يفعل الخوارجُ، ولا كما يفعل كثيرٌ مِن أَهل هذا العصر: يريدون أَن يُحكِّموا عُقولهم في كُلِّ شأْنٍ من شؤون الدِّينِ، فما تقبلته قبلوه، وما عَجَزَت عن فَهمهِ، وإِدْراكه أَنكروه، وأَعرضوا عنه، وشَاعتْ هذه الآراءُ المُنكرةُ بين النَّاسِ، وخاصة المُتعلِّمين منهم، حتى ليكاد أَكثرهم يُعرضُ عن كثير من العبادات، ويُنكرُ أكثرَ أَحكام الشَّريعةِ في المُعاملات =اتِّباعًا للهوى، ويَزعمون أَن هذا ما يُسمُّونه روحَ التشريع أَو حكمة التشريع، وإنَّه لَيُخشى على من يَذهب هذا المذهب الرديء =أَن يَخرجَ به من ساحة الإِسلام المُنيرةِ إلى ظلام الكُفْرِ والردَّة والعياذُ بالله من ذلك، ونسأله أَن يَعْصِمنا باتِّباع الكتاب والسُّنّة والاهتداء بهديهما) (^١)
المثال الثالث:
مِن الأَمثلة كذلك التي قد يظنُّ أَنّها مما يكسر أصل أهل السنة في التسليم للنصوص =ما ورد من اعتراض عبد الله بن عبّاس ﵁ على أَبي هريرة ﵁ فيما رواه عن النبي ﷺ أَنَّه قال: (الوضوء ممّا مسَّت النَّار، ولو مِن ثور أَقط) فقال ابن عبّاس ﵁:يا أَبا هريرة، أَنتوضأُ من الدُّهنِ؟ أَنتوضأُ من الحميم؟! فقال أَبو هريرة: يا ابن أخي إِذا سمعتَ حديثًا عن رسول الله ﷺ فلا تضْرب له مثلًا (^٢) .
فمعارضةُ ابن عبّاس ﵁ للخبر ليست مؤسَّسةً على نَظَرٍ عقلي أصالة، وإنّما على جهة التبع لدلالة النصية، ذلك أنَّ ما يرويه أبوهريرة ﵁ ليس هو المحكم الذي استقر عليه فعل النبي ﷺ والذي