لكي نؤكد هذا [أعني أن الفكرة عن وجود متصل ومتميز لا تنشأ أبدا عن الحواس] نلاحظ أن ثمة أنواعا ثلاثة مختلفة من الانطباعات التي تنقلها إلينا الحواس؛ أولها هو الانطباعات التي تمثل الأشياء المادية شكلا وحجما وحركة وصلابة؛ والثاني هو الانطباعات التي تمثل الألوان والطعوم والروائح والأصوات والحرارة والبرودة؛ والثالث هو الآلام واللذائذ التي تنشأ عن اتصال الأشياء بأجسادنا، كما تحز لحم الإنسان بقطعة من الصلب مثلا أو ما شابه ذلك؛ أما النوع الأول من الانطباعات فهو عند الفلاسفة وعند عامة الناس على السواء يمثل أشياء موجودة وجودا متميزا ومتصلا؛ وأما النوع الثاني فعامة الناس وحدهم هم الذين يعدونه مماثلا تمام المماثلة للنوع الأول؛ ثم يعود الفلاسفة فيتفقون مع عامة الناس إزاء النوع الثالث إذ يجعلونه مجرد إدراكات، وبالتالي فهو يمثل كائنات متقطعة الوجود ومعتمدة في وجودها على وجود من يدركها.
غير أنه من الواضح أنه مهما يكن من أمر المذهب الفلسفي الذي نذهب إليه فإن الألوان والأصوات والحرارة والبرودة كما تبدو لحواسنا، لا تختلف في طبيعة وجودها عما تكون عليه حركة الأجسام وصلابتها [كما تبدو لحواسنا] وأن وجه الاختلاف الذي نفرق بينهما على أساسه من هذه الناحية لا ينشأ عن إدراكنا لهذا وذلك؛ فالطائفة الأولى من الصفات [الألوان والأصوات ... إلخ] إنما تمثل عند الناس أشياء موجودة وجودا متميزا متصلا، وإنهم ليأخذون بهذه العقيدة أخذا يبلغ من قوته أن الفلاسفة المحدثين إذا ما تقدموا إليهم بالرأي المضاد في هذا الصدد، كادوا يفندون رأي الفلاسفة هذا تفنيدا يعتمدون فيه على شعورهم وخبرتهم، حاسبين أن حواسهم نفسها تنقض مثل هذه الفلسفة غير أنه كذلك من الواضح أن الألوان والأصوات وما إليها هي في أسسها شبيهة بالألم ينشأ عن حز أجسادنا بجسم صلب، وباللذة تنشأ عن الدفء ينبعث من النار، وأن الفرق بين هذه وتلك لا ينبني على إدراك الحس ولا على العقل، ولكنه وليد الخيال؛ لأننا ما دمنا نعترف لكلا النوعين معا بأنهما ليسا سوى إدراكات حسية تنشأ عن الطريقة الخاصة التي تتشكل بها أجزاء الجسم وتتحرك، فمن أين يمكن أن يجيء ما بينهما من اختلاف؟ إننا نستطيع - إذن - أن نستنتج على وجه الجملة أنه في حدود ما تحكم به الحواس فلا فرق بين الإدراكات الحسية في شتى أنواعها من حيث طريقة وجودها. «رسالة في الطبيعة البشرية» (نشر سلبي بج) ص192-193
CONTINUED AND DISTINCT EXISTENCE NEVER ARISES FROM THE SENSES
To confirm this (that the opinion of a continu’d and of a distinct existence never arises from the senses) we may observe, that there are three different kinds of impressions convey’d by the senses. The first are those of the figure, bulk, motion and solidity of bodies. The second those of colours. tastes, smells. sounds. heat and cold. The third are the pains and pleasures, that arise from the application of objects to our bodies, as by the cutting of our flesh with steel, and such like. Both philosophers and the vulgar suppose the first of these to have a distinct continu’d existence. The vulgar only regard the second as on the same footing. Both philosophers and the vulgar, again, esteem the third to be merely perceptions; and consequently interrupted and dependent beings.
Now ’tis evident, that, whatever may be our philosophical opinion, colours, sounds, heat and cold, as far as appears to the senses, exist after the same manner with motion and solidity, and that the difference we make betwixt them in this respect, arises not from the mere perception. So strong is the prejudice for the distinct continu’d existence of the former qualities, that when the contrary opinion is advanc’d by modern philosophers, people imagine they can almost refute it from their feeling and experience, and that their very senses contradict this philosophy. 'Tis also evident, that colours, sounds, etc. are originally on the same footing with the pain that arises from steel, and pleasure that proceeds from a fire; and that the difference betwixt them is founded neither on perception nor reason, but on the imagination. For as they are confest to be, both of them, nothing but perceptions arising from the particular configurations and motions of the parts of body, wherein possibly can their difference consist? Upon the whole, then, we may conclude, that as far as the senses are judges, all perceptions are the same in the manner of their existence.
A Treatise of Human Nature (ed. Selby-Bigge) pp. 192-193
النص رقم 4
في أفكار الذاكرة والخيال
إن الخبرة لتدلنا على أنه إذا ما مثل للعقل انطباع ما، فإن ذلك الانطباع يعود إلى الظهور في العقل باعتباره فكرة، وإنه ليفعل هذا بإحدى وسيلتين، فإما أن يتم له ذلك حين يحتفظ في ظهوره الجديد بدرجة ملحوظة من حيويته الأولى، بحيث يكون كأنما هو وسط بين أن يكون انطباعا وأن يكون فكرة؛ وإما أن يتم له ذلك حين يفقد تلك الحيوية الأولى فقدانا تاما، فيصبح فكرة بأكمل معاني الكلمة؛ والملكة التي نستعين بها على إعادة انطباعاتنا في الحالة الأولى تسمى ب «الذاكرة »، وتسمى الأخرى ب «الخيال»؛ وواضح من النظرة الأولى أن أفكار الذاكرة أشد جدا في حيويتها وقوتها من أفكار الخيال، وأن الملكة الأولى تصبغ موضوعاتها بألوان أكثر تميزا من تلك التي تستخدمها الملكة الثانية؛ فنحن إذا ما تذكرنا حادثة ماضية، تدفقت فكرتها في العقل تدفقا فيه قوة دفع، على حين يكون الإدراك في حالة الخيال ضعيفا فاترا، ولا يستطيع العقل إلا في عسر أن يحتفظ به ثابتا مطردا لفترة من الزمن ذات امتداد ملحوظ؛ وإذن فهذا فرق محسوس بين نوعين من الأفكار.
وهنالك فرق آخر بين هذين النوعين من الأفكار، ليس أقل من الأول وضوحا، وهو أنه على الرغم من أنه لا أفكار الذاكرة ولا أفكار الخيال، لا الأفكار الحية ولا الأفكار الخافتة تستطيع أن تحقق لنفسها ظهورا في العقل ما لم تكن قد سبقتها ومهدت لها الطريق انطباعات مقابلة لها، إلا أن الخيال ليس مقيدا بنفس الترتيب والصورة اللذين جاءت عليهما الانطباعات الأصلية، على حين أن الذاكرة مقيدة بهما على نحو ما، دون أن يكون في مستطاعها إحداث شيء من التغيير. «رسالة في الطبيعة البشرية» (نشر سلبي بج) ص8-9
Halaman tidak diketahui