Dhu Nurayn Uthman Ibn Affan

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
75

Dhu Nurayn Uthman Ibn Affan

ذو النورين عثمان بن عفان

Genre-genre

وحدث أن الكوفة خلت من واليها سعيد بن العاص وخلفه عمرو بن حريث، فإذا بجموع المكاتبين تلتقي فيها؛ وإذا بأناس منهم يشيعون في الناس أن سعيدا عائد إليهم، وأنه ذهب إلى الخليفة يراوده على نقصان رزق نسائهم إلى مائة درهم، ورد أولي البلاء من المجاهدين إلى ألفي درهم، ويزعم أن الفيء من العراق بستان قريش وأنها تأخذ منه ما تأخذ وتدع ما تدع، وطفق دعاة منهم يذيعون هذه القالة أيام الجمع والناس مجتمعون في المسجد؛ فيستخفون ألبابهم، ولا يستمعون لذي رأي يبطل لهم ما يذاع على كذب بينهم، وتصدى عمرو بن حريث - خليفة سعيد على الكوفة في غيابه - لتفنيد ما زعموا؛ فقام على المنبر في يوم جمعة ينصح لهم ويوصيهم بالطاعة ولا من سميع.

قال القعقاع بن عمرو: «أترد السيل على أدراجه؟ هيهات، والله لا يسكن الغوغاء إلا المشرفية، ويوشك أن تنتضي ويعجون عجيج العيدان، ويتمنون ما هم فيه اليوم فلا يرده الله عليهم أبدا؛ «فاصبر» قال عمرو: «أصبر». وتحول إلى منزله لا يأمر ولا ينهي.

هذه بداية تتبعناها إلى نهايتها. بدأت في أوائل خلافة عثمان، وتتبعناها إلى نهايتها قبيل مقتله، وما يبلغ من خطب هذه الغاشية أن تفضي إلى مقتل رئيس دولة، لولا شذوذ في طبيعتها خرج بها عن سوائها وتعدى بها أطوارها.

نعم، هي غاشية هان خطبها لو أنها صادفت أميرا يعالجها بنظام الإمارة، وهان خطبها لو أنها صادفت واليا مسئولا عن نظام ولايته مطلق اليد في دفع شواجر الفتنة عنها، وقد عالج كل وال من ولاة ذلك العهد ما وقع منها في ولايته؛ فاستطاع أن يصرف عنه غائلتها، عالجها معاوية بنفي القائمين بها، وعالجها عبد الرحمن بن خالد بتأديب دعاتها، ولم يستفحل شرها في الكوفة إلا بعد أن غاب عنها واليها سعيد بن العاص، ووقف دونها خليفته عمرو بن حريث مكتوف اليدين وهو بعيد عن مشورة عثمان ومشورة أمير الولاية سعيد، ولو كان له أن يسكنها بالسيف كما قال القعقاع؛ لما كان تسكينها كثيرا عليه، ولكن القعقاع نفسه لم يشر عليه بامتشاق السيف على توقعه أن يعج عجيجها، وإنما أشار عليه أن يصبر فصبر، ولزم بيته لا يأمر ولا ينهى.

لقد كان خطب الغاشية هينا لو أخذها الآخذون بسلطان الولاية، ولكنها قد جرى الحساب فيها على سنة الخلافة في عهد لا هو بعهد خلافة ولا بعهد مملكة، تتقاصر فيه حقوق الخليفة ولما يتوطد فيه حق الملك، وهذه هي النكبة الكبرى في صميمها.

وفي أمثلة الشواجر التي أشرنا إليها في عهد عمر وعهد عثمان كذلك مجال للتفرقة بين طريقة الخلافة وطريقة الملك والإمارة في سياسة هذه الشئون، أو في سياسة جميع الشئون.

كان عمر أقوى من عثمان ولا مراء في ذلك، وتقدم أنه بدل ثلاثة من الولاة على الكوفة غير وال رابع كان يهم بإشخاصه إليها قبل مقتله، وشوهد مهموما مكروبا على قدرته التي لا تضيق بأزمة من أزمات السلم والحرب واضطلاعه بأعظم الأعباء التي عرضت له أيام خلافته: مائة ألف لا يرضون عن وال ولا يرضى عنهم وال، وهذه معضلة ثقلت عليه؛ حتى أحس ثقلها كل من كان يعرفه ويلقاه في إبان شكاياتها ومنازعاتها.

فما بال أزمة كهذه تثقل على الرجل الذي نهض بأفدح الأعباء وصغرت في عينيه مخاوف الدنيا ومطامعها؟

أتراه خاف من ثورة أصحاب الشكاية؟

لو كان هذا ما يخشاه لما أعضله ولا أعياه أن يعد له عدته ويفرغ منه على النحو الذي يريده.

Halaman tidak diketahui