Agama Manusia
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Genre-genre
12
والموضوعات المقدسة التي يشير إليها تعريف دوركهايم لا تقتصر على المجردات والغيبيات؛ لأن مفهوم القدسي يمكن أن يشتمل على الموضوعات المادية والمعنوية في آن معا. من هنا فإنه يرى ضرورة وضع معيار للتمييز بين ما هو مقدس وما هو دنيوي في معتقدات وممارسات الجماعة، وهذا المعيار لا يعتمد على المكانة التي يشغلها المقدس في هرمية ما لنظام مؤسس للأشياء، وما تسبغه عليه هذه المكانة من قوة ونبل وما إليها، كما لا يعتمد على العلاقة الدونية التي تسم علاقة الأدنى بما هو أعلى منه؛ فهذه السمات وغيرها قد تنطبق على المقدس ولكنها لا تميزه تماما. إن ما يميز المقدس فعلا هو تغايره المطلق
Heterogeneity
عن الدنيوي، بحيث إننا لا نكاد نعثر في تاريخ الأفكار الإنسانية على زمرتين متضادتين ومتعارضتين، كحال المقدسات والدنيويات. وإلى جانب ذلك، فإن طائفة من التحريمات (= تابو) تتكاثر في طقوس الثقافات البدائية، من أجل العزل الدائم بين المقدس والدنيوي ومنع اختلاطهما، وذلك مثل التحريمات المتعلقة باللمس أو النطق أو النظر ... إلخ. ومع ذلك فإن العبور بين العالمين ممكن، ولكن من خلال نوع من الطقوس التي يدعوها الأنتروبولوجيون بطقوس التعدية (= طقوس العبور= الطقوس الإدخالية =
Initiation ).
لقد أثرت أفكار دوركهايم على كثير ممن جاء بعده من دارسي الدين. ولعل أكثر من تأثر من الباحثين المعاصرين بفكرة المقدس والدنيوي كناظم للتعرف على الظاهرة الدينية، هو مؤرخ الأديان المعروف ميرسيا إلياد، الذي أصدر عام 1956م كتابا تحت عنوان «المقدس والدنيوي»، درس من خلاله الظاهرة الدينية استنادا إلى التمييز بين زمرتي المقدسات والدنيويات؛ مما أرسى أسسه دوركهايم قبل ذلك بزمن طويل. يقول إلياد: «يتجلى القدسي دائما كحقيقة من صعيد آخر غير صعيد الحقائق الطبيعية ... ويعلم الإنسان بالقدسي لأنه يتجلى، يظهر نفسه شيئا مختلفا كل الاختلاف عن الدنيوي. ويمكننا القول إن تاريخ الأديان، من أكثرها بدائية إلى أكثرها ارتقاء، عبارة عن تراكم من تجليات الحقائق القدسية. ليس ثمة انقطاع لاستمرار الظهورات الإلهية، بدءا من تجلي القدسي في شيء ما كحجر أو شجر، وانتهاء بالتجلي الأعلى الذي يتمثل لدى المسيحي بتجلي الله في يسوع المسيح؛ إنه الفعل الخفي نفسه: تجلي شيء مختلف تماما، أي حقيقة لا تنتسب إلى عالمنا، في أشياء تشكل جزءا لا يتجزأ من عالمنا الطبيعي الدنيوي.»
13
وأخيرا، لا بد لأي حديث في تعريف الدين من أن يتوقف عند رودولف أوتو (1869-1937م)، وهو لاهوتي ألماني وباحث في تاريخ وفينومينولوجيا الدين؛ وذلك نظرا للسلطة الكبيرة التي مارسها في كتابه «فكرة المقدس» على الدراسات الدينية، منذ صدوره عام 1917م. يعالج أوتو في كتابه، وبشكل أوضح وأوسع، الفكرة التي كان قد تقدم بها شلرماخر حول وجود وعي بالقدسي مغروس في النفس الإنسانية. وهو يبدأ القول بأن القدسي قد فقد معناه الأولي وتحول إلى جملة من التشريعات الأخلاقية والتقوى السلوكية. أما الحالة الأصلية للوعي بالقدسي، فتجربة انفعالية غير عقلية هي أساس الدين. وتنطوي هذه التجربة على مجابهة مع قوة لا تنتمي إلى هذا العالم، تعطي إحساسا مزدوجا بالخوف والانجذاب في آن معا. إنها تجربة مع الآخر المختلف كليا، تأبى على الوصف بالمصطلحات والتعابير المعتادة في وصف التجارب الأخرى. وإن الانقياد إيجابيا لهذه التجربة فكرا وعملا هو الذي يكون الدين. ويطلق أوتو على الإحساس بحضور الآخر المختلف كليا تعبير الإحساس النيوميني
Numinous ، وقد نحته من الكلمة اللاتينية
Numen
Halaman tidak diketahui