Damaskus Bandaraya Sihir dan Puisi
دمشق مدينة السحر والشعر
Genre-genre
أما الجيش العثماني فكان دأبه الاعتداء على السكان؛ ينزلون بيوتهم بالقوة، ويعتدون على الأعراض، ويقطعون الأشجار، ويرعون الزرع، ويوغلون في المنكرات والسلب والنهب.
ولما رحل السلطان سليم بعد فتحه مصر خلا الجو لنائبه جان بدري الغزالي، فخرج عن الطاعة وبايعه الأهلون بالسلطنة مكرهين، وسمى نفسه بالملك الأشرف، وخطب له على المنابر، وزينت دمشق ثلاثة أيام، وأوقدت الشموع على الدكاكين، وضربت السكة باسمه، ثم أرسلت الدولة العثمانية جيشا قضى عليه، وكان هو من قبل قضى على حامية المدينة، وكانوا خمسة آلاف جندي من الانكشارية، وفي وقائعه خرب نحو ثلث دمشق من ضياع وأحياء وحارات وأسواق وبيوت، وقتل من أهلها نحو سبعة آلاف، وهجم العسكر التركي على أحياء المدينة وربضها فكسروا الأبواب والحواصل والدكاكين، وآذوا النساء والأولاد، وكان النساء اجتمعن في مدرسة الحنابلة ومدرسة أبي عمر وغيرهما من مدارس الصالحية، فهجموا عليهن وعروهن من ثيابهن، أخذوا من راقهم من النساء والغلمان. ويمكن حصر مصائب الدور العثماني الأول في ظلم الوالي إذا كان عاتيا مرتشيا، وظلم الجند في كل مكان نزلوه، وشقاء البلاد بأرباب النفوذ من أهلها.
ومن الولاة من لم يكن حد لظلمهم ولا لسرقاتهم، أمثال سنان باشا، كان يقتل ألوفا من الأبرياء، ويعمر المساجد! فقد خلف من الذهب والجواهر والحلي والأحجار الكريمة ما عز وجود مثله في غير خزائن كبار الملوك المستبدين، هذا عدا ما أنفقه في بناء الجوامع والمدارس والتكايا والخانات مما قدره مؤرخو الترك بمليوني ليرة ذهبا بسكة زماننا.
وكانت الدولة العثمانية تخشى ولاتها، ولذلك ما كانت تبقيهم في دمشق إلا أشهرا معدودة، حتى لقد بلغ من تولاها منهم في قرن واحد من سنة 1000 إلى سنة 1100 أحدا وثمانين واليا، وزاد في هذا الدور ظلم الانكشارية جيش الدولة وكثر أذاهم، ويعبثون بأعراض الرعية وعروضها، ويستبيحون المدنية وقراها، ولا يكاد إنسان يأمن شرهم وعتوهم، وزادت فظائعهم لما أنشئت فرق جديدة من الجند، وبدت المنافسة بين العسكر القديم والعسكر الجديد، حتى أدت إلى أن يقتلوا في الشوارع، وإلى أن يتغلب أحد الفريقين المتقاتلين على القلعة، يقتل الأبرياء وتخرب بيوت وحوانيت، وتتعطل الأعمال أياما، وأقل ما كان ينال أهل القرى من الظلم متى طولبوا بعوارض سنتين أي بأموال عامين لحاجة الدولة أبدا على المال، فيرسل الوالي زبانيته من الجند يخربون المساكن ويقطعون الأشجار، وعادة قطع الأشجار تأصلت في نفوس رجال الترك حتى أتوا في بعض الأقاليم على أشجارها كلها، فأصبحت بتكرر قطعها وإحراقها جرداء مرداء بعد أن كانت غابات غناء، وكان الجند إذا شتوا بدمشق - وهم ألوف - يلزمون أهل المدينة بأكلهم ومبيتهم، فإذا عزموا على السفر يأخذون من كل دار ترحيلة أي مبلغا من المال نفقة الطريق، وأصبح الأمر في بعض الأدوار على غاية الأخلوقة، فقد حدث أن خصص السلطان إبراهيم الخالع الماجن جباية إيالة الشام كلها لامرأته السابعة، فكانت قرينة السلطان ترسل رجلا يجبيها باسمها.
وحدث بعض السنين أن أرسلت رجلا اسمه محمد أغا، وهو الذي نهض بعد مدة بالدولة باسم محمد باشا الكوبرلي الكبير، قال أبو الفاروق: ولا عجب، فقد توجد الدرة النفيسة بين الكناسات والقمامات «راجع الجزء الثاني ص267 من كتاب «خطط الشام» من تأليفنا».
وفي العهد العثماني كانت الفتن بدمشق متصلة اتصال الشؤبوب، البلاد ساحة وغي على الدوام، وكذلك كانت الحال في الأقاليم، تتعطل الأسواق والمعاملات بسبب الاضطرابات بين الانكشارية جيش الدولة والفرق الجندية الأخرى كالدالاتية والقبوقولي، وقد عطلت البلد سنة 1161ه مرة ما يقرب من سنة، لا تقام جمعة، ولا يسمع أذان، ولا يفتح جامع، ولا يتمكن أحد من الخروج من منزله، وأغلقت دمشق دكاكينها مرة تسعة أشهر احتجاجا على مسائل آذتها، وكانت ذريعتها العظمى في إنكار ما يؤذيها إغلاق الحوانيت والمتاجر.
نعم، انقلب عيش الدمشقيين في القرون الأخيرة من حكم العثمانيين عيشا رتيبا ليس فيه غير المغارم والمظالم، ونشوب الفتن فيها من الأمور الطبيعية، وذلك لضعف الحكومة، وقلة بصيرة ولاة الأمر وفسادهم، وسرعة تبديل الولاة وسائر العمال، والقاعدة أن المناصب الكبرى لا تدوم لمتوليها أكثر من بضعة أشهر، وندر من يتولاها سنة كاملة أو سنتين، ومعظم العمال يبتاعون مناصبهم من رجال الآستانة بالمال الوافر، والجند لأقل سبب يشعثون القرى ويأكلون مغلها، ويقتلون في أهلها، ومعنى تخريب قوى دمشق انقطاع مادة حياتها. وكاد الموت والحياة يتساويان في نظر الناس على عهد الترك؛ لأن كل ما يدخرونه ينهب، وكل ما يعمرونه يخرب، وجاء الوالي أحمد باشا الجزار يقتل في الأهلين ويعسفهم، وكثيرا ما كان يصادر الناس ثم يقتلهم، وطال حكمه في أوائل القرن الثاني عشر، وهو يلقي الشغب بين الأهلين، وينمي روح الفتن بينهم، حتى ينقذ القطر بزعمه من عسف المشايخ والأمراء، وكان جوره بالقياس إلى جور هؤلاء أقل وطأة، فحفظ المساواة بين الرعية، وكان يحبس علماء المسلمين كما يحبس قسيسي النصارى وحاخامي اليهود وعقال الدروز، ويصادر المسلمين كما صادر اليهود.
وأهم ما وقع في القرن التالي قتل أعيان دمشق الوالي سليم باشا، وكان قضى على جيش الانكشارية في الآستانة وهو صدر أعظم، فحاول قتل بعض أعيانهم وهو وال، فبدءوه بالشر قبل أن يبدأهم، وجعلوا الحجة في إثارة العامة أنه يريد وضع ضريبة جديدة على البيوت والحوانيت، فهاج الرعاع لذلك وقتلوه، ولولا أن اتفق في تلك السنة خروج محمد علي باشا والي مصر على الدولة، وإعداده حملة لفتح الشام، لجعلت الدولة عالي دمشق سافلها لما أصابها من الذل بمقتل واليها.
وشغلت دمشق بفتح إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ونفس خناقها بالدولة الجديدة، وقد رأى الدماشقة إدارتها أحسن من الإدارة في عهودها من العثمانيين، وكان من أول أعمال المصريين ترتيب المجالس الملكية والعسكرية، وإقامة مجلس الشورى، وترتيب المالية، ووضع نظام للجباية، ومعاملة الرعايا بالمساواة والعدل، ومع هذا استثقل أرباب النفوذ والمشايخ ظل هذه الدولة، وودوا رجوع العثمانيين، ليعيشوا معهم كالحلمة الطفيلية تمتص دماء الضعفاء وتفتك بالآمنين والأبرياء.
أما إبراهيم باشا فمضى في إصلاحه وأبطل المصادرات، وقرر حق التملك، ووطد الأمن، وأحيا الزراعة والصناعة، وهيأ الطرق لرواج التجارة، وبتشويقه عمت تربية دود الحرير ودود القز، واستخرجت بعض المعادن، فاستعادت بعض القرى عمرانها القديم، ورخص الفاتح الجديد للأجانب في إرسال معتمديهم إلى دمشق، وكانوا قبله يمنعون من دخولها، ودام حكمه في الشام تسع سنين، ومن دمشق خرج عائدا إلى مصر، فبكاه الدمشقيون بكاء شديدا، على شدته في تطبيق القوانين، وما عهد منهم أن ودعوا فاتحا بما ودعوا به إبراهيم بن محمد علي الكبير.
Halaman tidak diketahui