وأراد أن يكمل الحديث فلم يجد مني مستمعا وإنما قاطعته: «ماذا جرى، لماذا هذا؟» - «ماذا؟» - «لماذا امتنعت عن العنب لما طلبت أنا لنفسي عنبا؟» - «آه، اسمع إياك أن تطلب طلبين من نوع واحد في مطعم أبدا. سيحضرون لك نصيبا واحدا ويحسبونه عليك نصيبين.»
وما زلت حتى اليوم أعمل بهذه النصيحة الغالية.
وفي أول يوم زرته في مبنى الأهرام الجديد نادى محمد ساعي مكتبه، وقال له: «هات قهوة لثروت بك.»
فإذا بمحمد يبقى مكانه ولا يتحرك، ويقول: «ليس عندي بن.»
وإذا بتوفيق بك يضحك ويقول له: «لا، لا، دا لأ؛ ثروت بك مستثنى، جيب له قهوة.»
وفهمت طبعا أنه مصدر أوامر لساعي المكتب أن يقول دائما إنه ليس عنده بن للقهوة، وبقي أن تعرف أن ثمن فنجان القهوة في الأهرام في هذه الأيام كان عشرين مليما «قرشين». وطبعا حين عينت بالأهرام أصبحت أتولى مسألة القهوة هذه كلما زرته في مكتبه.
ومن عادات توفيق بك اللطيفة أنه إذا أراد أن يعزي أي شخص من العاملين معه في الأهرام يقطع ورقة على حجم البرقية، ويكتب فيها صيغة برقية ويرسلها مع الساعي، ويعفي مصلحة البريد من متاعب إبلاغ البرقية.
ولكن كل هذا الذي أرويه يخفي الحقيقة المؤكدة، وهي أن توفيق بك من أكرم الناس الذين عرفتهم في حياتي. وأنا لا أعرف إنسانا أغدق على أسرته، المرحومة زوجته والمرحوم ولده الوحيد إسماعيل والسيدة الفاضلة ابنته أطال الله عمرها، ما أغدقه توفيق بك على أسرته هذه.
ومن طرائفه مع المرحوم ابنه أنه طلبني يوما في التليفون الداخلي في الأهرام.
قال: «هل عندك أحد؟»
Halaman tidak diketahui