لبنان
لبنان كلمة عبرانية معناها الأبيض، وهو مأخوذ من بياض الثلج الذي يغشى قممه صيف شتاء، وهذه التسمية من قبيل تسمية الشيء بظاهرة من ظواهره كما هو جار في أوضاع أكثر اللغات. فلا شيء يؤثر في نفس الناظر إلى لبنان عندما تقع عينه على قممه أكثر من بياض الثلج الذي يغشاها. وغالب الظن أن التعليل في هذه التسمية على هذه الصورة إنما هو أدنى ما يكون إلى الصحة، فقد سميت جبال كثيرة باسم «الأبيض»؛ لما يكسوها من الثلج؛ مثل جبال حملايا
1
التي هي أعلى جبال الدنيا، وكذلك جبل الشيخ لحرمون الكبير من سلسلة جبال لبنان الدنيا، وكذلك جبل الشيخ لحرمون الكبير من سلسلة جبال لبنان، فإن تسميته بالشيخ - كما قال أبو الفداء - إنما هي لاكتساء قمته بالثلج كاكتساء هامة الشيخ بالشيب. وقد ذهب البعض من المحققين إلى أن تسمية لبنان بهذا الاسم مأخوذة من صنف الشجر الموجود في أرضه كثيرا المسمى باللبني، وقال آخرون: من كلمة فارسية يقرب لفظها من لفظ لبنان، ومعناها فتات الخبز. وقيل أيضا: لبياض صخوره الكلسية. ولكن هذه الأقوال كلها بعيدة بحسب حكم العقل عن الصواب، وما أوردناها إلا من قبيل التوسع في التفصيل. (1) حدود لبنان
لبنان يشتمل على سلسلتي جبال على شاطئ البحر المتوسط تمتدان من الشمال إلى الجنوب، وهما من حيث الموقع وبعض الأحوال الطبيعية لا يصح فصلهما إلى جبلين منفردين، وخصوصا لأن التأريخ القديم يقضي باعتبارهما جبلا واحدا، ولكن لما كانت بغيتنا من هذا الكتاب مقصورة على القسم الغربي، وكان لنا من المميزات الطبيعية ما يمكننا من فصلهما فصلناهما إلى لبنان الشرقي وإلى لبنان الغربي كما هو مشهور عند اللبنانيين اليوم؛ فالغربي تبتدئ سلسلته من وادي قلعة الحصن ودير الحميراء بالقرب من جبال النصيرية شمالا، وتنتهي في وادي الليطاني عند قلعة الشقيف جنوبا، وأعلى رءوسه فم الميزاب فوق طرابلس، وارتفاعه أحد عشر ألف قدم، ثم رأس صنين وارتفاعه تسعة آلاف قدم.
وأما الشرقي، فتسير سلسلته من الشمال على بعد مرحلة من حمص جنوبا بين حسيا وشمسين تجاه آخر جبال النصيرية، ثم تأخذ إلى الجنوب الغربي، وبينها وبين السلسلة الغربية سهول بعلبك وبقاع العزيز، وتعرف عند الأقدمين بأسماء ثلاثة: كيلي سورية ؛ أي سورية المجوفة، وسورية الثانية، وسورية الوسطى. وأعلى رءوس لبنان شرقي جبل الشيخ فوق حاصبيا وارتفاعه عشرة آلاف قدم، وتمتد من هذا الجبل شعبة إلى الجنوب الشرقي، ثم إلى الجنوب البحت، وتنتهي في موضع يقال له: تل الفرس.
ولو أردنا أن نذكر جميع الجبال التي يتناولها اسم لبنان بحسب اصطلاح أبناء القرون الأولى وبعض أبناء القرون الوسطى لامتد لبنان إلى جبل جلعاد - وهو جبل الصلت - وإلى جبل الكرمل وارتفاعه ألف وخمسمائة قدم. ولكن غرضنا من لبنان في تأريخنا هذا إنما هو ما يحده من جهة الشمال جبل تربل فوق طرابلس، ومن الجنوب جبل الريحان فوق صيدا، ومن الغرب البحر المتوسط، ومن الشرق وادي البقاع أو سورية الثانية، وما زاد على هذا فهو خارج عن حد موضوعنا إلا أننا يلزمنا في كثير من الشرح والتفصيل أن نورد هذا القسم متصلا بغيره مما هو مندرج تحت اسم لبنان بحسب التأريخ القديم؛ لأن أبناء تلك القرون القديمة جمعوا في كلامهم على لبنان بين السلسلتين الغربية والشرقية، ووسعوا في نطاقهما كثيرا كما سبق لنا أن أشرنا إلى هذا فيما تقدم. (2) سهول لبنان
يتصل بسلسلتي لبنان ثلاثة سهول فسيحة؛ وهي: السهل الممتد من أمام جزيرة أرواد إلى وجه الحجر شمالي البترون، حيث ينتهي بالجبل والجا في البحر، ويعرف هذا المولج برأس الشقعة أو رأس النورية، ثم يمتد هذا السهل من ناحية البترون إلى بيروت على اختلاف في عرضه، ثم يتناول الشويفات الفسيحة، ويتصل بالمكان المعروف بخلدة على شاطئ البحر فينقطع هنالك قليلا، ثم يبتدئ فيمتد حتى المكان المسمى بالسعديات وراء الدامور، فينقطع هنالك ويلبث منقطعا إلى حد القرية المسماة بقصوبة من قرى إقليم الخروب، ثم يبتدئ آخذا بالانفراج قليلا حتى ما وراء الجية حيث ينتهي في مكان يقال له: زاروط، ومن بعد ذلك يبتدئ من رأس الرميلة بالقرب من بساتين صيدا الشهيرة، ثم يجيء بعد هذا قسم من الأرض المستغدرة في بعض المواضع منها تمتد على شاطئ البحر إلى نهر القاسمية، ومن وراء هذا النهر يجيء سهل صور الذي ينقطع عند رأس الأبيض وهو على بعد سبعة أميال من صور إلى جنوبي الجنوب الغربي، ويلبث منقطعا حتى رأس المشيرفة الذي تشرف منه على سهل عكة المنتهي عند جبل الكرمل، والمعروف بمرج ابن عامر وارتفاعه أربعمائة قدم، وأما السهل الثاني: فهو السهل المسمى بسهل البقاع، تكتنفه الجبال من جميع جهاته، وفي رأسه من جهة الشمال مدينة بعلبك ذات القلعة الشهيرة، وينتهي جنوبا عند جبل الشيخ وطوله نحو سبعين ميلا، وعرضه بين ثلاثة أميال وسبعة، ومساحة أرضه أربعمائة ألف فدان (الفدان ألف وستمائة ذراع مربع) وارتفاعه عن سطح البحر تسعمائة متر.
وأما السهل الثالث: فهو سهل دمشق، يمتد من سفح الجبل الشرقي إلى بادية سورية، وارتفاعه سبعمائة وثلاثون مترا عن سطح البحر.
وهذه السهول عجيبة الخصب في تربتها، ولا سيما السهل الأخير منها، وإننا لم نتصد لذكرها مع عدم اختصاص لبناننا اليوم بشيء منها إلا لنبين فيما يأتي أن لبنان بعيد العهد في الحضارة.
Halaman tidak diketahui