة بالعلاقة بين العالم الدنيوي وعالم المقدسات. وهذه التحريمات لا يعرف لها مشرع أو مستن، وتجد مؤيداتها في قوة فوق طبيعانية ما، سواء كانت هذه القوة من مصدر إلهي بالمفهوم الذي نعرفه أم من مصدر سحري حيث القوى الغفلة غير المشخصة. ويأتي تأييد القوة للائحة التحريمات بتدخلها الفوري وبرد فعل أوتوماتيكي، فيطال الجزاء من اعتدى على حدود التابو، كأن يصيب الشلل العضو الذي استخدمه في الفعل المحرم، أو يداهمه مرض ما، أو يعالجه الموت السريع، وقد تتدخل الجماعة في بعض الأحيان لتسبق العقوبة التلقائية بعقوبة إجرائية، وذلك كأن تفرض على المذنب العزل أو الإبعاد أو الإعدام أحيانا، وذلك تبعا لنوع التابو وخطورة انتهاكه، ولسوف أقدم فيما يلي بعض الأمثلة.
يقوم عدد لا بأس به من لوائح التابو في الوسط الديني البدائي على فكرة الفصل بين العوالم القدسية والعوالم الدنيوية فصلا لا يتاح معه لأي نوع من الاحتكاك أو الاتصال بينهما. فلدى القبائل الأسترالية يكتسب الرجال البالغون ممن مروا عبر طقوس التعدية (=
Initiation ) جزءا من القداسة التي تتمتع بها القوة فوق الطبيعانية التي تتخلل الطبيعة؛ ولذلك يسمح لهم بالمشاركة في الطقوس الدينية واستخدام كل الأدوات المعدة لهذا الغرض. ولكن يحرم على الذكور غير البالغين ممن لم يستلموا دينهم بعد لمس الأدوات الطقسية تحت أي ظرف من الظروف. أما النساء، وهن الشريحة المستبعدة من الحياة الدينية للجماعة ، فيحرم عليهن حتى رؤية هذه الأدوات ولو عن بعد، كما يحرم عليهن سماع تراتيل طقسية معينة تحت طائلة الموت. وانطلاقا من مبدأ الفصل نفسه، تتطلب ممارسة الطقوس الدينية من المشاركين التجرد الكامل من ملابسهم وزينتهم المعتادة باعتبارها جزءا من العالم الدنيوي يتوجب تركه عند أعتاب مكان الاحتفال. أما إذا تطلبت بعض الطقوس ارتداء زينة معينة، فإن هذه الزينة تصنع خصوصا للاحتفال، ويمنع أي استخدام دنيوي لها بعد ذلك، وقد تدفن في الأرض أو تحرق ويقوم صاحبها بغسل نفسه تماما قبل العودة إلى الحياة اليومية كي لا يحمل معه أثرا من زينته الطقسية. وتقوم عادة ترك الأعمال اليومية المعتادة والراحة منها في أيام الأعياد الدينية على مبدأ الفصل بين المقدس والدنيوي؛ ذلك أن فترة الأعياد هي وقت مقدس مخصص للطقوس يتوجب خلاله الإقلاع عن أي نشاط دنيوي.
3
وفي فترات معينة تقع زمر من الأفراد تحت حيطة القوة فوق الطبيعانية، وهنا ينبغي أن يتم التعامل مع هؤلاء بكثير من الحذر ووفق قواعد معينة؛ لأنهم يكونون حينها موضوعا للتابو. فلدى قبائل أستراليا يمنع على النساء في فترة الحيض وتحت طائلة الموت لمس ما يستعمله الرجال أو المشي في درب يطرقونه. وقد سجل أحد الأنتروبولوجيين واقعة مفادها أن أحد الرجال عمد إلى قتل زوجته فور اكتشافه أنها قد تمددت على حصيرته وهي حائض، ثم ما لبث أن مات ذعرا بعد أسبوعين وهو يترقب عقاب القوى الخفية، وبالطبع فقد اعتقد أقرانه بأنه قد لاقى جزاء احتكاكه بموضوع تحريم. وتخضع النساء أيضا إلى تحريمات مشابهة خلال فترة الولادة والنفاس، فتعزل المرأة تماما حتى انتهاء فترة نفاسها، وكل ما تستعمله أثناءها يمنع لمسه أو استعماله حتى من قبلها بعد زوال التابو عنها. ولدى معظم قبائل أمريكا تعزل الفتاة حين يأتيها الحيض الأول في كوخ، ويمنع على أحد من الذكور رؤيتها خلال فترة كافية لتطهيرها، ثم تلتزم بعد ذلك تغطية وجهها لمدة محددة بعد خروجها من معتكفها. ومثل النساء في هذا النوع من التابو الواقع على الأشخاص، زمرة المحاربين؛ فهؤلاء يخضعون بعد انتهاء القتال إلى فترة عزل كافية لتخليصهم من آثار أرواح ضحاياهم، ومثلهم الصيادون الذين يخضعون إلى طقوس تطهيرية عقب رجوعهم من الصيد.
4
إن الطقوس التطهيرية التي خضع لها أفراد هذه الزمر وأمثالهم، نابعة من توهم خطر ما يصدر عن هؤلاء وخطر آخر عليهم في الوقت نفسه؛ لأنهم خلال فترة التابو يكونون مشحونين بقوة خطرة ينبغي عدم السماح لها بالانتقال إلى الآخرين.
يكفي هذا القدر اليسير من الأمثلة (وتعدادها جميعا يتطلب مجلدا بأكمله) لإظهار الأساس المشترك بين تحريمات التابو ولوائح الأخلاق الدينية؛ فكلاهما يجد تأييده في قوة خارجة عن الإنسان، وكلاهما مما ينصاع له الأفراد دون مناقشة أو محاكمة عقلية. ولكن، بينما تقتصر تحريمات التابو على قواعد تتعلق بعدم تعدي حدود قوى إلهية أو سحرية غفلة، فإن لوائح الأخلاق الدينية تتجاوز ذلك لتشمل العلاقات المتبادلة ضمن الجماعة. من هنا، أستطيع الافتراض، ببعض الثقة، بأنه عند مرحلة معينة من تطور المجتمعات القديمة، اتسعت دائرة التابو لتستوعب تدريجيا بعض القواعد الأخلاقية التي كانت حتى ذلك الوقت شأنا دنيويا تنظمه الأعراف القبلية، في الوقت الذي أخذت فيه التحريمات القديمة تفقد سطوتها مع تغير المفاهيم الدينية. ولعل مما يؤيد هذا الافتراض، أن الوصايا الأخلاقية في بعض الأديان المتطورة تختلط في النص الواحد بتحريمات تقوم على مبدأ التابو القديم، وهذا ما نراه بكل وضوح في كتاب التوراة. فمع الوصايا الأخلاقية العشر في سفر الخروج، يستلم موسى عددا من التحريمات التي لا يمكن تفسيرها إلا على ضوء مفهوم التابو البدائي، وهي تهبط من السماء باللهجة الإلزامية للوصايا العشر نفسها، وفي الجو القدسي المرعب نفسه. نقرأ في سفر الخروج 2: 18-26: «وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق، وصوت البوق والجبل يدخن ... وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الرب، فقال الرب لموسى، هكذا تقول لبني إسرائيل ... مذبحا من تراب تصنع لي ... وإن صنعت لي مذبحا من حجارة فلا تبنه منها منحوتة، إذا رفعت عليها إزميلك تدنسها، ولا تصعد بدرج إلى مذبحي كي لا تنكشف عورتك.» أما لماذا يتوجب صنع المذبح من تراب أو من حجر غير منحوت، ولماذا يتوجب عدم استعمال الإزميل الحديدي في تسوية الحجارة، فأمر لا يوضحه التحريم؛ لأنه قائم على تابو، ومثل هذا التابو معروف لدى بعض المجتمعات البدائية الحديثة وبعض الحضارات القديمة مما سأسرده فيما يأتي:
في روما القديمة كان محرما على الكهنة الحلاقة بموس من حديد، وفي غابة أرفال المقدسة قرب روما كان محرما إدخال الحديد أو أية أداة مصنوعة منه، فإذا تطلب الأمر استعمال أداة حديدية لغرض كتابة نقش ما على الحجر، كان لا بد من تقديم ذبيحة تطهيرية قوامها حمل وخنزير. وهنالك جسر قديم مقدس في المدينة قد تم بناؤه دون استخدام أداة حديدية. ولما احتاج معبد جوبيتر في فورفو للإصلاح، استصدرت السلطات المدنية قانونا يجيز استخدام الأدوات الحديدية في ذلك. وإلى وقت قريب كان أهالي جزيرة جاوا يحجمون عن استخدام المحاريث الحديدية في فلاحة أرضهم، ولدى بعض قبائل الهنود الحمر في أمريكا تستعمل السكاكين الحجرية في الطقوس الدينية من دون الأدوات الحديدية. وفي كوريا كان محرما على الحديد أن يمس لأي سبب من الأسباب جسم الملك، ويروى أن ملكا كوريا مات عام 1800م من ورم في ظهره كان من الممكن علاجه بمفصد حديدي. وفي جنوب غرب أفريقيا تجري عملية الختان بواسطة سكين صواني، فإذا تطلب الأمر إجراءها بسكين حديدية جرى التخلص من السكين بدفنها تحت الأرض.
Halaman tidak diketahui